أحاطت بالعملية الانتخابية تفاصيل وحيثيات كثيرة، كان من بينها لجوء عدد من الجمعيات إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية نتيجة اعتراضها على ما اعتبرته تراجعا عن محتويات دستور 1973، وظهر خلال العملية الانتخابية انخفاض المشاركة في الانتخاب إلى نسبة تزيد قليلا على خمسين في المئة بحسب الأرقام الرسمية. وبينت الانتخابات تقدم ممثلي التيار السلفي والجماعات الإسلامية للحصول على الموقع الأهم من نتائج العملية الانتخابية. وجاءت تلك النتيجة على حساب نساء البحرين وممثلين لتيارات واتجاهات أخرى.
وبطبيعة الحال، ومن دون الدخول في التفاصيل، فإن بعض الحيثيات المحيطة بالانتخابات تستحق التعليق، لكن الأهم هو التوقف عند معطيات أخرى، حملتها الانتخابات البرلمانية في البحرين، ولعل الأهم فيها ثلاثة:
الأول، وصول مقاطعي الانتخابات والداخلين فيها إلى توافق يكاد يكون معلنا، بأن المقاطعة وكذلك المشاركة، لا تقطع سبل التعاون بين الجانبين فيما يخص مستقبل البحرين وتطورها الديمقراطي في تجربة هي الأهم في دول الخليج العربية.
والثاني، تأكيد أن التوافق على تعاون البحرينيين في جوهره توافق، لا يتعارض واستمرار الاختلاف والصراع بين الداخلين فيه، بل يؤكده، لكنه يحدد مساره باتجاه أن يكون صراعا سلميا وحضاريا لا عنف فيه ولا إكراه بالقوة، صراع سلمي يحتكم إلى إرادة الناس ورغبتهم في التغيير، والنظر إلى المستقبل باعتباره مصلحة مشتركة في ظل تحديات سياسية واقتصادية شديدة القسوة تواجهها البلاد.
الثالث، توجه الأطراف جميعا إلى تفعيل نشاط وحضور الفئات المختلفة في العملية الديمقراطية من خلال الدعوة إلى اتخاذ موقف من الانتخابات سواء المشاركة أو المقاطعة، بما يعنيه ذلك من توجه إلى تفعيل الحياة السياسية إلى أبعد الحدود، ودفع أوسع الفئات الشعبية لفهم ما يجري والتفاعل معه. وتساوى في هذا التوجه النشاط الذي مارسه أعضاء الحكم مع مقاطعي الانتخابات والذين شاركوا فيها.
ولا شك في أن هذه الحيثيات، تجعل من تجربة الديمقراطية، تجربة ذات أهمية استثنائية أساسها الرغبة المشتركة للدولة والمجتمع والتوافق على المضي بالتجربة إلى الأمام في بلد له ميزاته عمن يجاوره من بلدان في الخليج، إذ هو بلد صغير محدود الموارد، وفيه إرث سياسي ـ اقتصادي ـ اجتماعي، يحاول الخروج منه، عبر سلسلة من خطوات، بدأت مع وصول الشيخ حمد إلى السلطة، وطرحه مسيرة التحول الديمقراطي، التي جاءت في فصولها خطوات كثيرة، آخرها الانتخابات النيابية الحالية وقبلها، تصفية قضية الـ «بدون» التي شغلت أهل البلد عقودا من السنوات.
ولعله من المهم، ألا تفصل الخطوات الديمقراطية الأخيرة، عما سبقها من خطوات مهمة، وضعت أهل البحرين أمام خيارات جديدة في واقعهم ومستقبلهم وكان في عدادها، إطلاق المعتقلين السياسيين، وعودة المنفيين، وعودة المفصولين من أعمالهم لأسباب سياسية إلى وظائفهم، وإنهاء مرحلة الأحكام العرفية، ودفع المرأة إلى المشاركة في العملية الديمقراطية بالترشيح والتصويت، ووقف تجريم النشاط السياسي من خلال السماح بإقامة الجمعيات، وهذه كلها تشكل سياقا ونسقا وتجربة جديدة في الحياة العربية وفي منطقة الخليج خصوصا، تفوق في غناها واحتمالاتها معظم التجارب الديمقراطية في البلدان العربية
العدد 54 - الثلثاء 29 أكتوبر 2002م الموافق 22 شعبان 1423هـ