العدد 54 - الثلثاء 29 أكتوبر 2002م الموافق 22 شعبان 1423هـ

إيران والحرب على العراق... الطريق الثالث بين الحياد والانحياز

نظرية أميركية جديدة للاحتواء المزدوج

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

«إنهم يريدون نفط العراق وإيران تحت السيطرة النهائية، وتفكيك (الخيمة السعودية) في إطار المرحلة الثانية من تغيير خرائط المنطقة والعالم، والإجهاز على ما تبقى من استقلالية القرار».

هذا ما قاله خبير استراتيجي وثيق الصلة بمطبخ صناعة القرار الإيراني، مؤكدا «لذلك فإن الحياد هذه المرة أمر موهوم ولا مجال إلا في تفعيل سياستنا الخارجية باتجاه أخذ موقعنا المناسب في معركة الاستقلال الشاملة».

وعندما سألنا عن الدور الذي يمكن أن يناط «أميركيا» للمعارضة العراقية بأطيافها المختلفة في سياق الضربة الأميركية قال المصدر الذي رفض الكشف عن هويته: «إنهم يريدون (عباءة دينية) تضفي على خططهم المقبلة بعض المشروعية الدينية و(طاقما عراقيا) للديكور قد يقدم لهم بعض المقبولية الشعبية تكفي لتفعيل نشاط عسكري محلي ودولي مهمته إسقاط النظام العراقي في مقدمة لتنصيب نخبة من التكنوقراط (المحلي) المنخرط في فكرة المشروع الأميركي الرامية إلى تنصيب (حكومة دمية) في العراق تمارس التعددية والديمقراطية كإحدى هواياتها الجذابة للرأي العام المحلي والإقليمي».

ثمة من يقول هنا إن القرار الأميركي اتخذ خلال فترة التحضير لمعركة أفغانستان، وكان يفترض البدء به فور الانتهاء من المعركة الميدانية ضد «القاعدة» و«طالبان» إلا أن الرياح الأفغانية لم تجر على ما يبدو كما تشتهي السفن الأميركية.

على أية حال فإن تداعيات الحال الأفغانية إسلاميا وعربيا، وبتحديد أكثر إيرانيا وسعوديا، جعلت الإدارة الأميركية تستعجل مهمة التخلص من النظام العراقي الراهن والسيطرة النهائية على العراق، وهي المهمة المؤجلة لنرومان شوارسكوف منذ معركة «عاصفة الصحراء» نظرا إلى خيبة أملها الكبيرة بالنظام السعودي وقيادة ولي العهد الأمير عبدالله، وصدمتها الكبرى من مجمل سلوكيات الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وسياساته الداخلية والخارجية المفاجئة للإدارة الجمهورية على أكثر من صعيد. وهذه التداعيات نفسها هي التي جعلت الإدارة الأميركية تريد التخلص بأسرع وقت ممكن أيضا من «نظام الرأسين» الذي ظل يحكم معادلات المنطقة الخليجية منذ سقوط نظام الشاه في العام 1979.

من هنا يعتقد البعض أن إدارة بوش الابن، وهي تستعد الآن لضرب العراق، إنما تقوم عمليا بذلك في إطار المرحلة الثانية من معركة السيطرة على الموارد. وفي هذا الإطار تقوم في الواقع بعملية احتواء مزدوج للسعودية وإيران، أي استبدال نظرية الاحتواء المزدوج القديمة بنظرية احتواء مزدوج جديدة بعد أن أصبحت الطريق إلى بغداد معبدة، أو تكاد، من خلال مشروعها المعلن لإقامة نظام «تعددي ديمقراطي فيدرالي ليبرالي» تستبدل خلاله نظام صدام الحالي بنظام دمية يدفع ثمن انضمامه للعولمة الأميركية المعارضة، في إطار الضمانات والتعهدات المتبادلة بينها وبين فصائل من العسكريين والليبراليين المنخرطين في مشروعها أصلا. يذكر أن إدارة بوش الابن كانت بدأت مرحلتها الأولى في إطار معركتها الاستراتيجية للسيطرة على الموارد الحيوية من نفط وغاز ومياه من خلال استنفار الإدارة الجمهورية كل عسكرتاريتها الذاتية بعد صدمة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لتنصب خيمتها على تقاطع طرق الحرير التاريخية، فكانت الحرب على أفغانستان بذريعة ملاحقة أو مطاردة «طالبان» و«القاعدة» بينما الهدف الحقيقي هو الآتي:

أولا: السيطرة على منابع الطاقة في بحر قزوين الاستراتيجي.

ثانيا: السيطرة على حديقة إيران الخلفية، ومنع هذا الخصم المتمرد دوما (أي إيران) من المناورة شرقا أو التنفس شمالا.

ثالثا: الاحتواء المزدوج للدولتين النوويتين «الإسلامية» و«الهندوسية» والحد من طموحاتهما القومية عند حافة «العولمة» الأميركية.

رابعا: محاصرة روسيا القيصرية الجديدة في جغرافية المخاطر الداخلية والإقليمية وتركها قوة عظمى سابقا تأفل تدريجيا بفعل الاستئصال الذاتي.

خامسا: عزل الصين، القوة العظمى الطموحة والطامعة ربما بوراثة دور الاتحاد السوفياتي السابق، ومنعها من الوصول إلى أي من منابع الطاقة الحيوية في العالم، سواء المياه الدافئة في الجنوب أو مياه الطاقة القزوينية الواعدة.

أنْ تنصب الولايات المتحدة خيمتها العسكرية الثانية فوق خريطة العالم الإسلامي، أي فوق أرض العراق بعد الأرض الأفغانية، يعني أنها ستكمل السيطرة على مقدرات نصف مليار مسلم.

ومن قرأ بدقة تقارير «المراسل الخاص» للإدارة الأميركية للشرق الأوسط، توماس فريدمان يلاحظ نظرية الاحتواء المزدوج للسعودية وإيران. فإيران في نظر فريدمان ليست دولة ديمقراطية، بل هي «... مؤسسة دينية مستبدة تمولها ثروة النفط وتستخدم التصويت على مرشحين معينين سلفا... من أجل توفير غطاء ديمقراطي...».

ولما كانت السعودية لم تعد هي الحليف المؤتمن بل صارت دولة خطرة ترعى التطرف والإرهاب! وبالتالي لابد من إخراج النفط من مقاليدها واستبدالها بـ «جمهورية نفطية أميركية خالصة» التي يسميها فريدمان «إحضار الديمقراطية إلى العراق والعالم العربي...» وذلك في إطار خطة بوش الابن للعراق والمنطقة.

والسؤال: لماذا المعارضة الإسلامية العراقية تبدو وكأنها غائبة عن وعي هذا المشهد الكلي أو مغيّبة عنه؟ ولماذا تبدو وكأنها منخرطة في هذا المشهد المأسوي؟

ويتحدث البعض ـ بألم على مستقبل هذه المعارضة، محتجا عليها ـ عن سبب ظهورها وكأنها وفرت الغطاء لفصائل المعارضة التي يقال إنها قدمت ضمانات لواشنطن عن مستقبل الحكم في العراق، ومنها الاعتراف بالكيان الصهيوني. وما معنى أن يظهر أحد كبار العسكريين العراقيين المحتمين بعباءة المعارضة العراقية والحركة الإسلامية على إحدى الفضائيات ليقول: «ليس لدينا أية عقد أو حساسيات لتلقي أية مساعدات من أي كان» ولا يرد عليه أحد؟

ثمة من يقول في طهران: مخطئ من يتصور أن الطريق لإنقاذ شعب العراق من محنته الحالية يمرّ عبر واشنطن ولندن. ومخطئ أكثر من يظن أن بغداد «ما بعد صدام» ستكون أقل ضررا لشعب العراق، ومخطئ أكثر فأكثر من يظن أن بغداد هي المحطة الأخيرة لزحف «المغول الجدد» على جغرافية العالم الإسلامي وعقيدته.

ومخطئ أيضا كما يقول قائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي، من يظن «أن ملف العراق فيه طرفان لا غير هما أميركا وصدام حسين...» و«ان الخروج من حال الاسترخاء أو الانفعال في السياسة الخارجية تعني المغامرة!» وهي إشارة على ما يبدو إلى تصريحات وزير الدفاع الإيراني الأخيرة بشأن ضرورة «الوقوف على الحياد» كما فسرها بعض المراقبين.

إذا كان صحيحا أن طهران لن تقدم أية تسهيلات لأميركا في حربها على العراق، كما أنها لن تخوض الحرب ضد أميركا لا نيابة عن صدام حسين ولا في اصطفاف واحد معه ضد واشنطن. إلا أن الصحيح أيضا أن موقف «الحياد الحربي» في معركة شاملة تخاض على أرض «الحديقة الأمامية» للأمن القومي لبلد ما، حتى لو كانت هذه «الحديقة» مستقلة تماما، يصبح أمرا لا معنى له تقريبا في ظل الوضع القائم بين إيران وأميركا والعراق.

ثمة من يلخص الموقف المطلوب من إيران ليس الوقوف على الحياد أولا، لأن الحال العراقية ليست هي الحال الأفغانية، وثانيا لأن أهداف المعركة وغاياتها لم تعد هي نفسها بالضبط في الحال الأفغانية. وبالتالي فإن طهران ستسلك طريقا ثالثا أكثر فاعلية وأكثر انسجاما مع تاريخها وخطابها «الثوري» و«الإصلاحي» والذي عاد ليؤكده وزير خارجيتها عندما رفض تفسير موقف بلاده بأنه «على الحياد».

وموقف طهران الذي يمسك بتلابيبه مثلث خامنئي، رفسنجاني، خاتمي، سيعمل على ثلاثة مستويات:

أولا: نصرة العراق شعبا ودولة وكيانا من خلال حملة دبلوماسية فعالة ومكثفة بالتعاون مع كل دول العالم الساعية إلى حل الأزمة بالطرق السلمية، موظفة شعار ومشروع حكومة الرئيس محمد خاتمي «الائتلاف من أجل السلام» إلى أقصى حد ممكن، مانعة بذلك من تحقيق الضربة العسكرية.

ثانيا: التنسيق الدائم مع دول الجوار، لاسيما العربية منها لدفع الأمور باتجاه أن يدفع النظام العراقي وحده فواتير وضريبة الزج بالعراق في حربين كارثيتين ضد إيران والكويت، وليس تحميل شعب العراق المزيد من المآسي بسبب تصرفات نظامه.

ثالثا: الوقوف بجد وشفافية إلى جانب شعب العراق وقواه الحية من خلال وقف الحرب «الأهلية» المحتملة مقابل الدفع باتجاه التغيير الشعبي المدني البعيد عن شبهة الاستقواء بالخارج على الداخل

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 54 - الثلثاء 29 أكتوبر 2002م الموافق 22 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً