جاء في المأثور «الصلاة خلف علي أتم، والطعام عند معاوية أدسم، والجلوس على التل أسلم» هي دعوة لاجتناب المخاطر، والنأي بالنفس عن المسئولية، وهي الأنانية في أجل صورها، السلامة هي ما يبحث عنه الإنسان في كل زمان ومكان، مهما اختلف فهمه وإدراكه وقناعاته، لا أحد منا يريد العذاب والتضييق عليه في عيشه وتهديد أمنه، كل منا يحب ذاته، ويعي تماماً ماهو الخطر، وأين السلامة، ولكن أي السلامة نريد؟
تعرف السلامة في اللغة على أنها العافية والنجاة من المهالك، واصطلاحاً تعني المحافظة على الأرواح والممتلكات بتوفير بيئة آمنة للمتواجدين فيها، وذلك باتخاذ الاحتياطات الوقائية لمنع حدوث الخطر.
إن التفكير في السلامة هي نتاج للفكر الإنساني المتحضر، والمتمثلة في درء الخطر وفقاً لبرامج وخطط تضعها المؤسسات على المستويات كافة حفاظاً على الأمن على مستوى الفرد ومستوى المؤسسة نفسها. فنشر الوعي مهم لتحقيق بيئة آمنة ومحصنة وخالية من المخاطر، عبر اعتماد المعايير الدولية في السلامة المهنية، والتي تعتبر عاملاً مهماً في إيجاد جو مريح ومستقر نفسياً، فالأمن هو أهم الحاجات البشرية حسب هرم ماسلو للحاجات، لذا فإن الأمن والسلامة من المخاطر تطلب السعي قبل وقوع الخطر، أثناء وقوعه وبعد وقوعه.
إن تحديد المخاطر مسبقاً قبل وقوع الخطر، ثم العمل على الحيلولة دون وقوعه أو حتى التقليل من نتائجه، هو الجهد الذي ينبغي العمل عليه، لأن سلامة الإنسان والمحافظة عليه من المخاطر هي المراد تحقيقها سواء الأخطار الطبيعية، والتي تحدث بفعل الطبيعة كالارتفاع أو الانخفاض الشديدين في درجات الحرارة، الرياح، الأمطار، العواصف، الفيضانات، السيول، الزلازل، والانهيارات أو المخاطر الصناعية من الكهرباء، الحرائق، الغرق، السرقة، حوادث الطرق، أو الأوبئة والأمراض المعدية، السلامة الشخصية.
إن السلامة الجسدية هي من الأولويات التي يسعى الإنسان في حياته، لتأمينها من باب الفطرة البشرية، لكن أن تفقده إنسانيته وعلو أخلاقه مسئوليته تجاه الآخرين بسبب الخوف على سلامة جسده ومعيشته، أو شراء خواطر من حوله ومن يعز عليه أو يخشى منه، هنا محطة للتوقف والموازنة، ماذا نكسب وماذا نخسر؟، إن قول الحق سواء في البيت أو في العمل أو في المجتمع وعلى أي مستوى، وخاصة إن قل ناصروه وكثر مجتنبوه، وتبعته المخاطر والصعوبات، وقابله التضييق في العيش، وقلة الفرص، هو محك واختبار لنا جميعاً، وهنا تتمايز الأفراد، التي تؤثر الموقف والاتجاه على السلامة، وخاصة إننا في زمن صعب إذ لم يعد الأمر محصوراً على قول الحق فقط، وإنما تعدى الأمر إلى إخفاء الحقيقة.
ليطرح السؤال مجدداً أي السلامة نريد؟ سلامة الجسد بما يتطلبه من عيش واستقرار، أم سلامة الموقف الذي يتطلب معه الجهر به، أي منهما أولوية، ومتى يكون التفريط في السلامة تهوراً، ومتى يكون إيثاراً وتضحية؟
إننا مسئولون أمام الله في المحافظة على سلامتنا، لأن الإخلال بها وتعريضها للخطر يؤثر على من حولنا، ومن يقع تحت مسئوليتنا، إيجاباً وسلباً، لكن ذلك لا يعني أن تكون منهجيتنا في الحياة هي السلامة أولاً، في كل الحالات من عدالة وظلم وفساد وخيانة ورخاء، لأننا لم نعد نرى أن السلامة والأمان يكمن مع نهج الحق وطريق الله.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 5257 - الجمعة 27 يناير 2017م الموافق 29 ربيع الثاني 1438هـ