تأخذنا مراجعة غاي لودج، لكتاب الناقدة الأميركية البارزة مالي هاسكل «ستيفن سبيلبرغ: حياة في أفلام» المنشورة في صحيفة «الغارديان» يوم الاثنين (23 يناير/كانون الثاني 2017)، إلى ما هو أبعد من السيرة الذاتية. كأن الكتاب يحتوي على سيرتين، الأولى سيرة المخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ، والأخرى سيرة عدد من أفلامه، مع ملاحظة أن هاسكل ظلت ولسنوات تشتغل على صورة المرأة في السينما، وهي صورة تؤكد هيمنة الذكورية والأبوية على عالم هوليوود في معظم ما أنتجته منذ عقود باستثناء ربما، حضور استثنائي لثلاث نساء استطعن أن يكسرن الصورة النمطية التي كُرِّست للمرأة في الفن السابع، وهي استثناءات إيجابية، وتتحدد في ممثلات مثل: جون كراوفورد وبيت ديفيس، وكاترين هيبورن، ممن قدَّمن نماذج لأدوار قوية جداً.
علينا هنا أن نتذكر كتاب هاسكل الذي أصدرته في وقت مبكّر من العام 1974 «من التكريم إلى الاغتصاب... معاملة المرأة في السينما»، وهو الكتاب الذي بدأت من خلاله تضمين وجهة نظرها النسوية في كثير من المراجعات التي أنجزتها، والكتاب لا يبتعد عن فضاء المراجعات وإن صدر في كتاب.
الكتاب أيضاً يركز على النمطية التي يتم بها تناول المرأة في السينما، انطلاقاً من واقع تجربتين في الداخل والخارج: هوليوود، والسينما الأوروبية.
قد لا تبدو وجهة النظر النسوية طاغية في «ستيفن سبيلبرغ: حياة في أفلام»، لأنه منشغل ضمن مساحة كبيرة منه بسيرة سبيلبرغ، وسيرة أفلامه في الوقت نفسه، إلا أن من طبيعة هاسكل عدم ترك مناسبة دون أن تتطرق إلى واحد من الموضوعات المحببة إليها، من وجهة نظر نسوية، وباعتبارها ناشطة في هذا المجال.
تضعنا هاسكل أمام ربط هو بمثابة اعتقاد، بأن الصورة التي تقدم فيها المرأة من خلال أساليب عدد من المخرجين، هو انعكاس لقيم وحياة أولئك المخرجين. لا تفصل بين العالمين: عالم التمثيل، وعالم الواقع لأولئك المخرجين، وبالتالي نحن أمام تكريس للقيم الذكورية من خلال تلك الصناعة. في وظائف الإخراج النسائي تبدو الصورة فاقعة أكثر، ولا فرق هنا بين مجتمعات متقدمة وأخرى متخلفة. في كلا المجتمعين ثمة نظرة استنكار حين تتصدى المرأة لعمل الإخراج السينمائي، باعتبار أن تلك الوظيفة قيادية من الطراز الأول، فيما تقبُّل إسناد دور الإخراج لها ظل باهتاً ومرفوضاً بتعبير أكثر وضوحاً.
هناك تقسيم واسع على نحو متزايد في النظر إلى الأفلام وصانعي الأفلام نسميه الآن «النقد الاستباقي» بتحديد امتيازات العمل غير المرغوب فيها، مثل الرسوم المتحركة التي تستهدف الأسرة ومغامرات البطل الخارق، تلك النوعية التي لا تحتاج الى تأييد حاسم للتواصل مع الجمهور، ويبقى المخرج العالمي ستيفن سبيلبرغ هو الشخص الموجه والشفيع لكل أولئك. الرجل الذي، ومنذ أكثر من 40 عاماً، غيّر نموذج الأعمال الاستراتيجية العامة في استوديوهات الأفلام مع عمله الفارق «الفك المفترس»، والذي أثبت منذ فترة طويلة بأن النجاح التجاري والإشادة الفنية ليسا بالضرورة أن يكونا مترابطين: قام بتحقيق أرقام بالملايين مع أفلام ظلت عالقة ومحبوبة لدى الجمهور مثل: «ET»، فيلم الخيال العلمي الذي أنتجه وأخرجه سبيلبرغ العام 1982. يحكي الفيلم قصة صبي اسمه إليوت يصادق مخلوقاً فضائياً ودوداً ضل سبيله إلى كوكب الأرض، فيحاول إليوت مساعدته للعودة إلى كوكبه الأم بدون أن تعرف أمه والحكومة بأمره، وهنالك وسلسلة أفلام «إنديانا جونز ومملكة الجمجمة الكريستالية»، وهو الجزء الرابع من السلسلة أنتجه جورج لوكاس وأخرجه سبيلبرغ في العام 2008.
مراجعة لودج تشير إلى أن النقد الاستباقي منح سبيلبرغ مهنة ستظل قصْراً عليه في هوليوود لسنوات، ولعل بعض ملامحها تبدو في قدرتها على تسجيل سبْق من خلال تحقيق أهداف مختلفة، تلك التي تتراوح بين الترفيه والدراما المليئة بالكثير من الاشتغال على هيبة الضمير. في العام 1993، كان يبدو مستحيلاً أن يتمكن أحد صناع الفيلم من إطلاق عمل مثل «الحديقة الجوراسية». هنالك أيضاً «قائمة شندلر» في العام نفسه، والذي استند فيه سبيلبرغ إلى كتاب توماس كينلي. يحكي الفيلم قصة أوسكار شندلر وهو صناعي ألماني مسيحي أنقذ 1100 يهودي بولندي من القتل في المحرقة (الهولوكوست) إبان الحرب العالمية الثانية.
في مقدمة كتابها «ستيفن سبيلبرغ: حياة في أفلام»، والتي لم تبدُ مُسهبة بما فيه الكفاية، تعترف هاسكل بموقف يتعارض مع الحياة المهنية الممتدة لسبيلبرغ: «كلانا حظي ببقعته المظلمة»، وكما تعترف «لكن بقع سبيلبرغ المظلمة كانت بمثابة مواقع نظر لي، والعكس صحيح».