فليحاول إنسان عادي أن يستقدم عاملاً للكويت. سيدرك بسرعة أن العملية صعبة، وتتطلب داخلية، وقوى عاملة، ووزارة شؤون، وغيرها من توقيعات، كل توقيع أطول من الثاني.
من حيث الشكل، صرامة ما بعدها صرامة، أما من حيث الموضوع، فحسب أرقام يونيو/ حزيران العام 2016، يبلغ عدد سكان الكويت 4.330 ملايين إنسان، نسبة الكويتيين منهم 30 في المئة، والوافدين 70 في المئة، غالبيتهم من الذكور والتعليم المتواضع. والوضع أشد وطأةً في تركيبة العمالة، حيث تبلغ 2.645 مليون، نسبة الكويتيين منهم نحو 17 في المئة. ويزيد عدد العمالة المنزلية على 600 ألف.
ربما من الخطأ القول إن لدينا تركيبة سكانية، والأصح أن ما لدينا هو «تخريبة» سكانية. بالطبع إصلاحها مطلوب، بل وأدرجته ضمن أضابيرها كل خطط التنمية كأولوية منذ عرفناها. كل تلك المحاولات فشلت في تحقيق نتيجة تذكر، دع عنك أن الوضع يتراجع. الموضوع مشابه لقضية البدون، وربما لأن البدون هي الشريحة الهشة لقضية إنسانية شائكة، يظن المسئولون أنه قد تم حلها بتغيير اسمها إلى مقيمين بصورة غير قانونية.
ما نخشاه هو أن ما سينتج عنه الضجيج «السكاني» ليس إلا لوماً لضحية، وتبرئة لجان، ونفض اليد من المسئولية بضرب الحلقة الأضعف، الوافدين، وربما تغيير اسمهم، ويتم صرف النظر عن تجار إقامات، وفاسدين، ومرتشين، ومتنفذين. إنها حكاية «الحمار والبردعة»، فحين لا تقدر على الحمار تلوم البردعة.
فلنأخذ مثالاً على ذهنية التفكير بالعلاج. برز لنا منذ سنوات مصطلح الشركات الوهمية، وهو مسلسل مكسيكي طويل، ربما نعرف خلاصته في الحلقة 273. شركات ذات ترخيص «ملعوب به»، لكنها قادرة على جلب أعداد كبيرة من البشر، وبالذات العمالة الدنيا الفقيرة، ورميهم بالشارع مقابل أموال طائلة، فماذا كان الإجراء؟ العلاج كان بقيام السلطات الأمنية بتهديد المساكين الذين جلبتهم تلك الشركات بالإبعاد الفوري، دون أي اعتبار لكونهم ضحايا، وأن كل أوراقهم وإقاماتهم سليمة. بالطبع لم يتضمن العلاج الشركات الوهمية وأصحابها، أو الأجهزة التي سمحت. على إثر ذلك نظمت حملة إنسانية سريعة، تطالب بإعطاء الأشخاص المتضررين وعددهم بالآلاف، فرصة زمنية كافية لتعديل أوضاعهم، ولم تتم الاستجابة لتلك المطالب البسيطة والمنطقية إلا بعد تهديد أحد النواب باستجواب وزير الداخلية.
حقيقة الأمر هي أن تخريب التركيبة السكانية نتج عن السياسات العامة عبر السنين الطويلة، والتغاضي عن تجار الإقامات إن لم يكن تشجيعهم، وصرف النظر عن ممارسات الاتجار بالبشر، وعدم الجدية في الخطط التنموية. هي الخلاصة لنظام ريعي غير منتج.
إن الإصلاح منظومة متكاملة، والتركيبة السكانية جزء منها، وحتى اللحظة، لا توجد هناك جدية في ذلك، دع عنك وجود الرغبة. أما إن وجدت فالطريق واضح ومكتوب وموضوع بالأدراج، انفضوا عنه الغبار ونفذوه، بلا صراخ ولا عويل ولا إهانة لكرامات البشر.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 5255 - الأربعاء 25 يناير 2017م الموافق 27 ربيع الثاني 1438هـ
الدول الوحيدة في العام التي لا يوجد بها وزارات تخطيط هي دول الخليج وان وجدت هذه الوزارات فلا تعمل وفق برنامج فاعل وخطط مستقبلية استراتيجية بل على العكس هناك تدمير للانسان الخليج والبيئة الخليجية والثروات فمعظم البلاد الخليجية قضت على ثروة الماء والزراعة وصيد اللؤلؤ والاسماك واصبحنا نعتمد على الخارج
إننا دول نحمل معاول هدما في ايدينا ونخرّب أوطاننا بثرواتنا.. سبحان لم نرى مثل هكذا أمم توغل في دمار انفسها وشعوبها بنفسها كما يحصل لهذه الدول ..