يتعجب المرء وهو يرى تناثر الملفات الانسانية على خريطة البحرين السياسية والاجتماعية والثقافية وقد يعدم الجواب على بعض الملفات بيد ان هناك ملفات انسانية ووطنية من العيار الثقيل لا يمكن ان يمر عليها من دون ان تستوقفه دموع اهالي هذه الملفات وما تحمله من شجون ممزوجة بحسرة التقصير، وروحية الاهمال أو التسويف لدى بعض الجهات المختصة بذلك.
11 عاما مرت على عوائل المفقودين البحرينيين على ارض العراق ولم نسمع في يوم من الايام ان مسئولا رسميا تكرّم علينا بتصريح عن هذا الملف، عن خطوة ولو متواضعة قدمت إلى هؤلاء المواطنين.
ولم نسمع ان مسئولا في يوم من الأيام طالب بهؤلاء في كل مؤتمرات وزراء الخارجية العرب، ولم نر انهم وضعوا ضمن لائحة المطالب، ولا على الأقل سئل عنهم ولو في لقاء عفوي احتفالي ضمن احتفالات السفارة العراقية في البحرين للأعياد الوطنية لارض العراق وما اكثرها.
وهنا اقول: ملف هؤلاء المفقودين لم يفتح حتى يغلق... واذا ابتدأنا به الآن فهي فاتحة الخير ونحن ندشن بداية ملفات التجربة الأولى للديمقراطية البحرينية. إذ يقع على النواب بل كل المجلس ان يبدأوا المطالبة بهؤلاء وبكل اصرار وكذلك بالمعتقلين في غوانتنامو وغيرهما من الملفات التي سأتطرق اليها لاحقا.
ذلك هو القدر يفرض كل اوجاعه في كل لحظة واحدة وفي تاريخ انساني واحد. هل هو قدر أم مصادفة ان يكون بعض هؤلاء المفقودين ممن عرفتهم وعن قرب؟ فمن المفقودين البحرينيين في العراق مازال يضغط على الضمير. رضا الشهابي الشاب المؤمن كان زميلا لنا في المرحلة الثانوية عرف بخلقه وايمانه وصداحة صوته الجهوري في ترديد المدائح والاناشيد الهادفة. اسامة مسلم كنت اعرفه اخا لزميلي في الدراسة ذاتها وكنا نسمعه انه يحلم بتكليل مستقبله بدرجة اكاديمية عليا. وما بينهما يستقر حسن آل شرف ابن قريتي والصديق المقرب لأخي هادي كنا نسأل عنه دائما وكنا نسترق السمع لأي خبر يأتينا عنه من ارض العراق. اما البقية فهم ايضا من عوائل كريمة. المصلي، السماهيجي، المختار، الموت، الحوري. الخ.
هؤلاء غيبوا في ارض العراق واستقر مكانهم في افئدة اهاليهم وشعبهم جمر الحسرة الممزوجة بأمل العودة... ليسوا واحدا ولا اثنين بل ثمانية اشخاص... ومرت اعوام منذ العام 1991 ولم تسمع عنهم اخبارا الا تلك الاخبار المتناقضة وعلى رغم هذه المأساة هل تجشم العناء أحد من مسئولي وزارة الخارجية ليسأل؟ ليبحث؟ لينتقي معلومة؟ ربما تكون خيطا للوصول اليهم؟.
لست في مقام التشكيك في الوزارة بقدر ما انا هنا في مقام النقد والشعور بخيبة الأمل والاحباط وإلا لماذا يترك ملف انساني وطني طيلة 11 عاما من دون ادنى مبادرة تجاهه ولو لحفظ ماء الوجه أمام عوائل هؤلاء المفقودين؟ إذ اننا وفي طيلة 11 عاما لم نر تصريحا واحدا ولو في صحيفة، ولو اشارة عفوية جاءت في سياق الخطأ!!! واتمنى وانا لست هنا متشائما ألا يلتحق بهذا الملف المفقود ملف المعتقلين في غوانتناموا فلربما ننام 11 عاما اخرى لنستيقظ على العويل الصحافي ذاته الذي نعيشه عندما يذهب المثكول حدا في التحدث مع النفس كي ينسى المصاب!!
مر اسبوع بأكمله أو أكثر على صدور العفو الشامل للمعتقلين السياسيين في العراق ولم تنطق وزارتنا ببنت شفة، ولم تحرك ساكنا في الوقت الذي مازال هذا الملف يضغط على ضمائر الناس ويلح عليهم بالمطالبة المستمرة.
الناس تناقلت وقبل 11 عاما نبأ الشاهد الوحيد (محمد فندم) على بعض المشاهد التي رآها ورواها... هل سألت عنه وزارتنا؟ هل قامت بالاتصال به لمعرفة التفاصيل كي تستكمل ولو جزءا من المعلومات للاقتراب من خيط الحقيقة حتى تستطيع ان تقدم ملفا إلى العراق؟ للأسف كل ذلك لم يحدث وسيكون مصير القضية مصير قضية الطفلة التي اختطفت من ابيها الى احدى دول شرق آسيا ومصير زوجة وابن سامي ومصير ابنائنا في غوانتنامو وابنائنا في العراق وهكذا ملفا وراء ملف حتى تتحول الى احباطات مجتمعية.
وحتى ندخل في الآليات العملية نطرح بعض الأمور:
لماذا لا تشكل لجنة رسمية تبحث مثل هذا الملف وتقوم بزيارة العراق لتقصي الحقائق؟ اليس هذا الملف ضرورة وطنية مستعجلة؟
لماذا لا يتم استغلال الظرف الاقليمي بالمطالبة بفتح مثل هذا الملف مع العراق وهذا اقل شيء يقوم به العراق تجاه المملكة وشعبها الذي لم يأل جهدا في الدفاع عن العراق واستنكار محاولة ضربه من جمعيات الى نواد إلى جماهير. فهنا يجب أن يكون ضمن ادبياتنا السياسية المطالبة بهؤلاء المواطنين، فهو موقف انساني وطني قومي لا يقل قومية عن أي ملف آخر فلنوصل رسالة إلى العراق وإلى الصليب الأحمر الدولي وإلى منظمات حقوق الإنسان.
نحن لا نطلب رسميا من وزارة الخارجية البحرينية مثل ما تقوم به وزارة الخارجية الكويتية في مطالبتها بأسراها إذ أن الثانية تمرست في المطالبة لمدة 11 عاماَ ولم تمل وها هو الاعلام الرسمي الكويتي حاضر في كل مكان وتشهد صور الأسرى الكويتيين على واجهة المطار وفي ضمن برامج التلفاز وفي الملصقات ولجنة في البرلمان الكويتي ولجان في الجمعيات السياسية وجمعيات ومؤسسات التجمع المدني وغيرها... نحن لا نطالب بذلك وبمثل هذا الاعلام ولكن اعطاء القليل ولا الحرمان والقليل هنا لجنة تنبثق من الوزارة لتتابع الملف مع المعنيين في العراق وبالاسلوب الودي وخصوصا اننا نمتلك علاقات كريمة مع العراق ويعلم المسئولون هناك وحتى الشعب مقدار التفاعل الشعبي البحريني مع العراق ضد التآمر الذي يراد ممارسته على الشعب العراقي. وما الاعتصامات الشعبية التي تقام الا دليل على ذلك. لقد هز ذلك الموقف التراجيدي الحزين للعوائل المنتظرة رجوع ابنائها وهي ترفع المناشدات المكلومة، وخصوصا بعد الاتصال الذي وصل الى عائلة المفقود علي موسى الحوري عند وصول نبأ اطلاق سراح ابنها ما جعل هذا الملف يطفو مرة اخرى على واجهات صحافتنا المحلية.
وزارة الخارجية البحرينية هي المعنية مباشرة بهذ الملف وغيره من ملفات سابقة فيجب ان تسعى إلى تطمين العوائل البحرينية بأنها ستتبنى هذا الملف من دون تسويف أو كلمات انشائية. فالناس تريد ان تصل إلى نتيجة وقد اصبحوا معلقين في معرفة الحقيقة وخصوصا ان مثل هذه الملفات بدأت في ازدياد من دون ان نرى اثرا ولو بالتحرك البسيط، حتى لا يصاب الناس بخيبة امل اخرى بعد الذي اصابهم من تصريح احد المسئولين بالوزارة عن ملف الابناء المعتقلين في غوانتنامو عندما جاء على لسان احدى هذه العوائل في يوم 9 سبتمبر/أيلول في احدى الصحف المحلية عندما قال: «ان وكيل الوزارة صرح للعوائل بأن تصرفوا وان الوزارة لا تستطيع عمل أي شيء لفك اسر البحرينيين الستة المحتجزين في غوانتنامو ودعا الاهالي إلى الاتصال باللجان والجمعيات والمنظمات العالمية» معتمدة على نفسها في ذلك. كذلك ملف المواطن سامي سمير والذي تم اختطاف زوجته وابنه امام الملأ وامام كل العالم لتؤخذ قبل عام إلى السعودية من دون ان نرى تحركا من وزارتنا في هذا الامر. ليس من المنطق ابدا السكوت عن هذا الملف ايضا ليس من المنطق ان يأتي شخص معروف الاسم والمكان ويختطف مواطنة مع ابنها من دون ان يقدم إلى محاكمة او من دون ان يتم تتبع هذا الملف. ان من اقل الحقوق ان تُرْفع قضية على الخاطف لا ان تجعل الزوج (سامي) يهيم على وجهه كل يوم في مكان. اين هي وزارة الخارجية من هذا الملف؟ هل يعقل ان تبقى زوجة هذا المواطن وابنها عاما كاملا من دون وضع حلٍ لهذه القضية؟ وخصوصا اننا نعلم الخاطف وهو: س.م. ج وان الزوجة المخطوفة نورة وابنها نواف وغيرها من المعلومات من كون الخاطف سعوديا اخذها إلى منطقة (القريات) الواقعة بين الحدود السعودية الاردنية في قبيلة (شراري)... لماذا لا يتم الاتصال بالجهات المختصة في المملكة العربية السعودية الشقيقة وخصوصا اننا نمتاز بالعلاقة الكبيرة وعلى جميع المستويات معها؟
ويبقى سؤال ملح: ماذا لو أصاب الابن او الام خطب لا سمح الله، هل سنعوض اباهم المواطن (سامي) عن كل مدة التسويف هذه؟ هل بامكان أي مواطن بحريني ان يتحمل اختطاف زوجته وابنه لمدة عام كامل من دون ان يعلم عنهما شيئا ونحن نعيش في الالفية الثالثة المحكومة بالقوانين والمواثيق الدولية؟
ان هذا المواطن بذل كل وسعه في سبيل ايصال صوته إلى الشعب البحريني وإلى المسئولين كما قام بالاعتصام امام سفارة المملكة العربية السعودية ولم يلق أي اجابة سوى اجابة واحدة وتفاعل انساني رسمي واحد وهو ان جاءه رجال الأمن ليثنوه عن الاعتصام كي لا يسبب «الازعاج» «لأي احدٍ» ان اختطاف ام مع ابنها طيلة عام مع الفصل ايضا بين الام وطفلها هذا لا يسبب ازعاجا فالحلقة الاضعف (المواطن) له مقدرة التحمل وامتصاص الازمات!!!.
لن اتكلم كلاما عاطفيا ولكنني سأسأل سؤالا واحدا: لو كانت زوجة وابن هذا المواطن الفقير عائلة مسئول درجة خامسة فقط الن تقام الدنيا ولن تقعد من اجل اعادتهما؟ ألا يتنافى ذلك مع مفهوم تساوي المواطنة؟
نحن نشكر وزارتنا على تفاعلها مع القضية الفلسطينية ودعوتها كباقي الدول الى عودة المبعدين الفلسطينيين ولكن اعتقد ايضا يجب ان نطالب بعودة المفقودين الاسارى من المواطنين البحرينيين بمن فيهم من ذكرتهم في هذا المقال وهنا اسجل مفارقة اخرى وهي اننا مازلنا نملأ الصحافة والشارع كشعب ومؤسسات ملصقات للطفلة العزيزة (فاطمة) المفقودة وهذا موقف انساني كبير يدل على انسانية المجتمع البحريني ولكن اجد ذلك امرا عجيبا فأنتم تملكون المعلومات الدقيقة لأماكن ومختطفي الابنه (كوثر) وزوجة وابن سامي سمير فلماذا لا تبتدئون بالاسهل فهؤلاء نعرف مكانهم ومختطفيهم؟ انها مفارقة غريبة.
كل هؤلاء هم ابناؤنا من هم في غوانتنامو يحتاجون إلى مؤازرة وعمل رسمي دقيق وثقيل وكذلك من هم في العراق وكذلك الطفلة المختطفة وعائلة سامي ونتمنى الا يكون هناك اناس في الطريق، والقاعدة تقول: «من امن العقوبة اساء الادب» مرور اعوام على الأنباء في العراق وعام على غوانتنامو وعام على العائلة المخطوفة لا شك في ان مرور كل هذا المدة من دون سؤال ضيع الكثير من المعلومات وعقّد مثل هذه الملفات. من المسئول عن كل ذلك؟ وهل ستكون هناك مبادرات رسمية جريئة لمثل هذه الملفات قبل ان يفاجئنا القدر بمفاجآت قد تكون غير مرضية او غير سارة لا سمع الله وهل بامكاننا تدارك ما يمكن تداركه؟ نحن امام اختبار وطني انساني كبير نتمنى ان ننجح فيه حتى لا نصبح كسيارة الاسعاف التي لا تأتي إلا بعد وفاة المصاب!!!
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 53 - الإثنين 28 أكتوبر 2002م الموافق 21 شعبان 1423هـ