ليس البريطانيون وحدهم هم من ينتظرون بشغف حكم المحكمة العليا في بريطانيا بشأن قرار بلادهم الخروج من الاتحاد الأوروبي.
سيكون حكم المحكمة بشأن ما إذا كان للبرلمان الحق في الإدلاء بدلوه فيما يتعلق بشكل هذا الخروج أم أن الكلمة الأخيرة كانت للشعب الذي انحاز لهذا الخروج "بريكست" من خلال الاستفتاء الذي أجري بهذا الشأن العام الماضي؟
من المنتظر أن يكون لحكم المحكمة غدا الثلاثاء تأثير بالغ على توقيت حدوث هذا الخروج وشروط انفصال بريطانيا عن أوروبا.
كان رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قد أكد عقب فوز جبهة الخروج من الاتحاد الأوروبي أن القرار الذي اتخذه البريطانيون في حزيران/يونيو الماضي بشأن الخروج من الاتحاد "ليس توافقيا" ولكنه أوضح في الوقت ذاته أن العلاقة بين بريطانيا والاتحاد "لم تكن حميمة أبدا" حيث كان الكثيرون في بريطانيا يرون أن بريطانيا تضطر لدفع الكثير إلى الاتحاد ولكنها لا تحصل في مقابل ذلك سوى على نذر يسير من الأموال الأوروبية المشتركة.
وحمل هؤلاء مهاجري دول شرق أوروبا بشكل خاص المسؤولية عن الكثير من مشاكل بلادهم سواء تردي الوضع في القطاع الصحي أو الإسكان أو التنافس في سوق العمل.
تسعى الحكومة البريطانية للانتهاء من إتمام بيان الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وفقا للمادة 50 من معاهدة لشبونة وإرساله للمفوضية الأوروبية في وقت أقصاه نهاية آذار/مارس المقبل.
وينتظر أن تستمر مفاوضات الخروج عامين. وهذا وقت قصير جدا لحسم الكثير من القضايا المعقدة بشأن العلاقة المستقبلية بين لندن والدول السبع والعشرين المتبقية في الاتحاد.
لم يستبعد السفير البريطاني لدى بروكسل، إيفان روجرز، الذي استقال من منصبه مؤخرا، أن تصل مدة التفاوض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لحسم القضايا العالقة وتوضيح شكل العلاقة المستقبلية بينهما إلى عشر سنوات.
وتعتبر الحكومة البريطانية تصويت البريطانيين خلال استفتاء الخروج بمثابة تفويض لها من قبل الشعب لتولي مهمة إتمام الخروج ولا ترى الحكومة ضرورة لتدخل البرلمان في هذا الشأن في حين يرى المعارضون أن الديمقراطية البرلمانية تقتضي أن تكون للبرلمان الكلمة الأخيرة وأن الاستفتاء لا يعدو كونه توصية للحكومة ليس لها تداعيات مباشرة على مجريات الخروج نفسه.
وكشفت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في السابع عشر من كانون ثان/يناير الجاري في خطاب المبادئ الذي طال انتظاره بشأن تصور الحكومة عن شكل الخروج وخطواته عن تصور حكومتها بشأن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي وأنه لن يكون فقط انفصالا عن الاتحاد بل عن السوق الأوروبية الموحدة أيضا.
وتأمل ماي بدلا من ذلك في أن تكون هناك "اتفاقية تجارة حرة شاملة" .
ولكن خطاب ماي كان ملتبسا حيث اجتهدت من ناحية من أجل أن تكون نبرتها تصالحية مع الاتحاد ولكنها حذرت الاتحاد في الوقت ذاته من "معاقبة" بريطانيا جراء انحياز شعبها للخروج من الاتحاد.
يخشى مؤيدو الانفصال الواضح عن بروكسل في حالة الهزيمة أمام المحكمة العليا في بريطانيا من أن يقوم نواب البرلمان المؤيدون للبقاء في الاتحاد الأوروبي بتمييع "الخروج الصارم" من الاتحاد.
كما أنه من الممكن حسب هؤلاء أن تؤدي العملية التشريعية لاضطراب في خارطة الطريق الطموحة للخروج من الاتحاد وهو ما يسعى النواب بشتى السبل للحيلولة دون وقوعه.
وصفت وسائل إعلام بريطانية عملية الخروج أيضا بأنها "معركة الخروج".
عندما بدأت المحكمة العليا في لندن نظر القضية في كانون أول / ديسمبر الماضي قال رئيس المحكمة ديفيد نوبرجر إن القضية ليست بشأن إلغاء نتيجة الاستفتاء ولكن قضاة المحكمة ينظرون قضايا قانونية فقط.
وكانت إحدى الصحف قد أساءت لقضاة المحكمة في وقت سابق واصفة إياهم بأنهم "أعداء الشعب" لأنهم حكموا لصالح البرلمان. وتلقت الناشطة السياسية جينا ميلر عدة تهديدات لأنها هي التي حركت الدعوى التي تطالب فيها بإشراك البرلمان في عملية الخروج.
وعلى قضاة المحكمة العليا في بريطانيا الآن النظر في الطعن المقدم ضد حكم المحكمة العليا في لندن والبت فيما إذا كان من حق الحكومة أم البرلمان إطلاق مفاوضات الخروج من الاتحاد.
و لم يحدث من قبل أن نظر جميع قضاة المحكمة العليا الأحد عشر في بريطانيا نفس القضية في نفس الوقت.
وإذا صدر الحكم لصالح البرلمان فستكون هناك الكثير من القضايا التي تحتاج للحسم، منها على سبيل المثال ما إذا كان التصويت البسيط في البرلمان كافيا أم ستكون هناك عملية تشريعية معقدة.
وتطالب كل من اسكتلندا و ويلز وأيرلندا الشمالية بأن يعطى لبرلماناتها حق الإدلاء بدلوها في التحكم بمقاليد الأمور، وإذا نجحت هذه الدول في إقناع القضاة بذلك فربما تأخر خروج بريطانيا من الاتحاد البريطاني لفترة إضافية. وكان الاسكتلنديون قد صوتوا بأغلبية واضحة ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتسعى الحكومة في أدنبرة لصياغة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي بشكل يجعلها وثيقة قدر الإمكان أو تستقل عن بريطانيا.
كما أن هناك انتخابات جديدة في أيرلندا الشمالية مطلع آذار/مارس المقبل وهو ما يمكن أن يزيد القرار تعقيدا.