يحدث أن تشعر بأن روحك منكسرة. بأن الهّم يجثو على قلبك، فيغرقك في يأسٍ يحرمك الاستمتاع بجمال الحياة، بكل ما تحمله من نورٍ، مهما بدا مخفياً وراء غيمة، لابد أن تنقشع في وقت ما، وبكل ما تحمله من سعادة، حتى وإن تباعدت خطواتها عن قلبك.
في مثل هذه الأوقات تبحث من حولك عن صوتٍ يطبطب على قلبك، ويهدهده. يكون لك عوناً وسنداً. يقتسم معك لحظة الألم فيحيلها أملاً. ويغمرك باهتمامه، فيبسط لك الحضن سعادةً وراحة.
تلك هي الفطرة البشرية، أن تبحث عمّن يكون إلى جانبك وقت الشدة والضيق. وكم هو غنيٌّ من يجد حوله ولو قلباً واحداً يلملم بعثرته كلما ضاقت به الدنيا، واشتدت عليه المصاعب. غنيٌّ لأن وجود مثل هؤلاء بات ضرباً من المعاجز، في ظل زمنٍ كثرت فيه مشاغل الحياة، حتى أخذت الناس عن بعضها، وفي ظل زمنٍ تفشت فيه الأنانية حتى غدا كل فرد يبحث عن مصلحته غير مكترث بغيره بما فيهم أقرب الناس إليه. وكم هو غنيٌّ من يجد قربه شخصاً يسمع ألمه قبل شكواه، ويشعر بدمعته قبل انحدارها، فيهرع إليه قبل أن يبحث عن سند. شخصٌ يكون له كتفاً يتكئ عليه حين تحاول الدنيا كسره، فيسنده ويحيل ضعفه قوة حتى ولو لم يقدم غير ذاك القرب والإنصات لشكواه؛ إذ يكفي أحدنا ذلك أحياناً كي يستعيد قوته ويقف من جديد بعد سقوطه.
وكم هو بائسٌ ذاك الذي يلجأ لأخٍ أو قريبٍ أو من ظنّه صديقاً أو حبيباً وقت ضيقه فلا يجده، ولا يجد منه إلا اللامبالاة أو التهرب. حينها يشعر بالوحشة والوحدة وكأنه في جزيرة مهجورة لا يوجد بها سواه.
ولهذا فإن الأغنى من هذا وذاك، والأسعد من هذا وذاك، هو ذلك الذي يلجأ لربه، لأن علاقته به وثقته بتدبيره أقوى من أي شيء آخر. يعرف أنه وحده القادر على تخليصه مما هو عليه فهو وحده الرحمن الرحيم، حتى وإن بدت حاجتنا لتلك الأحضان البشرية ضرورة وفطرة.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله فيما ينسب له من أبيات:
سهرت أعينٌ ونامت عيونُ
في أمورٍ تكون أو لا تكونُ
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس
فحملانك الهموم جنونُ
إن رباً كفاك بالأمس ما كان
سيكفيك في غدٍ ما يكون
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5252 - الأحد 22 يناير 2017م الموافق 24 ربيع الثاني 1438هـ