بين إعلان أميركا امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي والضغوط الأميركية على مجلس الأمن... لحظت غالبية المقالات العربية المعارَضة البارزة التي تبديها كل من روسيا وفرنسا في وجه الموقف الأميركي، علما ان البعض تخوف من ان كوريا الشمالية ستتحول حتى إشعار آخر ورقة أميركية مع روسيا والصين لضمان مناخ دولي أكثر تشددا مع العراق يسمح بتحويله درسا لما تعتبره أميركا أنظمة مماثلة فتمتثل دبلوماسيا، حسب ملاحظة سحر بعاصيري في النهار... لكن ما شغل الكتّاب العرب أيضا ظاهرة ان الفاعلين في مجمل الحوادث الدموية التي شهدتها عواصم العالم هم مسلمون، من عز الدين برقان الذي أقدم، في باريس، على محاولة اغتيال رئيس البلدية برتران دولانوي طعنا. وجون ألن محمد »قناص واشنطن» الذي أردى عشرة أميركيين. وثوار الشيشان الذين اقتحموا مسرحا في موسكو واحتجزوا المئات رهائن، إلى حوادث الفلبين وأندونيسيا.. هذا الهم الجديد القديم، أطل في معظم قراءات وتحليلات الكتّاب العرب، فثمة قاسم مشترك وحيد يجمع بين هذه القضايا الإسلامية المتفرقة، هو الإحساس بأن عالم اليوم يتيح فرصا لم تتوافر من قبل من أجل استعادة الهوية وحق تقرير المصير.
الخروج من حقبة تاريخية طويلة سادها الاستعمار، وميّزها الاضطهاد، وحكمها التخلف، سواء بالتفاوض أو الدبلوماسية، أو بالعنف الذي بلغ في هذه المرحلة ذروة لم يسبق لها مثيل، على ما يقول ساطع نور الدين في السفير... لكن مدير التحرير في السفير، جوزف سماحة، حدّد الأولويات، على رغم انه قد يكون صعبا الطلب من الشيشان الخضوع لأولويات لا تخصهم، لا يسع أي عربي يتمتع بحد أدنى من العقل إلا أن يرتب الأولويات بشكل يقول إن المطلوب الآن وفورا نصرة الشعب الفلسطيني ومنع أي حرب أميركية محتملة على العراق.. أما عملية احتجاز الرهائن في دار الثقافة في موسكو، وعلى رغم ان الخاطفين قدموا مطالب بإنهاء الحرب الشيشانية، فإن مراقبين أجمعوا على «مضاعفات خطيرة للحادث داخل روسيا»، ربما تؤثر على مواقف موسكو من العراق وصولا إلى النزاع في الشرق الأوسط، مرورا بالحرص الروسي التقليدي على إبقاء باب الحوار مفتوحا مع دول تعتبرها واشنطن مارقة.
وحسمت الوطن (السعودية) موقفها مما جرى في موسكو، بالقول ان «الإرهاب لن يحل قضية الشيشان» وإذ ذكّرت بأن روسيا الشيوعية القوة العظمى هي التي ناصرت القضايا العربية وأمدت الجيوش العربية بالسلاح قبل أن نسمع بالشيشان وقضيتهم.. رأت انه على العكس من هذا فإنه سيعطي روسيا ذريعة لن يستطيع أحد دحضها لتصعد الحرب في الشيشان باسم مكافحة الإرهاب، ستختفي القضية الشيشانية تحت «الحرب على الإرهاب» وطالبت الجميع بأن يقفوا للتنديد بالإرهاب أيا كان مصدره أو مبرره، كما يجب أن نحاول الحصول على حقوقنا من خلال القنوات المشروعة ومن خلال المنتديات الدولية.
من جهته، استعرض جوزف سماحة في السفير، ما حصل خلال الفترة الأخيرة في بعض عواصم العالم، وإذ لاحظ ان لا علاقة بين (الفاعلين) لفت إلى ان هناك من سوف يلاحظ ان هذه القضايا، وغيرها، من الفلبين إلى أندونيسيا، تعبّر عن بيئة مأزومة تجعل من فاعليها، جميعا، مسلمين. ورأى سماحة، ان ثمة مشكلة ما. لا يسع أي عربي يتمتع بحد أدنى من العقل إلا أن يرتب الأولويات بشكل يقول إن المطلوب، الآن وفورا، نصرة الشعب الفلسطيني ومنع أي حرب أميركية محتملة على العراق. والاستنتاج من ذلك هو أن المهمات السياسية تبدأ باستغلال أي تباين ضمن الإدارة في واشنطن وتصل إلى اكتساب الرأي العام الدولي مرورا بتوسيع الشقة بين واشنطن والعواصم المتباينة معها: باريس، موسكو، برلين... وقال ان هذا لا يعوّض عن تغييرات عميقة في الوضع العربي ولكنه يكاد يفرض نفسه كبديهية. فترك الأمور على غواربها، بهذه الشاكلة، يتيح لمن يملك الخطة والقوة أن يأخذ المبادرة وأن ينجح فيها. وهذه الجهة، بالتأكيد، ليست «فسطاط» بن لادن. أما الموضوع الليبي فاعتبره سماحة: إن نكتة في مأتم هي أقل ثقلا من هذه الخطوة. ولولا محبة بالأفارقة لكانت الشماتة بهم كبيرة.
وعن الانفراد الأميركي، تحدث سماحة عن نموذجين متوازيين لفهم أميركا للمشاركة، الأول، مناقشات اللجنة الرباعية في ما يخص قضية فلسطين، ووضع الإدارة الأميركية «خريطة طرق»، مقابل «خريطة الطرق» الفرنسية، والثاني المباحثات في مجلس الأمن في ما يتعلق بالعراق، ومشروع القرار الأميركي، معتبرا ان الدخول في التفاصيل يؤكد أن ما تفعله الولايات المتحدة هو تطويع هذه المؤسسات الدولية لجعلها لصيقة، قدر الإمكان، بسياسات جرى تقريرها سلفا. وخلص إلى القول بلهجة متهكمة، يقول الفرنسيون، والروس، والصينيون، ان النقاش سيكون صعبا. يقول الأميركيون، لماذا تصعيب النقاش طالما الخاتمة معروفة: شاركونا الانفراد حتى لا ننفرد وحدنا! وكان سماحة قد ألقى الضوء على مسألة إخفاء الولايات المتحدة، خبر حيازة كوريا الشمالية على السلاح النووي، طوال 12 يوما. معتبرا ان السبب يعود إلى ان الرئيس بوش، كان يريد أن يمرر قرار الكونغرس بتفويضه الحرب على العراق، أولا. ولاحظ سماحة، تركيز المسئولين الأميركيين في الآونة الأخيرة، على العلاقة المفترضة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة. معتبرا ان المسئولين الأميركيين قرروا استعادة الدور الإرهابي للعراق استباقا لخفوت خطره النووي أمام الخطر الكوري القابل للاشتعال.
وليس بعيدا، عن هذا الملف، لاحظت سحر بعاصيري في النهار، انه على رغم من ان موقف واشنطن من «نووي» كوريا لا يشبه مواقف الإدارة الأميركية ولا مضمون عقيدة بوش، وهو يبدو أكثر ارتباطا بموضوع العراق منه بكوريا الشمالية وأكثر ارتباطا بالصفقات التي تحاول واشنطن عقدها مع معارضي استخدام القوة ضدّ العراق في مجلس الأمن. وهذا يتعلق تحديدا بإقناع روسيا بدعمها وأقله بتحييد الصين. معتبرة ان كوريا الشمالية ستتحول حتى إشعار آخر ورقة أميركية مع روسيا والصين لضمان مناخ دولي أكثر تشددا مع العراق يسمح بتحويله درسا لما تعتبره أميركا أنظمة مماثلة فتمتثل دبلوماسيا.
في الموضوع العراقي، أيضا، برز اتجاه قوي لحض العرب على رفد الممانعة الفرنسية والروسية، بدور متوازي وفعال... ورأى محمد عبد العزيز ربيع (أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في المغرب) في الحياة، ان على الدول الفقيرة ومن بينها الدول العربية أن تعمل في اتجاه تشجيع كل من الصين وأوروبا وروسيا على لعب دور أكثر فاعلية في هذا المضمار لتساهم في إنهاء عنجهية القوة وقوة الجهل المسيطرة على البيت الأبيض في واشنطن في الوقت الراهن. وتحدث باتريك سيل في الحياة، عن إمكانية تحدي الإمبراطورية الأميركية، وبعد أن لفت إلى سعي الولايات المتحدة إلى إطلاق يدها في الدفاع عن مصالحها القومية الحيوية وطبعا مصالح حليفتها إسرائيل، باستخدام العمل الأحادي أو الحرب الإستباقية أو الوقائية، من دون التقيد بالقانون الدولي، ولا بالمعاهدات القائمة التي ما زالت سارية. لفت إلى ان شيئا غريبا حدث ولم يكن في الحسبان أدّى إلى إخفاق الولايات المتحدة في الحصول على القرار المطلوب من مجلس الأمن للإطاحة بصدام حسين. وأضاف انه كلما طالت المساومات في مجلس الأمن عن هذا الموضوع أظهرت الولايات المتحدة وقاحتها وبان عجزها. ورأى سيل، انه يبدو أن فرنسا، تحاول تقديم نموذجا بديلا من النموذج الأميركي... لكن سيل، رأى ان ما تفتقده إعادة تنظيم شئون الكون الجديد هو الدور الواضح الذي سيلعبه العرب والمسلمون متسائلا: متى سيهب الزعماء العرب والمسلمون للدفاع عن مصالحهم بأنفسهم من دون انتظار المدد من جاك شيراك والمستشار غيرهارد شرودر؟
ورأى حسن نافعة في الحياة، انه لم يعد أمام الرئيس العراقي صدام حسين في وجه التهديدات الأميركية سوى واحد من خيارين: الأول، أن يقاتل بكل ما يملك وصولا إلى تفجير حركة مقاومة شعبية عربية وإسلامية أو يعلن استعداده للتخلي عن السلطة ليدخر قدرات الشعب العراقي لمعركة مؤجلة لا أحد يعلم موعدها. وخلص إلى القول، انه من المهم جدا أن يبني النظام العراقي قراراته في هذه المرحلة الخطرة على حسابات صحيحة ودقيقة وليس على أحلام أو أمنيات زائفة. ومع ذلك فالقرار العراقي، أيا كان، لا يعفي المجتمع الدولي أو النظام العربي الرسمي أو الشعوب العربية من مسئوليتها عن الحرب إن وقعت.
لكن سمير عطا الله في النهار، رأى ان فرنسا سوف تقف وحدها في وجه الامتداد الأميركي على سطح العالم كسائل الزيت الذي لا يقاوَم وسوف تهبّ أولا للدفاع عن لغتها... واعتبر ان الفرنكوفونية سوف تكون هي الدرع من أجل أن يطغى صوت العقل على ضجيج القائلين بحكومة عسكرية أميركية في العراق... في حين خالفه داوود الشريان في الحياة، الذي انتقد السياسة الفرنسية التي وصفها بأنها سياسة التناقض بين الأقوال والأفعال. معتبرا ان عدم تطرق القمة الفرنكوفونية، إلى المسألة العراقية، يعود إلى ان القمة تجنبت إحراج شيراك وقال ان الفرنسيين يريدون حصتهم من الكعكة العراقية، ونحن في العالم العربي أصبحنا خبراء بسلوك الفرنسيين. وفي الصراع العربي الإسرائيلي تبدو فرنسا في الخندق العربي دائما لكن لا أحد يستطيع أن يثبت هذه الحقيقة الإعلامية، أو يشير إلى موقف فعلي واحد يثبت أن فرنسا نفذت سياستها الداعمة للحقوق العربية. وواصلت الصحف السورية انتقاداتها اللاذعة ضد السياسة الأميركية التي تجاوزت كل الحدود والتي تهدد بانهيار الأمم المتحدة، على قول تشرين (السورية) التي أضافت: في الوقت الذي فتح فيه العراق أبوابه أمام التفتيش الدولي وأعلن بوضوح حرية وصول المفتشين إلى كل المواقع كانت واشنطن تضع العراقيل أمام عودة المفتشين. واعتبرت ان الإدارة الأميركية لن تجد من يساند مخططاتها سوى حكومة طوني بلير» مشيرة إلى ان «العداء للسياسة الأميركية على أشده في العالم». فيما نقل سركيس نعوم في النهار، عن مصادر دبلوماسية غربية، ان دول المنطقة العربية وغير العربية ربما باستثناء سورية، حتى الآن على الأقل، لا تبدو معارضة فعليا لعمل عسكري ضدّ العراق... يبدو ان الجميع سيحصدون مكافآت في النهاية فمنهم قد تكون مكافأته البقاء ومنهم قد تكون مكافأته مساعدات كبيرة لتجاوز عقبات اقتصادية مهمة مثل الأردن وتركيا... وتؤكد المصادر الغربية، ان «قرار» الرئيس الأميركي نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق وتغيير نظامه سيبقى متخذا، وان تنفيذه عسكريا هو المحتمل إلاّ إذا تجاوبت المؤسسة العسكرية العراقية مع النداءات العلنية والاتصالات الجارية معها في صورة غير مباشرة التي تقول: «انضمي إلينا أو موتي مع صدام». وأضافت المصادر ان واشنطن ترجح التجاوب وتاليا ترجح أن تتولى هذه المؤسسة أو معظمها مهمة القضاء على النظام سواء قبل الضربة العسكرية أو بمساعدة منها.
فيما رأى ساطع نور الدين في السفير، ان التبسيط الذي حوّل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، إلى ما يشبه الأسطورة، والذي رفع تنظيم القاعدة إلى مستوى القوة الخارقة، والذي عزا الإرهاب إلى خلل عضوي أو جيني عند المسلمين، حسب ما هو شائع في بعض الأوساط الأميركية والغربية، يختصر حقيقة ان الشعوب الإسلامية على اختلاف دولها وأمكنة انتشارها هي عبارة عن مجموعة من الأزمات العالمية التي انفجرت دفعة واحدة، وفي فترة زمنية لا تزيد عن عقد واحد. ومن هنا اعتبر نور الدين، ان شعور المسلمين في معظم أنحاء العالم بالظلم ليس مفتعلا، وإحساس بقية الشعوب بالخوف من المسلمين لم يعد عابرا. إذ ثمة صراع عالمي لا يمكن إنكاره، ولا يمكن لأحد أن يكون محايدا فيه. بعض فصوله تعرض اليوم على أحد مسارح موسكو، بحيث لن تسدل الستارة على نهاية سعيدة لأي كان، من الخاطفين الشيشان أو الجمهور الروسي. لكن فيصل سلمان في السفير، اختار السخرية، من قدرة الأميركيين على اختراع الحكايات وابتداع السيناريوهات وتركيب الأفلام... وقال: لو نصبر يومين أو ثلاثة سنسمع العجائب، عن هذا القناص الذي اعتنق الإسلام قبل سنة، وألقي القبض عليه، يا للمصادفة، بعد يوم واحد من توقيع الرئيس جورج بوش على أكبر موازنة عسكرية في تاريخ بلاده. ولو انتظرنا يومين أو ثلاثة لسمعنا أن هذا القناص هو أحد أعضاء «تنظيم القاعدة» وأن أسامة بن لادن كلفه شخصيا قتل الناس وسيقال ربما، إن الرفيق القناص، كان في زيارة لبغداد التقى خلالها الرئيس صدام حسين الذي أهداه البندقية القناصة. وقد يقال، إنه تلقى دروسا في الإسلام في السعودية مثلا، وخضع لدورة عسكرية في سهل البقاع، وزار مقام السيدة زينب في دمشق، والتحق بمجموعة إرهابية في أفغانستان، وتعرف على محمد عطا في ألمانيا
العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ