العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ

الاجتياح... بين الجيوش والشركات العملاقة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المفكر والمؤرخ الانجليزي أريك هوبسباوم يرى في كتابه الأخير (القرن الجديد 2002) عن مفهوم الدولة «ان النظام الدولي السابق كان يتمتع بقاعدة ذهبية تمنع جيوش أية دولة أجنبية من التدخل أو الدخول في حدود دولة أخرى بحجة حل صراع داخلي أو القضاء على تهديدات مستقبلية متوقعة، ولكن هذه القاعدة الذهبية انهارت وتوقفت عن العمل منذ العام 1989».

ما الذي يريد هوبسباوم التوصل إليه؟... بكل بساطة: أن لا أحد خارج مرمى تعطيل تلك القاعدة، بما فيها الأنظمة الغارقة في الولاء والممعنة في التنازل والمدمنة على الطاعة!. هل أسس ويؤسس مثل ذلك التوجه لقيام مراجعات لطبيعة علاقة الأنظمة تلك مع القوة المهيمنة على أحلام وكوابيس العالم (أميركا)؟. يبدو الأمر متعذرا وإن بدت بعض المشاهد والإرهاصات هنا وهناك تشير الى ذلك، إلا انها لاتتجاوز حيزالمجازفة بـ (جس النبض)... خصوصا في ظل حزمة من الضغوطات الداخلية وان ظلت غير ذات تأثير... لأنه حتى في حدود جس النبض بات الأمر ضربا من التهور والرهان الخاسر سيدفع بتاريخية العلاقات الى طريق مسدود ستمول قيامه أميركا.

ذلك جانب من الصورة. في المقابل ثمة صورة أخرى لاتبدو ظاهرة ومعاينة تتعلق بعمق أطروحة العالم الجديد التي أعدت ورقتها أميركا عبر فتح أسواق العالم وعولمة الديمقراطية. في الأولى ثمة «تهديد لسلامة العالم جرّاء المصالح العنيفة لرأس المال الأميركي وشركات النفط العملاقة» كما يشير أستاذ الفلسفة في جامعة عين شمس في القاهرة عصام عبدالله، وهو تهديد يتمثل في إقصاء أو مزاحمة المنتج المحلي من جهة وفرض معايير انتاجية وقانونية تعمل على خنق ذلك المنتج على مستوى التسويق والمنافسة ، وفي ذلك (بلطجة صارخة) على حد تعبير استاذ الاقتصاد المصري المعروف جلال أمين. ذلك الطرح لا يخرج عن حدود التوغل في الأسواق للقضاء على «تهديدات اقتصادية مستقبلية» ! تزامنا مع التدخل أو الدخول في حدود الدول بحجة حل الصراعات الداخلية أو القضاء على التهديدات المستقبلية. أما فيما يتعلق بعولمة الديمقراطية، فالأمر لايعدو كونه دعابة سمجة، ذلك ان واقع الحال يشير الى النقيض من ذلك التوجه، اذ انه وفي تواز واضح بين (لعبة) السياسة و(ميدان) الاقتصاد، تضرب أميركا بالقوانين والشرائع وحتى الالتزامات التي وقعتها وسوقت لها سلفا، تضرب بكل ذلك عرض الحائط، اذ تشير احصاءات في هذا المجال الى ان حجم التجارة التي تقيمها أميركا مع الدول التي تتهمها وزارة الخارجية الأميركية باستخدام التعذيب بلغ: 400 بليون دولار، في العام 1996، ولاشك في ان الرقم وإن لم يتضاعف إلا انه لم يتراجع بكل تأكيد بحكم الهيمنة والنفوذ الذي يمكن للشركات العملاقة والمنظمات غير الحكومية أن تمارسه في حال شرعت الإدارة الأميركية في اتخاذ موقف المقاطعة أو تقليص تمثيلها أو وجودها في تلك الدول. والشواهد هنا لا حصر لها. ليس آخرها قائمة (الأربعين) فيما يعرف بقانون (داماتو).

الخلاصة هي ... حتى وإن امتنعت الجيوش بكل تجهيزاتها من حاملات طائرات وصواريخ عابرة للقارات وأقمار تجسس، عن التدخل واجتياح الدول، فستتكفل بذلك الدور جيوش من الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات التي عملت عملها في تقليص دور وتأثير الدولة القومية على الصراعات في العالم باستلامها زمام المبادرة في التأثير على مجريات الأحداث والصراعات والأنظمة. وربما يكون ذلك واحدا من الأسباب الرئيسة التي تحول دون تمرد بعض الأنظمة على غرقها في الولاء وإمعانها في التنازل وإدمانها على الطاعة، بحكم ان ثروات لاحصر لها تصب في أرصدتها بفتح الأبواب على مصاريعها لدخول تلك الشركات وتدخلها في السياسات الاقتصادية وغير الاقتصادية لعدد لاحصر له من الدول!.

هل نحن فعلا إزاء حال من تراجع دور الدولة القومية وعن طيب خاطر كما يبدو لصالح قائمة لا تتجاوز 3000 شركة متعددة الجنسيات تتحكم في سياسات واقتصادات هذا الكوكب ورعاياه؟. يبدو ذلك قائما في ظل تعطيل عدد لا بأس به من القواعد الذهبية في حقبة تشهد عددا من التراجعات على مستوى القانون والأخلاق!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً