في عصرنا المتحرك بسرعة فائقة لم يشهدها التاريخ البشري من قبل، فإن سرعة الحصول على المعلومة وسرعة إيصالها لمن يهمه الأمر تعادل أهمية توافرها في بداية الأمر. نطرق هذا الحديث لنوضح لبعض المسئولين الذين يحتجون على نشر أخبار تتعلق بدوائرهم من دون انتظار الرد الكامل.
غير ان انتظار الرد يعني في كثير من الأحيان أسابيع وشهورا وربما إلى الأبد، لأن المسئولين لم يتعودوا الإجابة على أسئلة الصحافيين، ولأن بعضهم مازال يتعامل مع المواطنين بعقلية قانون أمن الدولة. بل ان احد المسئولين باشر بالفعل ممارسة امور لا تليق حتى بأيام قانون أمن الدولة. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن بعض هؤلاء المسئولين يتلاعبون بصلاحيات مركزهم لخدمة مصالحهم الأنانية وليس مصالح الناس. فبدلا من الإجابة، يسارع إلى القيام بأمور كثيرة لتضييع الموضوع. وبعض المسئولين يدفعه الغرور إلى عدم الإجابة بل إلى إيصال الإجابات إلى غير السائل أساسا معتبرا السؤال من أي طرف آخر إهانة له ناسيا ان ديننا يحث على محاسبة النفس ومحاسبة المجتمع التي تعتبر أساسية في الدين «حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا». والمسئول الذي يعتبر السؤال إهانة له ربما انه أصبح مسئولا من دون ان يكون مؤهلا لذلك، ولذلك فهو يستشيط غضبا ويحوّل امكانات دائرته التي وُفرت له لخدمة المجتمع إلى ممارسة أعمال انتقامية تعود عليه بالضرر قبل غيره، لأننا نعيش في عصر يختلف عن عصر أمن الدولة. ففي الماضي يستطيع ان يرفع الهاتف إلى ضابط ويطلب منه اسكات المواطن، والبقية معروفة. اكتشاف مؤامرة ضد الحكم وتعذيب وإهانة وسجن... وبالتالي تشويه لسمعة البحرين.
المسئولون في عصر الانفتاح يجب عليهم ان يعوا حقيقة ان الدنيا تغيرت فعلا وليس اسما فقط، ويجب عليهم الاستعداد للإجابة على الأسئلة في الصحافة وفي البرلمان وإذا كان بعض المسئولين يهدد صحيفة «الوسط» بأنه منع الإعلانات عنها وسيمنع أمورا أخرى عنها وسيحارب أصحاب الصحيفة عبر طرق ملتوية أخرى، فلن يستطيع هذا المسئول الاستمرار في عمله هذا كثيرا لأسبابٍ عدة.
فعظمة الملك أكد مرارا انه حامي حرية الكلمة، وإننا في «الوسط» لم نبدأ عملنا إلا بعد الاطمئنان إلى أننا سنكون أحرارا فيما نقول، واننا سنحكّم ضميرنا وسنلتزم بحكم القانون، وسنرفض التهديد المبطن والتهديد غير المبطن، وإننا لن نركع إلا لله، وليمنع عنا هذا المسئول أو ذاك إعلانات وزارته وليوقف اشتراكاته وليحاول مضايقة صحافيي «الوسط» بما شاء من أساليب، لأن كل هذه الأساليب تصلح فقط إذا كان هناك قانون أمن دولة يوفر الظلام لمن يود العيش في الظلام.
إن الصحافة لديها أمانة في عنقها وتلك هي أمانة الكلمة الطيبة التي تخدم هذا الشعب الطيب وهذه الأرض الطيبة، وفي اليوم الذي نتحول فيه إلى بوق أحد أصحاب المصالح الخاصة الذين حولوا الدوائر الرسمية الى ممتلكات خاصة يصدرون قرارات كما يشاءون ويوظفون من يشاءون ويهينون من يشاءون ويلاحقون من يشاءون، ذلك اليوم - لا سمح الله - سيكون يوم خيانة الأمة، وأعظم خيانة عند الله هي خيانة الأمة. وإننا عندما نطلب ردا على استفسار من وزير أو مدير إنما نود الحصول عليه في وقته ونود ان نحصل عليه نحن السائلون. وسرعة الحصول على المعلومة - كما أشرنا - أهميتها كأهمية توافر المعلومة في الأساس... فلقد كانت إحدى وحدات البحرية الأميركية تعلم بوجود هجوم ياباني في الحرب العالمية الثانية على قاعدة «بيرل هاربر» إلا ان الوقت الذي استهلكته تلك الوحدة لإيصال تلك المعلومة ضيع الفرصة على الولايات المتحدة وسمح لليابان بضرب القاعدة. وبعد تلك الحادثة أُنشئت وكالة المخابرات المركزية الأميركية للتأكد من سرعة وصول المعلومة الخطيرة إلى القيادة العليا بأسرع ما يمكن لأن السرعة تعادل وجود المعلومة أساسا. وعليه، فإذا كان هناك من لا يؤمن بوجود المعلومة ولا يؤمن بسرعة توافرها، فإن لديّ خبرا سيئا له وهو ان الزمان تغير فلدينا الآن المجلس النيابي المقبل وصحافة حرة وقيادة سياسية تساند حرية الكلمة ومن هذا المنطلق عليه الاستعداد للمزيد وعليه ان يعلم ان «الوسط» لا تركع إلا لله
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ