بدأ التطور الحضاري للإنسان الذي وجد على الأرض منذ 10 آلاف سنة بالعصر الحجري ووصل إلى عصر غزو الفضاء اليوم. وما بين النقطتين، مر الإنسان بسلسلة من الدوائر والدوامات والتغييرات التي طالت جوانبه الحياتية بكل معطياتها، المادية والمعنوية، فما كان يعارضه في يوم ما، أصبح يتقبله في يوم آخر، بما يتناسق مع تطوره العلمي والفكري والحضاري. وهذه حقيقة علمية كعين الشمس لا تسد براحة الكف، لكن سؤالي هو الآتي: «لماذا لا يزال هناك أشخاص يحملون ولاء غريبا لإنسان العصر الحجري؟ بعبارة أخرى لماذا لا تزال عقولهم متحجرة متخلفة»؟
لقد خطر ببالي هذا السؤال عندما وجدت مواقف متصلبة من قبل عدد من الجهات الرسمية والغير رسمية ترفض التعاون مع الصحيفة بأي شكل من الأشكال. والمتفحص لتاريخ هذه المؤسسات والهيئات مع الصحيفة منذ انطلقت يتوصل إلى حقيقة مهمة وهي: أن هذه المؤسسات والهيئات تم تسليط الضوء عليها بشكل لم يرضها بالمرة، والصحيفة لم تكذب أو تنشر إلا ما يعكس الصورة الحقيقة التي كانت بشعة في أغلب الأحيان، لذا «زعلت» تلك المؤسسات ورفضت العمل مع «الوسط». وفي هذا نظرة قاصرة من القائمين على تلك المؤسسات والهيئات تحتاج ليس فقط إلى نظارات طبية بل إلى مراقب فضائية لاستشفاف الصحافة الحقيقية وتفهم الحرية على أنها طرح لكل شيء ضمن إطار الحقيقة والصدقية، بما يكفل الممارسة الرقابية على كل الأمور التي تجري على ساحة الوطن، والحفاظ على المصالح العامة، والتحلي بمقولة «بارك الله فيمن أهداني عيوبي».
أمر آخر يطرح نفسه بقوة في مثل هذه المواقف، فمتى امتنعت مؤسسة ما أو هيئة ما عن التعاون مع الصحف والجهاز الإعلامي بشكل عام، فذلك دليل قاطع تقدمه للرأي العام بأنها على خطأ، وبأنها لو كانت على صواب لما استجارت بظل حائط، وكما يقول المثل الشعبي «لا تبوق... لا تخاف!».
إن الصحافة سلطة رابعة تمارس دورا رقابيا على الممارسات الحكومية والأهلية والخاصة بما يكفل حقوق المواطن والحفاظ على المصالح العامة. وتعطيل مثل هذه الآلية أمر لا يستفيد منها أي شخص على الإطلاق، بل على العكس ستتسبب في قصور الرؤى وعدم اكتمال الصور في الأذهان بالشكل الذي يسمح لها بالنقد والفحص والتمحيص للوصول إلى مستقبل أفضل.
ولا نعلم إلى متى ستظل مثل هذه المواقف تظهر بين فينة وأخرى من قبل المسئولين، ولكن ما نعلمه تمام العلم أن البقاء للأفضل وليس للأقوى، وما تم تعطيله اليوم يمكن الوصول إليه في الغد، بشكل أفضل وأعمق وأثبت. إن الغد المقبل يرتدي حلة التطور والتحضر، وحتما سيأتي اليوم الذي نرمي فيه أسمالنا القديمة البالية المرقعة، ونرتدي شكلا آخر من التحضر، يسمح لها بالتعاطي والتحاور ضمن مساحة من التسامح لا تفسد للود قضية
العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ