تغزو الطفرة الالكترونية عقول الشباب والأطفال على حد سواء بشكل كبير ومكثف، متسلحة بالبهرجة والتشويق والإثارة التي تتسبب في تخدير وقتي (وأحيانا دائم) لعقول الصغار والكبار أيضا، وتنقل لهم خبرات مختلفة وجديدة وأحيانا غريبة على البيئات التي ينتمون إليها.
وتعدى الأمر ذلك ليصبح مؤثرا في التربية يجب التعامل معه بحذر كبير. والألعاب الالكترونية أصبحت القائد الأكبر لعملية الغزو تلك، والتي لا نعرف متى تضع أوزارها وتكف عن أبنائنا، وللاقتراب أكثر من عالم هذه الألعاب، أجرينا التحقيق التالي.
ضرر لا يقارن بنفع
عن مدى فائدة هذه اللعبة للأطفال تقول أم عبد الله وهي أم لطفلين احدهما في الثانية عشرة والآخر في الثامنة: «لا أجد حقيقة أي فائدة تأتي من وراء هذه اللعبة سوى أنني أتمكن من الاسترخاء عندما يلعبها الأطفال، فهي تسلبهم عقولهم لدرجة أنهم لا يسمعونني حين أناديهم، كل حواسهم متعلقة باللعبة ومجرياتها، وما يغضبني حقا أحس بأنني عاجزة عن مواكبة تطوراتها المخيفة السرعة، فكل يوم يطلب أولادي قرصا مدمجا جديدا، للعبة جديدة، أو جهازا متطورا أكثر. يضاف إلى ذلك أنها تنقل إليهم مفاهيم ومعتقدات غريبة وأحيانا لا أجد لها تفسيرا منطقيا، وأولها (أبطال الديجيتال) و(البوكيمون) التي تتحدث عن تطور لكائنات حية يأخذ خطا غريبا غير الخط الطبيعي. بصراحة هذه اللعبة موجة كبيرة تحتاج لراكب أمواج متمرس للتغلب عليها».
بينما قال عنها إبراهيم الشعلان أنها ساهمت في تحسن لغته الإنجليزية والتعرف على عبارات ومصطلحات لم يكن يعرفها من قبل، خصوصا في الألعاب التي تدور حول الرياضة أو السباقات بأنواعها. من جهة أخرى تمكّن من الحصول على هواية جديدة يقضي فيها أوقاته بدلا من قضائها في أمور ضارة من تلك التي يقوم بها شباب اليوم.
مضار صحية
تحدثت أم خالد عن تجربتها مع ابنها خالد (12سنة) والمشكلات الصحية التي لحقت به من جراء اللعب المفرط قائلة: «تعرف خالد على الألعاب الالكترونية قبل 3 سنوات، وبدأ علاقة حب وتعلق غير معقولة مع هذه اللعبة، فقد أصبح يلعبها لأكثر من 6 ساعات متواصلة من دون توقف، وبدأت علاقتي به تتأثر بسبب هذه اللعبة، فما عاد يجلس معي كالسابق بل وحتى أحاديثنا باتت تدور عن اللعبة وآخر إنجازاته فيها، ومع الوقت بدأ يعاني من آلام في الظهر، فهو عندما يلعب، يفضّل الجلوس على الأرض قبالة التلفاز، لا يفصله عنه سوى متر أو متر ونصف، وبالتالي يجلس مقوّس الظهر لساعات وساعات، هذا بالإضافة إلى مشكلات في العين نتيجة التعرض الطويل لأشعة التلفاز. لقد خسر ابني جانبا مهما من صحته (نظره وظهره) بسبب هذه اللعبة».
للشباب نصيب
لقد طالت هذه الألعاب الالكترونية الشباب أيضا، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة بعضهم لدرجة أنهم أصبحوا يضحون بعلاقاتهم الاجتماعية في سبيل قضاء وقت أطول مع اللعبة المفضلة، ويقول فيصل المناصير عن تجربته تلك: «لقد تعرفت على اللعبة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبدأ الحب يأخذ طابعا غريبا، بالفعل بدأت اللعبة تتلبسني وأصبحت لا اخرج من البيت إلا نادرا، وطال الأمر علاقاتي بالشباب الذين لم أعد أراهم حتى في عطلة نهاية الأسبوع، وبالطبع اثر ذلك عليّ سلبيا جدا، خصوصا وإنني إنسان اجتماعي، فقررت - بعد معاناة طويلة - أن أترك اللعبة وأقلص من فترة اللعب حتى أتخلص من تلك العادة السيئة نهائيا، وقد استغرق الأمر مني فترة طويلة لذلك».
مشكلات أخلاقية أيضاً!
ألعاب الفيديو تضم أنواعاً مختلفة متنوعة من الألعاب والأفكار، وفي أغلبها عنف كبير وتوجهات انتقامية. يضاف إلى ذلك أن بعضها يحوي مشاهد ولقطات لا تتناسب والأطفال ممن تقل أعمارهم عن 15 وحتى 18 عاما، ويؤكد محمد عبد الله ذلك بقوله: «بالفعل هناك أقراص لا تباع إلا لمن هم فوق سن 18 عاما فما فوق أو 15 عاما فما فوق، وهذا نظام متبع في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، لاحتواء بعضها على مشاهد خادشة للحياء أو عنيفة ودموية أكثر مما يمكن للأطفال أن يستحملوه، ولكننا هنا نعاني من مشكلة الأقراص المنسوخة، فهي أرخص ولكن لا تخضع للرقابة، وفي هذا ضرر كبير على نفسية الطفل وطريقة تربيته. وبالنسبة لي أتابع كل ما يريده أطفالي وأشتريه لهم وهم معي وأتأكد من القرص المدمج مسبقا لأتجنب المشكلات التي يمكن أن تنتج عن غياب الرقابة، لكن من يراقب الشباب والمراهقين الذين يقبلون على هذه الأقراص المدمجة بشكل كبير؟».
السباق المحموم للجذب
يتعرض الجيل الشاب لسوق عرض كبير ومتنوع، قال عنه أحمد (22عاما) :«لم نكن نهتم بالألعاب في باديء الأمر، ولكن وضعت الشركات استراتيجيات حديثة لاستحداث الألعاب وزيادة التصنيع والتسويق معتمدة على التطور التقني والتكنولوجي الهائل. وتدخل شركات الكمبيوتر في سوق الألعاب الالكترونية بقوة وأبرزها لعبة «إكس بوكس» التي اخترعها «بيل جيتس» صاحب شركة مايكروسوفت.
وللأسف بعض الموظفين بالمحلات التي تبيع الأقراص المدمجة لا يعرفون ابسط القوانين والأنظمة التي تتحكم في العملية وتمنحها طابعا منظما، وبالتالي يساهمون في زيادة الطين بلة!
٭ يصيب مرض «التوحد» بعض مدمني ألعاب الفيديو ممن يقضون وقتاً طويلاً أكثر من الوقت الطبيعي مستغرقين في اللعب منقطعين عن العالم المحيط بهم.
٭ في دراسة نشرت على إحدى صفحات الانترنت تقول «بعض الألعاب التي فيها جرائم قتل واغتصاب وعنف لا تلقى إقبالا كبيرا ورواجا منقطع النظير، لذا بدأت الشركة المصنعة في اختراع ألعاب أكثر عنفا ووحشية لزيادة الإنتاج والتسويق حتى أنه تم بيع نسخ منها قبل أن تنزل الأسواق عن طريق الطلبات التي تقدم بها المستخدمون والدفع المسبق.
٭ منعت اليونان أكثر من 75 في المئة من هذه الألعاب لعدم مطابقتها للشروط والمعايير التي تضعها الجهات المعنية بهذا الأمر.
العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ