تلقيت مساء الثلثاء الماضي اتصالا من زوج الفتاة البحرينية التي جاءتنا قبل أسابيع تترجانا أن ننشر لها رسالتها للاعتذار من المتحكمين في قسم التوظيف بوزارة التربية، واعتذرنا حينها عن نشرها. حدثني الزوج عن التطورات التي حدثت، ونحن لا نتحرج من نشرها لأنها لا تتعلق بسكينة وزوجها وإنما تعم المئات من العاطلين والعاطلات عن العمل في هذا البلد، وليعرف «المتنفذون» ما يتسببون به من مشكلات تهز الأسر... ولعلهم يستيقظون من سباتهم ويضعون مصلحة البلد العليا فوق اعتبارات الأهل والأصحاب، ولا ينشرون تكذيبا في اليوم التالي بعدم حدوث الطلاق!!
الزوج من منطقة المعامير، يعمل براتب 230 دينارا، يدفع منه 84 دينارا للبنك، وغيره لديون أخرى، ولا يبقى منه لمعيشته وزوجته وطفله غير 100دينار، درست زوجته من 95 - 98 عن طريق الانتساب إلى جامعة بيروت، بكلفة سنوية تصل إلى 1500 د.ب. استدان من المصارف ومن الأهل من الأسرتين، وما زال يدفع حتى الآن، وفي ذمته 3500 دينار. وهو يسكن في بيت والده في غرفة واحدة. قدم طلبا للإسكان منذ 95. آخر امتحان لزوجته قدمته بعد وضعها لولدها «حسين» بأسبوعين، اضطرت الى السفر وهي لم تخرج من فترة النفاس. وبسبب الضيق الذي سيطر عليها وحالة القهر والإحباط وضيق العيش ومماطلة الوزارة وتوظيف من جاءوا بعدها بسنوات، ولأنها لا تمتلك واسطة، وأخيرا محاولة الإبتزاز والإذلال المتعمد بهذه الصورة القبيحة من قبل الأستاذ (...)، لم تجد حلا لمأساتها إلا طلب الطلاق، على طريقة من ينتقم من قريبه إذا عز عليه الوصول لعدوه. واستجاب الرجل الى طلبها وطلقها لعل ذلك يخفف عنها، ومازال يتكلم عنها وعن صبرها بإعجاب وتقدير. يقول: «على رغم كل التغيرات التي جرت في البلد إلا أن المسئولين في هذه الوزارة بالذات ما زالوا يعاملون الناس بنفس الطريقة السابقة» وبعد أن أعربت له عن مواساتي له وأملي أن يغير الله سوء حاله بحسن حاله، وأن يعيد لمّ شمل عائلته، ضحك ضحكة واطئة يختلط فيها الشكر والعرفان، بالحسرة والألم، وقال:
«يبدو انني من أصحاب مرزوق، ولابد أنه سيوافق على انضمامي إلى جمعيته»!
هذه المأساة واحدة من «ملف متخم» برسائل التظلم من هذه الوزارة، تصلني عدة رسائل كل يوم يتظلم أصحابها من صنع هذه الوزارة، ولا يسعني ان أنشر في كل مرة غير رسالة واحدة فقط، وإذا ظل الحال هكذا فلدي من الرسائل ما يكفي لعام كامل! ليتها تبعث مندوبها ليتسلم هذا الملف وتعمل على رفع المظالم، بدل نشر الردود المتسرعة على طريقة الدفاع المستميت.
ننتظر الرد منك ياوزارة التربية، ولكن هذه المرة على عنوان «الوسط»، وليس في الصحف الأخرى!
ملاحظة: بعد قراءة الرد أمس (السبت) على العنوان الخاطئ أقول: الرسائل لم تكن رمزية بل هي موقعة بأسماء أصحابها، ونحن نحتفظ بالعناوين والأسماء حفاظا على كرامة أصحابها، ولم يتصل بنا أحد «ممن -يفترض أن- يهمهم الأمر»، ولو كانت «الأبواب مشرعة» لما جاءوني من المحرق إلى كرزكان يحملون ملفات شكاواهم وتظلماتهم من هذه الوزارة.
في صبيحة يوم واحد استقبلت ثلاثة أشخاص، كلهم جاءوا يحملون قضية شخصية إلى ملك البلاد، وبصفة عاجلة جدا: (القضية الأولى) امرأة في الخمسين، لاتريد مالا ولا منزلا من الإسكان، إنما تريد جوازا لابنتيها المولودتين في البحرين، أبوهما بدون، وسافر إلى الكويت بعد انفصالهما ليعمل هناك ويستقر، والأم تريد جوازا لهما فهما على أبواب الدخول إلى الجامعة، تقول: «أريد الوصول إلى الملك بأية طريقة من الطرق، ليسمع كلمتي فقد تعبت من الذهاب إلى الهجرة والديوان، حفظوا شكلي هناك. حتى لو عن طريق الهاتف، ياليتني أحصل على خط لأتكلم معه ويحل مشكلتي».
(القضية الثانية) من أم معذبة أخرى في الخمسين من عمرها، ابنها يقبع في سجن دولة خليجية بتهمة مخدرات، مصاب بالتهاب الكبد الوبائي ويعاني من الكلى وأصيب بالزائدة الدودية، ومحتاج إلى رعاية صحية، وتعقب: «أنا لا أجيد الكتابة بأسلوب، أنتم تعرفون تكتبون بأسلوب أحسن لتدخل إلى قلب الأمير!» بحسب كلامها حرفيا.
(القضية الثالثة) قضية خلاف على إصدار جواز، كل الوثائق لديه ولكن القضية معلقة، وهو يريد أن يتدخل الملك لحل هذا الإشكال بينه وبين الهجرة والجوازات.
كما تردنا رسائل يريد أصحابها أن ننشرها بعنوان «نداء إلى الملك»، «وخصوصا أننا نعرف أن الملك يقرأ صحيفتكم» - حسبما يقولون - ونحن نعتذر عن ذلك لاعتقادنا أن من واجبنا أن نبلغ صوت من لا صوت لهم إلى من يهمه الأمر من المسئولين في أية وزارة أو منصب، يحول الحجّاب و«السكرتيرون والسكرتيرات» دون وصول المواطن البسيط إليهم. وهدفنا أن تصل الرسالة وتحل القضية، وذلك أقصى ما نتمناه. وليس الحل بنشر النداءات الشخصية، بل بتوجيه الأضواء الى مواقع الخلل في الأداء الوظيفي للمؤسسات والدوائر الحكومية أملا في إحداث تغيير فعلي تعطي المواطن ثقة بهذه المؤسسات التي يشك فيها كثيرا.
طبعا هذه نماذج بسيطة في صبيحة يوم واحد، غير الرسائل العادية والالكترونية والفاكسات التي تردنا والاتصالات الهاتفية التي يطالب عدد كبير من أصحابها نشر مشاكلهم باسم «نداء إلى الملك».
شخص كبير السن سرقت سيارته تحت جنح الظلام، ولم تتحرك الشرطة للعثور على مسروقاته، وهو يتهم الشرطة بالتقصير لعدم متابعة المتورطين: «بينما لو كانت القضية سياسية لقالت أجهزة الأمن اننا عثرنا على المتهمين قبل مرور 24ساعة». وهو لا يملك غير الثوب التي يلبسها بحسب قوله. «فعندما أعود إلى المنزل سأغسلها وأكويها للغد، والآن يريدون أن أدفع غرامة لإصدار الليسن، بدلا من ان يقبضوا على السرّاق يريدون تغريمي، من أين لي ذلك». وهو يعيش على معاش التقاعد الضئيل. وهو يقول انه يشاهد بعض المشبوهين عند الساعة الرابعة فجرا عند ذهابه إلى المسجد لصلاة الفجر، ولكنه لا يريد أن يأخذ مكان المسئولين في تطبيق القانون، فهذه مهمة الشرطة. فماذا تقول إدارة المرور والأمن العام بوزارة الداخلية ردا على المشكلتين؟ هل ستلاحق السراق وتكف أيديهم؟ أم ستصر على دفعه 20 دينارا وهو لا يملك غير ثوب واحد في بلد الخيرات؟
أول شتيمة تشرفت بتلقيها في مهنة البلاوي جاءتني تعليقا على قراءتي الثانية لرسائل القراء في العدد(44) بعد 3 ساعات من وصول الصحيفة الى الأسواق، يقول عما كتبته: «مما أثار حفيظة البعض الذي وصف أخانا بما يندى له الجبين، ربما رجما بالغيب وتحررا - كالعادة - من أية ضوابط أو قيود». وبصراحة أقول إنني لا أدري حتى هذه اللحظة ما هي الفقرة التي أثارت عليّ الحفائظ ولطختني بما يندى له الجبين! ولكن سلواي في القول المأثور عن أحد العظماء: «السب لنا زكاة»، خصوصا انك تكتب ما يمليه عليك ضميرك وانت مرتاح.
تصلنا أحيانا رسائل شكر ، وهي عموما محدودة، من بينها تحية تقدير وإجلال من الطلبة البحرينيين في جامعة ليدز: الجفيري، فتيل، الجمري، الشويخ، البنعلي، حساني... للأستاذ بدر الموسوي «للأيادي البيضاء التي تفضل بها علينا، فقد كان نعم الأب والأخ والصديق، فلم يبخل علينا بوقته الثمين على رغم تحضيره لرسالة الماجستير». نأمل أن تكون الرسالة وصلت. وهناك رسائل أخرى قليلة جدا من قارئات تم توظيفهن أخيرا في بعض الوزارات، ولكن ضيق المجال أولا، وعدم حل مشكلات ومآسي المئات من المنتظرات للتوظيف، يحول دون نشرها في هذا الحيز المحدود، وخصوصا وأن لدينا عشرات الرسائل التي تعكس مآسي هؤلاء المحرومين من الوظيفة في بلدهم في وقت يحتل فيه الأجنبي مكانهم الطبيعي.
تصلنا تعليقات يومية على ما تنشره «الوسط» بشكل نعجز عن ملاحقتها ونشرها، ولذلك ننشر في هذه القراءة نماذج ومقتطفات:
من المواضيع التي استحوذت على اهتمام القراء قضية المدير الذي صفع الطالب لرفضه حمل لافتة، ولما نشرنا عنه بادر المعنيون الى تكذيب الخبر كالعادة، وأنه «ما صفعه بس دفعه»! فما كان منا إلا أن قابلناه ونشرنا صورته على الصفحة الأولى. أحد القراء قال: «أنا فعلا أحسست بالإهانة والذلة، وشعرت بأن كرامتي أهينت، فما فعله لايعكس جوا تسامحيا ولا انسانيا، وبعيدا عن التشنجات السياسية أطالب باستقالة هذا المدير أو عقابه، والاعتذار علنا الى الطالب كما أهانه علنا، وأن تعاد الى الطالب المسكين كل حقوقه وتعاد امتحاناته، وتعاد كرامته التي أهدرت لرفضه حمل لافتة تحيي انتخابات برلمانية!!».
قارئ آخر قال: «إنكم عملتم من الحبة قبة يا «وسط»، لو سكتّم عن الموضوع لما أثاره أحد». فيما انبرى قارئ ثالث قائلا: «خلصونا من هالوجع الراس واطردوا المدير وفكونا من سالفته»!!
موضوع آخر أثار اهتمام القراء وهو قضية الكاتب البحريني الذي اتهم بالتعامل مع الصحف الإسرائيلية، كتب أحدهم يهاجمه، فيما انبرى آخر قائلا: «ياليت لو نعرف اسم الموقع العربي لصحيفة يديعوت أحرونوت حتى نرد على مقالاتهم، إذا تعرفونه ابعثوا به إليّ...»
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 51 - السبت 26 أكتوبر 2002م الموافق 19 شعبان 1423هـ