العدد 5249 - الخميس 19 يناير 2017م الموافق 21 ربيع الثاني 1438هـ

أمي... هل أبي سيدخل الجنة؟

إنه يوم الجمعة. وهو يومه المفضل في النوم الطويل حيث يجلس من نومته متأخراً بعد سهرته الطويلة الممتعة، كما يسميها، مع أصدقاء السوء، منذ أن فصلوه من عمله. تردّدت في فتح باب غرفته المهترئ وقد قاربت ساعة الحائط على الساعة الواحدة ظهراً، كي لا أزعجه، لكنني خفتُ أن يخرج فجأة ويضبطني متلبسة خلف بابه «إلى هذه الدرجة يخفيك»؟ نعم... كل شيء فيه يخيفني، من صوته إلى ظله. «أم سلمان» جارتها وصديقتها تتساءل، وقد اعتادت على سماع صراخها في أنصاف الليالي، حينما تخرس أصوات الناس مكيفات الصيف، ما خلا مواء القطط ونباح الكلاب، وهي تفتش في أكياس القمامة كما يفتش موظف الجمارك بحقائب المسافرين. فجأة طل بوجه من غرفته ورائحة الدخان والمنكر تفوح من فمه، سألني عن طبيخ اليوم، أجبته وكيف أطبخ وليس لدي شيء!

بعد هنيئة خرج من غرفتة مترنحاً في مشيته، وكان وجهه يُقابل وجهي من مسافة ليست ببعيدة. وكأنه في الستينات من العمر، مرتديا قميصاً أزرق ملفوفاً بروب حمام أحمر ممزق الجوانب، أمّا البنطلون فلونه أقرب إلى لون أغطية سرير مرضى الأمراض النفسية الأزرق الداكن. في يده محفظة بنية مهترئة، ووجهه تطفو عليه مسحة حزن كبيرة... لم أعتد عليه حزيناً ضعيفاً إلا هذه المرة، إذ كان كالأسد يزأر بصوته. عندما اقترب منّي، تسرّبت منه رائحة كريهة من بقايا شراب المنكر والأرجيلة، وهي نفس الرائحة التي تنبعث من المجاري. لم أسأله لأنه بادر بصرخة وصلت إلى دار جارتي «أم سلمان»، قائلاً كل شيء راح مني! استدرت له وجهاً لوجه والغبنة تسبق كلماتي: ما الذي خسرته هذه المرة من لعب القمار؟ لكنه لم يرد بقدر ما خرجت من فمه كلمة ممزوجة ببحة صوت خفيفة: بيتي. نعم، بيتي، أم حسن رهنته لأصحابي من خسارتي البارحة. في هذه الأثناء وكأننا في مشهد تمثيلي كئيب. حضر ابني حسن ذو الثانية عشرة من مدرسته يعدو فرحاً مسروراً بنجاحه. بابا لقد نجحت فأين الجائزة؟ ابني حسن ما عاد يطيق أن يقترب منه بسبب رائحته النتنة. لكنه لشدة فرحه بنجاحه طلب الجائزة منه. لكنني سبقته فاحتضنته إلي بحرارة عوضاً عن حضن أبيه النتن. وقد فهم مادار بيننا لكثرة خلافاتنا. فاستسلمت لتساؤلاته البريئة: ماما، لماذا كلما أدخل البيت أجدكما تتعاركان؟ ولم أبي ضعيف وكأنه مريض هذا اليوم؟ ولو مات هل سيدخل الجنة؟ فمدرس الدين قال لنا لن يدخل الجنة تارك للصلاة، قاطع رحمه، ومهين لزوجته!

مهدي خليل

العدد 5249 - الخميس 19 يناير 2017م الموافق 21 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً