«لقد وجدتُ أن في وسع الإنسان أن يتقبل العمى كما يتقبل أية مصيبة أخرى. ولو أنني فقدت حواسي الخمس جميعاً لواصلتُ الحياة داخل عقلي؛ فنحن إنما نرى بالعقل ونحيا به، سواء أدركنا هذه الحقيقة أم لم ندركها».
هذه هي الخلاصة التي توصل إليها يوت تاركينجتون الذي كان يهاب العمى، ودائماً ما يقول إن في استطاعته تحمل كل ما يبتلى به من مصائب إلا العمى. لكنه وحين بلغ الستين من عمره أخبره الطبيب أن إحدى عينيه أصيبت بالعمى، والثانية في طريقها إليه. حاول مراراً أن يتلافى حدوث ذلك، فأجرى اثنتي عشرة عملية في عينه خلال عام واحد؛ ولكن القدر كان مكتوباً.
وعلى رغم خوفه الشديد من العمى، إلا أنه لم يحبط ولم يقنط، بل اتخذها مجالاً للدعابة. إذ يقول صالح بن محمد الخزيم في كتابه «ملهمون» الصادر عن دار كلمات للنشر والتوزيع في العام 2016: إنه كان يجلس أمام بيته وحين يمر به شخص لا يستطيع تمييزه كان يهتف له: «مرحباً، هذا بلا شك هو جدي، إنني أعجب إلى أين يقصد في هذا الصباح الجميل».
هكذا حوّل تاركينجتون عماه إلى وسيلة يستطيع من خلالها تحفيز غيره ممن يعانون مثله. إذ كان بعد كل عملية جراحية يرفض وضعه في غرفة خاصة، بل يفضل أن يكون مع غيره من المرضى ممن يعانون المشكلة ذاتها. ومثله بإمكان أي فرد أن يحول كل مخاوفه وإحباطاته وآلامه إلى وسائل للعيش بشكل أفضل.
في حياتنا، نجد أن كثيراً من الأشخاص ممن أصابتهم المصائب، يهرعون إلى من يتعرضون إلى المشكلات والكوارث ذاتها التي تعرضوا لها، ليخففوا عنهم ويواسوهم، وبمجرد وجودهم يشعر المرء بالاطمئنان مهما كان حجم قلقه، ويشعر بشيء من الراحة مهما كانت معاناته؛ لأن هذا الذي أمامه أو ذاك الذي سمع به، مرَّ قبله بالمصيبة ذاتها واستطاع أن يقف وأمضى حياته بشكل اعتيادي، بل وربما بشكل أفضل مما كان عليه قبل وقوع هذه المصيبة أو تلك، والأمثلة والشواهد في هذا الموضوع كثيرة، لابد أننا جميعاً قرأنا عنها وسمعنا بها وصادفناها.
علينا ألا نقنط من رحمة الله، وألا نقف أمام العظيم والمهول من المشكلات التي قد تواجهنا، حتى تلك التي تمثل لنا كابوساً مرعباً طالما خشيناه. إذ بإمكاننا أن نكون أفضل حالاً حين تعصف بنا الحياة وتجعلنا أقوى بعد كل ما يواجهنا من دمار، فالضربة التي لا تقتلك تجعلك أقوى بالتأكيد.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5248 - الأربعاء 18 يناير 2017م الموافق 20 ربيع الثاني 1438هـ