العدد 5248 - الأربعاء 18 يناير 2017م الموافق 20 ربيع الثاني 1438هـ

الشـرخ

قصة قصيرة - مهـدي عبدالله
قصة قصيرة - مهـدي عبدالله

تعوّدت في إجازة العيد زيارة الأقارب وتهنئتهم بهذه المناسبة التي أضحت وسط انشغالات الحياة الفرصة الوحيدة لكي ألتقي بهم وأصل الرحم. وعندما طرقت باب عمتي استقبلتني على غير العادة بروح منكسرة ووجه تغمره تضاريس الحزن والكآبة. حييتها وسألت عن صحتها وأحوالها فكانت تجيب باقتضاب على غير النحو الذي عهدته منها. وبعد أن استقريت في المكان استفسرت عمّا يكدّر حالها فانفجرت باكية للحظات ثم قالت بصوت مبحوح إن ابنها يمر بأزمة نفسية عنيفة وقد حاولت الأسرة معرفة السبب فلم تفلح؛ ما اضطرها إلى نقله الى المستشفى، ومما يزيد من حزنها وشجنها إنه دائم البكاء ويرفض الأكل والشرب. فقلت لها: هوّني عليك الأمر يا عمة، ذلك عارض بسيط ، وان شاء الله سيتعافى خلال أيام ويعود إلى البيت في تمام الصحة .

وفي الحقيقة أن حالتها صعبت عليّ فصممت على زيارة حامد والوقوف إلى جانبه خصوصاً وأنه كانت تجمعنا طفولة مشتركة وذكريات لا تنسى. وبين دوافع القلق والرغبة في المساعدة توجهت في اليوم التالي إلى المستشفى وما أن دخلت غرفته حتى وجدته في حالة بائسة جداً، يبكي بحرقة شديدة ويذرف الدموع بغزارة. كان يبكي بطريقة لا تتناسب مع شاب في مثل سنه وعلى غير ما عهدته منه. حاولت أن أتحدث معه ومعرفة الأمر إلا أنه لم يتكلم وأستمر في البكاء المؤثر فأثار عاطفتي وانحدرت الدموع من مقلتي. سعيت إلى معرفة السبب إلا أنني لم أستطع، وكان معنا في الغرفة والدته وخطيبته. ويعد أن مكثت وقتاً لا بأس به وهممت بالمغادرة سألت الشاب إن كان يرغب في شيء فرد بالنفي ثم سألته عما إذا كان يرغب في الخروج قليلاً من المستشفى لتغيير الجو ففوجئت برده بالإيجاب. فقلت له: سنخرج بالسيارة فانهض وارتد ملابسك فرد بصوت خفيض: على شرط أن أكون أنا وأنت لوحدنا. فارتبكت لكني أجبت: كما تريد .

استأذنت من الطبيب المسئول في الخروج لوقت قصير مع المريض فأذن لي شريطة ألاّ تزيد المدة عن ساعة واحدة.

ركب معي وهو لايزال منخرطاً في البكاء فطلبت منه أن يهدأ لكنه انطلق يغمغم بكلمات متقطعة ممزوجة بالعبرات: صديقي، لقد ارتكبت إثمـاً كبيراً، لقـد خنت خطيبتي وأقمت علاقة طائشة مع فتاة أخرى. إنني احب خطيبتي بجنون، اشتريت لها سيارة واستدنت من البنك كي أدبر مهرها، هي حبيبتي التي اعشقها بكل جوارحي، لا أدري كيف غدرت بها وأنا الآن في أشدّ الندم وأشدّ الخوف من أن تتخلى عني. أما تلك الفتاة فقد انقطعت علاقتي معها وسيخطبها شاب غيري وأنا غير آسف عليها.

وراح الشاب يبكي بحرارة شديدة كالأطفال. رجوته أن يهدأ وقلت له إن المهم أنك شاعر بخطئك ونادم عليه وهذه بداية جيدة لتصحيح الخطأ والبدء من جديد. أرجو أن تكون قوياً ولديك إرادة صلبة لاجتياز هذه الحالة وأنا متأكد أن خطيبتك ستقف إلى جانبك ولن تتخلى عنك.

وسألته هل تعلم هي بهذه العلاقة فأجاب: إن افراد عائلتي اكتشفوا قبل يومين رقمـاً متكرراً عشرات المرات في شاشة هاتفي، وقام أحدهم بالاتصال بالرقم فردت عليه فتاة فاستنتج بأن لها علاقة معي، ومن المؤكد أن خطيبتي علمت بهذا الشيء مما زاد في تدهور نفسيتي وامتناعي عن الأكل وعدم النوم . أرجوك ساعدني على تخطي أزمتي.

قلت له: عدني أولاً بعدم البكاء وأن تفرح لأن خطيبتك لازالت واقفة بجانبك وثق إنها لن تتركك. فهدأ روع الشاب وجفف دموعه .

رجعنا إلى المستشفى وما أن نزل حامد من السيارة حتى عاد إلى الانخراط في البكاء فذكرته بما عاهدني عليه فتجلّد وجاهد لمنع الدموع. دخلنا الغرفة فأتت أمه وقبلته وحمدت الله على تحسن حالته. وجاءت الخطيبة وأمسكته من يده فشعر بالغصة تخنقه فقلت له: لقد وعدتني بألا تبكي فأرجو أن تفي بوعدك. فسكت وكتم مشاعره وأحضرت له خطيبته كأس ماء فشربه وهدأ. وبعد عدة دقائق استأذنت منهم في الانصراف فشكرتني الأم وتمنت لي كل الخير.

في مساء ذلك اليوم اتصلت لأطمئن على حالته فكلمتني عمتي التي أعربت عن عمق شكرها لما طرأ على ولدها من تحسن ملموس حيث بدأ في تناول الأكل وتوقف عن البكاء في أغلب الاوقات. وتحدثت مع الخطيبة الحزينة التي قالت بأنها كامرأة تشعر بأن كرامتها خدشت لكنها تقاوم هذا الشعور وتبقى إلى جانبه في معظم الأوقات من أجل التخفيف عن آلامه والعبور به إلى بر الأمان، لكنها عندما تختلي إلى نفسها يعاودها الإحساس بالخيانة وتحدثها نفسها بالانفصال.

حاولت مواساتها وحدثتها عن حبه العارم وخوفه الشديد من تركها له وقلت لها أن خطيبها إنساس حساس، نظيف من الداخل، شعر بتأنيب الضمير والخطأ الكبير الذي ارتكبه فلم يتحمل الصدمة وأصيب بانتكاسة وهذا يعكس طيب معدنه وبأنه نادم جداً على خيانته. وطلبت منها الوقوف معه في محنته إلى أن يجتازها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً