فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
الموت... لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، لا يعرف غنياً ولا فقيراً، بل الجميع سيذوقه، والجميع سيفنى وسيذهب، ولن تبقى إلاّ السيرة الحسنة، ومن يظن أنّه مُخلّد فهو مجنون، لأنّ الخلود للّه وحده.
الحديث عن الموت هو جملة قالها ابن غني جدّاً لأمّه وهو يمزح وهي لم تمزح، قال لها أمّاه موتي حتّى أرِثك، فصمتت الأم وقالت الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً يا بني، أي قد تموت أنت قبلي وأنا أرِثك!
ممّا لا شكّ فيه أنّ الأم قالتها من وراء قلبها، فليس هناك أم تقبل بوفاة ابنها قبلها، وليس هناك أم تتحمّل موت ابنها قبلها، فهي أرحم من كل الكائنات البشرية على فلذة كبدها بعد الله تعالى.
أجمل ما في الموت أنّنا متساوون، نخرج من الدنيا باسمنا فقط، لا دكتور ولا وجيه ولا مسكين، الجميع سيخرج باسمه وبلحافه الأبيض، ينتظر الحساب، إمّا جنّة أو نار، فينقطع العمل إلا من ثلاث، دعوة خالصة وعمل طيّب وصدقة جارية.
الموت النهائي أفضل ألف مرّة من الموت ونحن أحياء، فهناك موت العلاقة وهناك موت المشاعر وهناك موت الصداقة وهناك موت الأخوّة، وجميعها موت بطيء وصعب، ذلك أنّك في بعض الأحيان تشتاق للأحياء ولا تصلهم، فيما لو كانوا أمواتاً أنت مؤمن بأنّهم عند ربٍّ كريم.
نتجادل ونصيح ونتضارب ونقتل بعضنا بعضاً، ونحن لا نعرف أنّ العيش بسلام مع بعضنا أفضل مليون مرّة من الجدال والصراخ والضرب والقتال، ولا نعلم كم الحياة ستكون سعيدة في ظل التعايش مع بعضنا البعض.
نحن لا نعلم ولا نريد أن نعلم لأنّ النفس البشرية ظالمة لصاحبها ولا تجعله يرتاح إلاّ إذا أخذته العزّة بالإثم، وقتل العلاقة التي بينه وبين من يُحب، ويا للألم الذي يعيشه وهو بعيد عمّن يحبّه، ولكن هذا هو حال الدنيا، بالمقلوب دوماً!
الدنيا فانية ولن تدوم لأحد، والموت قادم قادم لا محالة، والعالم فقط، العالم الذي يعرف بنهاية الدّنيا هو الذي ينشر السلام والعيش الكريم بين النّاس، وهو الذي يبدأ بالكلمة الطيّبة قبل كلمة السوء.
يُحكى عن شيخ المرسلين نوح عليه السلام: أنه جاءه ملَك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده، فسأله: يا أطول الأنبياء عمراً كيف وجدت الدنيا؟ فقال: كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 5247 - الثلثاء 17 يناير 2017م الموافق 19 ربيع الثاني 1438هـ