في مقلب الإمامة
رأيت جثة لها ملامح الأعراب
تجمعت من حولها النسور والذئاب
وفوقها علامة
تقول هذي جثة
كانت تسمى سابقا...
كرامة
هذه الكلمات المعبرة للشاعر أحمد مطر هي ما قفز إلى ذاكرتي وأنا أقرأ بيانا أصدره مجلس العلاقات الإسلامية الأميركي (كير) الذي أعلن فيه عزم قناة «سي بي إس» الأميركية على عرض حلقة مسجلة للقس المعمداني جيري فالويل يتهم فيها خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد البشر من الأولين والآخرين نبي الله محمد (ص) بالإرهاب.
وعلى رغم أن أصابعي سارعت إلى مسك القلم للكتابة في هذا الموضوع بناء على ما هو متوقع من ردة فعل مخجلة من العالم الإسلامي والعربي تجاه هذا الأمر، فان صوتا في أعماقي دعاني إلى التمهل والانتظار، على أمل أن تكون ردة الفعل لن أقول بالمستوى المشرف ولكن على الأقل أفضل من سابقاتها.
ولكن هيهات لهذه الأمة التي اختارت أن تدفن بالحياة تحرك طرفا من أطرافها لتشعر الدفان أن قلبها مازال ينبض بالحياة... هيهات لمن اختار أن يدفن كرامته في عميق التراب ليحيي جسدا أجوف فوق قشرته أن ينبش التراب بحثا عمّا تبقى من تلك الكرامة.
لم تكن دهشتي كبيرة وأنا أقرأ الخبر في الصحافة العربية والإسلامية، وكأنه خبر حادث مرور أو تمزق ماسورة مياه في أحد الشوارع أو الأحياء السكنية... خبر لولا الخجل لما نُشر أساسا... علما بأن حال الصحافة كان أفضل بكثير من حال الزعامات والشعوب العربية والإسلامية.
الغريب في الأمر، ان هذا الحادث ليس الأول من نوعه الذي يتهجّم فيه قس أو راهب أو ما إلى ذلك على شخص الرسول الأكرم (ص). والأغرب من ذلك هو أن فالويل هذا ليس هو الأول والأوحد في هذا التوجيه، فلقد سبقه الكثيرون ممن ينتمون إلى المجتمع المعمداني نفسه أو الكنيسة المعمدانية المعروفة بموالاتها للصهيونية، أمثال جيري فاينز الذي قذف الرسول (ص) بكل السيئة قبل أقل من عام واحد، وكان فيما قال: «إن الله الذي يؤمن به المسلمون ليس الرب الذي يؤمن به المسيحيون. فلن يقوم الرب بتحويلك إلى إرهابي يحاول تفجير الناس وأخذ أرواح آلاف مؤلفة من البشر».
وعلى رغم هذا الشذوذ الفكري لدى فاينز وفالويل وغيرهما، فإنه في كل مرة ترفض الكنيسة المعمدانية إدانة هذه التصريحات، بل تصرّ عليها وتتبناها وتعمد إلى نشرها بكل الوسائل والسبل وبأكبر قدر ممكن، في حين يكتفي المسلمون الذين منّ الله عليهم بقصر الذاكرة ونعمة النسيان بالشجب والإدانة والاستنكار كما هي العادة. وربما يتجرأ البعض منهم ممن منّ الله عليهم بالعلاقات الحميمة مع بعض المسئولين الأميركيين، من وراء الستار طبعا بنصح الإدارة الأميركية الرسمية أو واحد على الأكثر من أعضاء الكونغرس الأميركي بإعلان الرفض والإدانة لهذه التصريحات حفاظا على العلاقة مع أميركا وتفاديا لحدوث ضغط من الشارع الشعبي على هذا الشخص أو ذاك. فهل هذا كل ما يستحقه منا خاتم الأنبياء والمرسلين الذي قاسى ما قاسى من العذاب والمهانة وقدم أبناءه وأصحابه قربانا بين يدي الله عز وجل لكي يصل الإسلام إلى أيدينا؟
ماذا ترانا ننتظر؟ هل ننتظر أن تأخذ الإدارة الأميركية التي هي اليوم في أوج جنونها وقمة غرورها وتبجحها بنصيحة رئيس تحرير موقع «ورلد نت ديلي» جوزيف فرح، الذي بعد أن اتهم الرسول الأكرم (ص) بخيانة عهده في صلح الحديبية، دعا أميركا إلى صهر الكعبة المشرّفة والحجر الأسود لردع من أسماهم الإرهابيين المسلمين على حد زعمه عن تهديد أميركا. هذا بعد أن رفض فرح بشدة انتقادات وُجهت إليه سابقا عندما نشر مقالة تنادي بقتل 100 من المدنيين الفلسطينيين مقابل كل مدني إسرائيلي يُقتل، وألف رجل فلسطيني مقابل كل طفل إسرائيلي، إذ يقول في معرض حديثه: «إن هذا العرض مساهمة مدروسة ومعقولة للنقاش حول وضع الشرق الأوسط».
ترى لو رأى هذا المأفون وغيره مقدار أنملة من الكرامة العربية والإسلامية، أكان يجرؤ على التبرز بهذا الحديث؟! ولكن هذا ما جنيناه لأنفسناه بضعفنا وتخلينا عن كرامتنا التي راح الرسول وأهل بيته وأصحابه فداء لها، وأخذنا نحبو تحت الأقدام الأميركية طالبين الرضا والمغفرة.
أما آن الأوان لأن تنهض الشعوب الإسلامية بعد أن فقدنا الأمل في القيادات الإسلامية، لتهد الصرح الأميركي ولتلقن مغروريه درسا لا يكادوا ينسونه قبل أن يتلفظ سفيههم بكلمة يهين فيها مقدساتنا ويدنس فيها كرامتنا؟!
واختتم بالقول: تعسا لأمة ادعت الانتماء إلى سيد البشر، وسيد البشر خصيمها يوم المحشر
العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ