قبل بضع سنوات لم يكن أحدٌ يتوقع البتة أن النفط الصخري سيكون قادراً على منافسة النفط التقليدي، ولذلك لم نكترث نحن في دول الخليج بالبحث وبشكل جدي عن مدى قدرة النفط الخليجي على البقاء كمصدر رئيسي للطاقةً، وقدرته على الصمود أمام نمو النفط الصخري. فكل المعطيات والمعلومات والتقارير والأبحاث التي كانت ترسل وتعطى لنا كانت تؤكد على حقيقة واحدة، وهي أن النفط الصخري لم ولن يكون منافساً للنفط الخليجي. نعم، كان هناك قلق من المنافسة من مصادر أخرى للطاقة، مثل الطاقة الشمسية والهواء والغاز، ولكن ليس من النفط الصخري.
كان الاعتقاد السائد هو أن تكلفة إنتاج النفط الصخري ستبقى مرتفعةً للغاية، وإنتاجه سيكون من دون جدوى اقتصادية لعقود من الزمن وفي جميع البلدان المنتجة لهذا النفط، مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والبرازيل وكندا؛ وأنه من الصعب اكتشاف تقنية جديدة تؤدي إلى خفض تكلفة الإنتاج. فكان الجميع واثقاً من أن دول العالم وخصوصاً الولايات المتحدة، لا يمكنها الاستغناء أبداً عن النفط الخليجي، الذي هو عبارةٌ عن شريان حياة الأميركيين وغيرهم، فليس هناك قلق من المستقبل، فالطلب على النفط التقليدي سيستمر في الارتفاع.
لا أدري إن كان قد أصابنا الغرور، وجعلنا غير مكترثين بالتطورات ومتغيرات المستقبل، وتجاهلنا أهمية البحث ودراسة مدى قدرة المصادر الأخرى للطاقة على المنافسة؟ هل أن ارتفاع أسعار النفط وحجم تدفقات الإيرادات النفطية الهائلة أبعدتنا عن تقدير وفهم قدرة المنافسين على اللحاق بنا؟
عندما يثق المرء بنفسه ويعتقد أنه الأقوى وسيبقى كذلك في جميع الأحوال، وأن منافسيه ضعفاء وسيظلون كذلك حتى أمد بعيد، فاعلم أنه ضعيف من الداخل، وأن لديه قوة وهمية بل أوهن من بيت العنكبوت. وتلك حالة مرضية هي من أخطر ما يصيب الإنسان ويقوده إلى المهالك، ويدخله في مواقف معقدة، قد تنتهي به إلى نتائج لا يقدر على تحملها. فالمجتمع المصاب بالثقة المفرطة وبآفة الغرور، وعدم الاكتراث بما يعمله المنافسون من اكتشافات ودراسات لتعزيز قدراتهم التنافسية، قد يجد نفسه غير قادر على اللحاق بالآخرين.
كانت تكلفة إنتاج النفط الصخري آنذاك تصل إلى أكثر من 80 دولاراً للبرميل الواحد، مقابل 8 إلى 12 دولاراً لإنتاج النفط في دول الخليج العربي. أما الآن وبفضل تطور العلم واختراع تقنية جديدة لاستخراج النفط الصخري، فإن تكلفة الإنتاج قد انخفضت إلى 40 دولاراً. وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإنه ومع التطور التقني، قد تستمر تكلفة الإنتاج في الانخفاض حتى تصل إلى نفس مستويات إنتاج النفط التقليدي.
في العام 2000 كان إنتاج النفط الصخري يمثل 2 في المئة (1.5 مليون برميل يومياً) من إنتاج أميركا، أما اليوم فهو يشكل أكثر من 60 في المئة (6.5 ملايين برميل يومياً) من إنتاجها من النفط. وقد ساعد هذا الارتفاع في انهيار أسعار النفط في منتصف العام 2014. بالإضافة إلى ذلك، يوجد في العالم نحو 345 مليار برميل من النفط الصخري القابلة للإستخراج، وأكثر من سبعة آلاف تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري. ويبلغ احتياطي أميركا من النفط الصخري نحو 1.5 تريليون برميل، أي ما يعادل 5 مرات الاحتياطي المؤكد للسعودية.
وتشير بعض التوقعات بأن تتجاوز الولايات المتحدة بحلول 2018، الإنتاج السعودي من النفط. وبحسب تقديرات عملاق الطاقة البريطاني (بي بي) فإنه من المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 34 في المئة بسبب النمو السكاني والاقتصادي العالمي، وستنخفض حصة النفط لصالح الغاز والطاقة المتجددة؛ كما أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سيتضاعف خلال العشرين سنة القادمة. ومن المتوقع أيضاً أن تنمو المصادر المتجددة للطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بنسبة 6.6 في المئة سنوياً، لتزيد حصتها في إجمالي الطاقة من 3 في المئة حالياً إلى 9 في المئة.
هل نحتاج إلى إعادة النظر في رؤيتنا ومراجعة قدراتنا التنافسية قبل فوات الأوان، وقبل أن نكون خارج اللعبة الاقتصادية الدولية في النظام الاقتصادي العالمي؟
إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"العدد 5245 - الأحد 15 يناير 2017م الموافق 17 ربيع الثاني 1438هـ
مقال جدا رائع أستاذ جعفر ولكن هناك امر واحد ... ان اكثر الشركات للخدمات النفطية طورت اجهزتها الي النفط العادي ..ولم تقم الكثير منهم بوضع اي تقنيات جديدة تساعدها في النفط الصخري وهنا اتكلم من خبرة لكونة مجال عملي ... عمليات الاستكشاف الصخري تكون قليلة الثمن وهذا ما يجعلة مميز ولكن عمليات الحفر و الانتاج تكون مكلفة لما يتطلبة أن لكك حقل صخري طرقة وهذا ما يجعلة مرتفع الكلفة سوف يستغرق وقت اطول الي ايجاد اجهزة اقل كلفة لنزول السعر اما النفط العادي لم تعد الشركات تقدم الكثير وهو ما يجعلة اقل كلفة
شكراً..