العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ

الاختلاف... رحمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى يوم الاقتراع، وتداعيات الانتخابات ستستمر. فالبحرين الآن غير أمس. والتجربة الاصلاحية عبرت الخطوة الاولى في مسيرة «الألف ميل». فالاقتراع هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة. الخطوة كانت ناقصة. انها نصف خطوة. والنصف افضل من لا شيء. والنصف المقاطع متفق على دعم المشروع الاصلاحي. وهذه نقطة مهمة تؤشر إلى مدى النضج في رؤية مستقبل لا خلاف بين الاطراف على ضرورة تحصينه دستوريا وحمايته من الشطط والتطرف وأساليب حرق المراحل.

مسألة الانقسامات لا حل سياسيا لها. كذلك الخلافات فهي دائمة ولا حل نهائيا لها، فهي باقية مادام الإنسان يفكّر ويطمح ويخطط إلى غدٍ افضل، والاجتهاد في الرأي سنة انسانية اذا بطلت تعطل التفكير وعاد الإنسان إلى الوراء.

في حديث للرسول (ص) يؤكد خاتم الانبياء على ان الاختلاف رحمة للأمة، فالاختلاف في الرأي يمنع الاستبداد، بينما الاجماع على الرأي يعطّل الاجتهاد ويفتح الطريق أمام نمو نزعة التسلط. والتسلط يبدأ من إلغاء رأي الآخر بإلغاء الشورى والتشاور. فقد يكون، كما ذهب الامام الشافعي، ان رأيي على صواب يحتمل الخطأ ورأيك على خطأ يحتمل الصواب. وشرط الصواب والخطأ هو العلم والمعرفة. فالامام الشافعي يؤكد ان العلم شرط الحوار، والمعرفة واجبة حتى يأخذ النقاش مجراه ويصل إلى نتيجة. فالنقاش يتطلب العلم والمعرفة. لذلك قال الامام الشافعي «ما تجادلت مع جاهل إلا وهزمني». فالجهل اكبر هزيمة، والجاهل فقط يهزم العالم. أما العلماء واختلافهم فهو «رحمة للأمة».

البحرين، واي أمة في العالم، بحاجة إلى أهل العلم والمعرفة حتى تكتمل شروط الديمقراطية. فالديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع تصب فيها الاوراق كل اربع أو خمس سنوات وتنتهي عند عتبات البرلمان. الديمقراطية تبدأ في البرلمان والصناديق هي مجرد مؤشر لا تقدم ولا تؤخر. ما يقدم هو المعرفة وما يؤخر هو الجهل. والاختلاف رحمة لأن من شروط الرحمة رفض التسلط ومنع الاستبداد.

هذه ليست موعظة، انها نتاج تجربة مضافة إلى تجارب حاضرة وماضية. عودة بسيطة إلى زمن حروب الفرنجة (الصليبية) تشير إلى ان سبب الانهيار هو التفكك السياسي ونزوع أصحاب الدول المنشقة عن الخلافة العباسية إلى الاستبداد بالرأي ومنع الاجتهاد. استمر الانشقاق والنفاق إلى زمن بناء مدرسة المستنصرية. وهناك بدأ العلماء في وضع مناهج متقدمة للتربية والتعليم. ومن تلك الجامعة/ الجامع انتشر العلم وصولا إلى الامام الغزالي ( أبو حامد) وكتابه «إحياء علوم الدين».

بدأت حروب الفرنجة في السنوات الأخيرة من حياة الامام الغزالي. إلاّ ان المدرسة الاحيائية استمرت تنمو بهدوء. فانتشر العلم وازدهرت المدارس. ومن تلك قامت نهضة احيائية انتشرت في بلاد الشام وأسست لاحقا حروب التحرير. فالتحرير حصل بعد «إحياء علوم الدين» وليس قبله. وعلى اساس «الاحياء» بدأ الاستعداد النفسي - الحربي للمواجهة. فكانت الغلبة للمسلمين.

كل علماء الفرنجة يؤكدون ان المسلمين انتصروا في نهاية الحروب لأنهم آنذاك كانوا اكثر علما وتقدما. وكل من كتب وأرّخ في اوروبا عن تلك الفترة اشار إلى تفوق المسلمين حضاريا وتنظيميا. وللسبب ذاك انتصر المسلمون وهزم الفرنجة.

تعلّم الفرنجة الدرس وكرّوا علينا ثانية. ونحن نسينا الدرس. البعض يعتقد ان الانتصار على الفرنجة يعود فقط إلى عوامل عسكرية وعصبية، وهذا نصف الحقيقة. النصف الآخر هو العلم الذي بدأ بالاحياء... أو بالنهضة الفكرية والثقافية.

نعود إلى البحرين، البحرين تشهد الآن نهضة علمية (جامعات، مدارس، مؤسسات، جمعيات) تطمح إلى بناء ديمقراطية خاصة بها. وبغض النظر عن قراءة البعض لهذه التجربة، فهي خطوة في طريق طويل وصعب. ونجاح التجربة يحتاج إلى التعدد والاختلاف والاجتهاد في الرأي. فهذه كلها تثير فضاء الرأفة والرحمة. وغير ذلك فهو الاستبداد بعينه.

مضى يوم الاقتراع. فالاقتراع أصبح من الماضي، أما المستقبل فهو تلك الأيام المقبلة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً