اطلعت على ما نشر في صحيفتكم الغراء باسم الأخ يوسف الأقزم، والذي قاله معقبا على المقابلة التي أجريتموها معي في صحيفتكم في عددها رقم 27 الموافق ليوم الخميس 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2002م، 27 رجب 1423هـ.
وقد تطاول فيه الأخ الأقزم على شخصي بما تجاوز معه حدود اللياقة والأدب، وقد أردت أن أبيّن بعض أخطائه التي تنُّم عن قصور في الثقافة في المعرفة بما يلي:
بدأ (الأقزم) مقاله بما أسماه (العبارة)، وهي قوله: «لقد هزلت حتى بان من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس»، والواقع أن قصور ثقافته جعله يغفل عن أن هذه العبارة التي حرّفها هي في الأصل بيت من الشعر الموزون:
لقد هزلت حتى بدا من هزالها
كلاها، وحتى استامها كل مفلس
إن قول (الأقزم) عني أنني لا تربطني بالأدب أية رابطة وانني لست كاتبا ولا باحثا، فهذا رأيه، ولا يهمني في شيء، فأنا باحث عن الحقيقة آخذها أينما وجدتها.
أما ما كتبه عن بحثي عن نبي عبدالقيس رئاب بن البراء الشني، فهذا هو بيت القصيد عنده، فهو متأثر من هذا البحث لأنه ممن رأوا آباءهم على ملة، فهم على آثارهم مقتدون، والعلامة الشيخ فرج العمران رحمه الله لم يجزم في كتابه «الأزهار» بأن هذا القبر هو للنبي اليسع، وإنما هو ذكر في الجزء الثاني من كتابه هذا اختلاف المؤرخين في موضع قبر النبي اليسع، وعقّب بعد ذلك بقوله، فلعل مطلعا آخر رأى رواية أخرى أنه دفن في قرية الآجام، وليس الأوجام كما كتبها الأخ، لأنها جمع أجمة فهي آجام.
أما الرواية التي أجهد نفسه بذكرها كاملة مع تفاصيلها في الوقت الذي كان يكفيه الإشارة إلى مصدرها فقط، ولكنه أحب أن يطرح نفسه كـ (باحث بديل)، وليته لم يفعل لأنها كشفت عن ضحالة معرفته وسطحية تفكيره إذ وقع في أغاليط كثيرة في الوقت الذي أراد أن يستعرض لنا نفسه فيها على أنه باحث متعمق، فهذه الرواية ليس فيها عن سويد بن رئاب الشني شيء يذكر، لأن سويد بن البراء الشني قُتل بعد هذه الحركة في حرب أخرى كانت بالقرب من البصرة قام بها المثنى بن مخربة الشني للدعوة إلى المختار الثقفي كما في المصدر نفسه الذي ادعى أنه أخذ منه أي تاريخ الطبري، فكيف يدعي هذا المتحذلق أن سويدا قتل في ثورة التوابين الأولى؟! ومن هذه الأغاليط قوله إن هذه الحركة ـ أي حركة التوابين ـ كانت بقيادة المثنى بن مخربة وأبي الجويرية العبديين، والواقع أنها لم تكن بقيادة العبديين اللذين ذكرهما، وإنما كانت بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي كما هو في تاريخ الطبري، وهو المصدر الذي نقل عنه، إلا إذا كان لدى الأخ الأقزم تاريخ آخر للطبري لا يعرفه الناس، وحسب ظني أن الأخ الأقزم أيضا لا يعرفه، كما أن الذي لا يعرفه أيضا أن المثنى بن مخربة الشني الذي ذكره هنا، نسبه ابن حجر في الإصابة على أنه المثنى بن مخربة بن رئاب الشني، ثم استطرد ابن حجر في ذكر جده رئاب برواية ذكرها صاحب كتاب «الأغاني» عن رئاب، فها هو الأقزم لا يعرف أن المثنى بن مخربة الشني الذي ذكر أنه قائد ثورة التوابين الأولى هو حفيد رئاب في الوقت الذي ادعى فيه أنني لا أعرف أن لرئاب ابنا يدعى سويد بن رئاب، والواقع أن الأقزم لم يقرأ بحثي عن قبر الآجام قراءة متمعنة، ولو فعل لعرف أنني قد ذكرت أكثر من رواية عن رؤية الناس لأثر طش على قبور أبناء رئاب فكيف أغفل هو أن لفظة أبناء تعني أن رئابا له أبناء آخرين غير سويد، على أنني قد أشرت إلى سويد بن رئاب هذا في أحد الهوامش في البحث، وهو موجود في موقع الرفيعة (alrufaiah.net) ولكن لكون صفحة الإنترنت لا تظهر الهوامش كما هي الحال في صفحة الـ (Word) فقد اضطر الإخوان في الموقع إلى كتابة الهوامش في آخر البحث، والأخ الأقزم من الذين لا يبحثون عن الحقيقة، ولا يبذل عناء يذكر في قراءة البحوث فلم يرَ ذلك، وحقا أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
أما قوله عني إنني جئت إلى المهرجان بـ (الوساطة)، فأول ما فيه حسب علمي أنه ليس مهرجانا، وإنما هو ندوة دورية، وأعتقد أن الفرق اللغوي واضح وكبير بين الكلمتين مما يضيف إلينا دلالة أخرى على أن الأخ لديه قصور في اللغة والتمييز، وأما ادعاؤه أنني جئت إلى المهرجان بالواسطة أو الوساطة كما قال، فإنني لم أحضر تلك الدورة إلا بدعوة صريحة من المؤسسة التي أقامتها إذ أرسلت لي عن طريق الفاكس، ومرفق بهذا المقال صورة منه توضح كذب الأقزم فيما قاله.
أما ما قاله عن صورة المخطوطة المنشورة في المقابلة، وقوله إنها من كتاب مخطوط وليس من سجلاتي أو مخطوطاتي فما أعجب هذا التخليط، وهو يدل على أن هذا المتحذلق لا يقرأ جيدا، وإلا ما يُدري الأخ الأقزم عن ابن المقرب ومخطوطات ديوانه، وهل قلت في المقابلة إن صورة المخطوطة المنشورة هي من سجلاتي أو مخطوطاتي؟ فقد كتب أسفل منها بالخط الواضح أنها صورة من مخطوطة ديوان ابن المقرب في مكتبة برلين إلا أن هذا الأخ لم يلحظ ذلك لأنه ليس من أهل التدقيق، ثم إنه لم يعرف حتى عن تشيع ابن المقرب شيئا، فعده من معشر آخرين، وكان يريد بذلك القول إنه من السنة وليس من الشيعة، فهو لا يعرف أن ابن المقرب شيعي المذهب أبا عن جدّ، وهي ما أثبتناه بالأدلة والأرقام في طبعتنا لديوانه التي باتت على وشك الظهور إلى الناس، وان من أعجب العجائب وأكثر الأمور إثارة للضحك هو ما قرره الأقزم عن معاصرة شاعرين قطيفيين من العصر الحديث للشاعر ابن المقرب المتوفى في القرن السابع الهجري، وهما الشيخ يوسف أبوذيب المتوفى في العام 1160هـ، والشيخ حسن التاروتي المتوفى في العام 1250هـ كما في كتاب «القطيف وأضواء على شعرها المعاصر» لعبدالعلي آل سيف. في حين أن وفاة ابن المقرب كانت بعد العام 630 للهجرة بقليل كما في كتاب «الأعلام» للزركلي وغيره، ليتضح لنا بما لا مجال معه للشك أن هذا الكاتب المحسوب مفلس جدا من المعرفة التاريخية، وإلا فكيف يجعل شاعرا من القرن السابع الهجري معاصرا لشاعرين من القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين؟ كنت أتمنى من هذا الأخ أن يكون على قدر المواجهة والمسئولية وذلك بتسلحه بالمعرفة والعلم اللذين من الواضح أنه يفقدهما، وفاقد الشيء لا يعطيه.
أخيرا أحب أن أرد على قوله الذي افترى فيه على الشاعر ابن المقرب عندما قال إنه اشتهر ببيت واحد من الشعر، وهو قوله:
إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه
فوا عجبا إن سالمتك الأباعد
فهذا البيت ليس البيت الوحيد الذي اشتهر لابن المقرب، ولكن الأقزم هو الذي لا يعرف لابن المقرب إلا هذا البيت فقط، ولو أنه قرأ شعر ابن المقرب وسبر حياته وأخباره لعرف أنه اشتهر لهذا الشاعر أكثر من بيت واحد، ومن هذه الأبيات هذا البيت الذي أهديه للأخ الأقزم عله يتدبر فيه جيدا ويعيه، وهو قول ابن المقرّب:
إنْ يمسي مقتكم حَظِّي فَحُقَّ لكم
الوَرْدُ من قُربهِ يُغشى على الجُعلِ
العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ