العدد 5244 - السبت 14 يناير 2017م الموافق 16 ربيع الثاني 1438هـ

في وداع عميد آل فخرو... العائلة تفتح لـ «الوسط» سيرة التجربة ومآلاتها: ثلاثية العلم والمال ومسارات الليبرالية

جمال فخرو يطلق تحذيراته: عائلات انتهى دورها... والتنظيم ضمان الاستمرارية

تقديم واجب العزاء لعائلة الفقيد - تصوير أحمد ال حيدر
تقديم واجب العزاء لعائلة الفقيد - تصوير أحمد ال حيدر

عن عمر ناهز 82 عاماً، أسدل الوجيه قاسم بن محمد بن يوسف فخرو، الستار، على تجربة ممتدة، تنقلت بين حقول العمل الطلابي ذي التوجه القومي، والعطاء الاجتماعي، والعمل التجاري والذي قضى فيه الفقيد نحو 60 عاماً من عمره.

وبحضور رسمي تقدمه نائب رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، ودعت مملكة البحرين الفقيد قاسم فخرو، أمس السبت (14 يناير/ كانون الثاني 2017)، لتحتضنه المحرق مجدداً، مسقط رأسه ومستقر مشواره.

رحل العميد دون توثيق، ومن الرحيل تفتح العائلة التجارية العريقة لـ «الوسط»، سيرة تجربتها، والمآلات. «تجربة عمادها ثلاثية العلم والمال ومسارات الليبرالية»، فيما التحذيرات القادمة من ناحية ابن العائلة، الاقتصادي وعضو مجلس الشورى جمال فخرو، والتي يقول فيها: «شركات عائلية انتهى دورها بسبب الخلافات البسيطة على المال، والتنظيم ضمان وضرورة للاستمرارية».

تلك كانت محصلة الحديث مع عدد من أبرز وجوه العائلة، بعيد التشييع، ولحظة تلقي واجب العزاء في بيت عم الفقيد، المرحوم علي بن يوسف فخرو، في القضيبية.

غسان فخرو: تعلمت من والدي التواضع

«في آخر شهور عمره، تدهورت صحة الوجيه قاسم فخرو، ولاحقته الأمراض، حتى توفاه الله».

ينعاه ابنه غسان قاسم محمد فخرو، ثم ينتقل إلى الحديث عن بعض من أدواره، فيقول: «بعد تخرجه في الجامعة الأميركية في القاهرة، عاد إلى البحرين في الستينات، وليمسك عمل العائلة من والده، ومعه في ذلك المرحوم علي بن يوسف فخرو، وشمل العمل قطاع الالكترونيات والانارة وأدوات البناء، وفي قطاع الشركة العائلية تطورت الشركة في السبعينات لتبدأ في العمل في مجال الأجهزة الطبية، وطوال تلك الفترة كان الوالد مع العم علي بن يوسف فخرو وابنه شوقي، يؤسسون الشركات سواء في قطاع الالكترونيات أو الانارة أو مواد البناء».

وأضاف «في قطاع الشركات العامة، كان الوالد مساهماً في عدة شركات تأسست في السبعينات، أبرزها شركة البحرين للسياحة، وبدأ في قطاع التأمين، وكان من أوائل المؤسسين للشركات الوطنية في البحرين، حيث تأسست شركة البحرين للتأمين (حاليّاً شركة البحرين الوطنية للتأمين)، واستمر في قطاع التأمين حتى تعيينه رئيساً لمجلس إدارة مصرف البحرين المركزي لعدد من السنوات، وبجانب ذلك فإن للوالد مساهماته أيضاً على الصعيد الاجتماعي، سواءً في الجمعيات الخيرية على نطاق العائلة وخارجها».

وتحدث غسان فخرو عن ملامح شخصية أبيه، فقال: «الغالبية من رجالات البحرين في عزِّ عطائهم في عقدي الستينات والسبعينات، تميزوا بخصلة لا تجدها لدى أي جيل آخر، فتجد لديهم دائماً خصلة الطيبة والمعاملة بلا طبقية، والمبادرة إلى التشجيع، بحيث إن كل من لديه فكرة، سواءً اجتماعية أو تجارية، كانوا يحرصون على دعمها، وخاصة الأفكار الشبابية، وبجانب ذلك فقد امتازوا بغياب الحسد تحديداً في مجال العمل، وعلى الدوام كانت روح التعاون بينهم حاضرة».

وأضاف «ما أجده في الوالد بشكل مركز، حرصه على التشجيع، والنصيحة سواءً عبر الإرشاد أو المصارحة بعدم جدوى الفكرة المطروحة، وكان يمارس ذلك على مستوى العائلة وخارجها، فقد كان كريماً بالنصيحة، أما بالنسبة لي فإن ما تعلمته منه الكثير، لعل الأبرز هي خصلة التواضع، فكنت حريصاً على محاكاته في طريقة تعامله مع الناس، والتي تتضح من تشكيلة مجموعة أصدقائه الذين ينحدرون من شتى الطبقات الاجتماعية والجنسيات والمذاهب».

جمال فخرو: لا للمركزية... نعم للتنوع

في صورة بدت متفردة، نأت عائلة فخرو بنفسها عن خيار المركزية، واستعاضت عن ذلك بخيار التنوع، فكانت المُحصلةُ غياب الشخصية الموحدة، وحضور مسارات الليبرالية.

عن ذلك، كان الحديث مع ابن العائلة جمال فخرو، الذي قال: «العائلة وعلى رغم ترابطها الأسري إلا أنها أيضاً أكثر عائلة ينفرد أبناؤها وبناتها بآرائهم، فليس هناك من يوجه الرأي الشخصي إلى أي فرد من أفراد العائلة، وأنا أعتقد أننا لن نلاقي الأمر ذاته بكثرة في العوائل البحرينية والخليجية بصفة عامة».

وأضاف «أعتقد، وفق ما نسمعه عن الجد يوسف فخرو، أن ذلك يعود إلى النشأة الأساسية، حيث كان الجدُّ يهتم بالتعليم وبالثقافة. درس أولاده، وهو من أوائل المؤسسين للمدارس الأهلية وخاصة في البحرين، وبالتالي فإن الانفتاح الفكري لديه انعكس على أبنائه وبناته، فتجد من أوائل من درس في الخارج هم أبناء أو أحفاد يوسف فخرو، سواءً أولاداً أو بناتاً».

وتابع «الكم الكبير من أبناء وبنات العائلة الذين درسوا خارج البحرين، والذين مارسوا العمل الطلابي والعمل السياسي والعمل الاجتماعي والعمل الثقافي، هم كثر، وهذا مرده إلى النشأة والتربية بالأساس».

وأردف «إلى جانب ذلك، فإن العمل التجاري وبحكم أن أبناء يوسف فخرو، عاشوا مع التجارة خارج البحرين، الأمر الذي منحهم انفتاحاً ثقافيّاً وفكريّاً، فهناك من عاش في الهند، وهناك من عاش في البصرة، وهناك من سافر إلى الكويت فترة، وهناك من ذهب إلى قطر، وهناك من بقي في البحرين، وبالتالي فإن التعرض لبيئات وثقافات مختلفة، خلق لديهم هذا التنوع الفكري، فهم لم يمارسوا التجارة داخل البحرين فقط، وإنما مارسوها من خلال مراكز تجارية في العالم من الهند شرقاً إلى العراق إلى الكويت...».

عطفاً على ذلك، رأى فخرو أن توصيف (العائلة الليبرالية)، لا يجافي الحقيقة في حال أطلق على عائلة فخرو، وعقب: «لن تجد لدى العائلة تطرفاً لا يميناً ولا يساراً، فالتطرف الديني غير موجود في العائلة نهائيّاً، وأنا أعتقد أيضاً أن مرد ذلك إلى الثقافة والانفتاح داخل العائلة، ومن جانب آخر، فإن التفكير الليبرالي أتى من خلال سفر الأولاد ثم سفر أولاد الأولاد إلى الجامعات، ليصبح المشهد أننا أمام عائلة تحب العلم، وهو ما يوفر انفتاحاً في الرأي وفي الثقافات، وهذا الأمر انعكس على العائلة جيلاً بعد جيل».

وعن دور الفقيد قاسم فخرو، في صنع كل هذه الحكاية، قال جمال فخرو: «منذ أن تخرج الفقيد في الجامعة العام 1957، مارس العمل في دكان العائلة وامتهن العمل التجاري بعد ذلك، فلم يمارس عملاً آخر غير العمل التجاري، وبالتالي نحن نتحدث عن شخصية مارست العمل التجاري حوالي 60 سنة، سواء عندما بدأ يعمل مع والده أو لاحقاً مع خاله أو بعد ذلك عمله ضمن شركة العائلة، أو من خلال مساهماته في الاقتصاد الوطني البحريني، والذي يعد الأهم في دوره، وذلك من خلال دوره في تأسيس شركات مساهمة عامة، شركات مساهمة مقفلة، والدعوة إلى تأسيس شركات تخدم المجتمع، وتخدم القطاع الاقتصادي».

وأضاف «كان له دور بارز في كل الشركات التي عمل فيها، بالإضافة إلى أن الفقيد منذ السبعينات تم تعيينه نائباً لرئيس الهيئة البلدية المركزية المؤقتة، والتي كانت تغطي كل البحرين، بالاضافة إلى أنك لن تجد اجتماعا للرأي والمشورة الا وكان الوجيه قاسم فخرو موجوداً فيه ليعطي رأيه ويشارك في النقاش والحوار».

واستدرك «لكن طبيعة الفقيد هي الهدوء، فلم يكن محبا للمظاهر أبداً، كما لم يكن صديقا للإعلام والصحافة. يفضل أن يعمل بشكل هادئ، ونحن نسميه بـ(كاتم الأسرار)، فحين تتحدث معه تمنحه سرك دون أن تخاف عليه. تلجأ له لنصيحة فيمنحك النصيحة المنطقية. لم يكن لديه أي تشدد لا في عمل تجاري، ولا في عمل اقتصادي، ولا في حياته الخاصة، هو مثال للاعتدال في كل شيء».

وتابع «منذ تخرجه في الجامعة والتحاقه بالعمل، منذ 1957 حتى 2017 لم يتوقف عن العمل التجاري، أو دوره في العمل الاقتصادي، أو دوره حتى في تنشيط الاقتصاد الوطني، وبالتالي نتحدث عن شخص يملك تاريخاً ممتدًّا في العمل التجاري، وأنا أعتبره أحد من خلقوا الديمومة في العمل الاقتصادي والتجاري».

وفيما يتعلق بالتحديات القادمة في وجه العوائل التجارية في البحرين، قال فخرو: «العوائل التجارية إما أن تكون كلها تحت مظلة واحدة، أو أن تكون عائلة واحدة تفرعت منها عوائل تجارية أصغر فأصغر، وبالنسبة لنا في عائلة فخرو لم نستقر تحت مظلة واحدة، وبالتالي لم تعش العائلة المركزية، فحين توفي الجد يوسف فخرو لم تنتقل تركته على مدى الـ 70 عاماً الماضية إلى مجموعة أو عائلة واحدة، إنما تم تقسيم شركته على الأولاد فبعضهم أخذ قسم السيارات، وبعضهم أخذ قسم التأمين، وبعضهم أخذ قسم القطاعي، وبعضهم أخذ قسم المواد الغذائية والأخشاب...».

وأضاف «لم تستمر شركة والدهم منذ الجيل الأول كشركة واحدة، لكنها ضمن الأولاد استمرت كشركات أصغر فأصغر، وانقسمت العائلة عدة أقسام ومن تحتهم الآن نجد أن أولاد الأولاد ممن بدأوا يؤسسون الشركات، وليبقى اسم عائلة فخرو هو الجامع للجميع، وهو الاسم المعروف على مستوى البحرين وعلى مستوى الخليج كله».

وردّاً على سؤال بشأن المطلوب من العوائل التجارية البحرينية لمواجهة التحديات القادمة ولضمان استمراريتها، قال: «الحل هو في حوكمة العوائل وتنظيم العوائل، وهذا يعني اختيار الطريق الأفضل لك للإبقاء على العائلة، إما أن تكون الشركة مملوكة 100 في المئة للعائلة جيلاً بعد جيل، وتضع أنت بعض الأحكام؛ لكي تبقي على هذه العائلة، أو أن تطرح جزءاً من الشركة للاكتتاب العام، وهناك سبل متعددة ولكن الأساس أن نفكر في إجراءات الحوكمة، وكيف نبقي هذه الشركات قائمة كشركات عائلية؛ لأننا مهما عملنا فإن العوائل تبقى هي عصب العمل الاقتصادي والتجاري في منطقة الخليج، ولاتزال هي الأغنى وهي الأقدر ولاتزال هي التي لديها الإمكانيات المتعددة للاستمرارية».

واختتم جمال فخرو حديثه ناصحاً «لكي تستمر الشركات العائلية لابد من تنظيمها، ووضع الأحكام التي تضمن لها الاستمرارية، وهناك بعض العوائل التي تنبهت وتفتحت وهناك بعض العوائل التي لاتزال تغمض عينيها عن هذا الجانب، وإذا كان لي رجاء فهو أن تهتم العوائل التجارية في البحرين وخارجها، بتنظيم أعمالها لكي تستمر، فمع الأسف الشديد لدينا بعض العوائل الكبيرة التي انتهى دورها بسبب خلافات على مستوى العائلة، فخسروا أعمالهم وخسروا شركاتهم، وذلك بسبب خلاف على أموال بسيطة، وما أتمناه من جميع العوائل التجارية، أن تلجأ بأسرع ما يمكن إلى تنظيم أوضاعها العائلية والتجارية».

سمير فخرو: المال لم يغننا عن التعليم

أما ابن العائلة ومدير الجامعة العربية المفتوحة سمير فخرو، فتطرق إلى محور التعليم ومدى حضوره وتأثيره في عائلة فخرو، فقال: «ما أقوله إن عائلة فخرو اهتمت بشيء واحد، وهو التعليم والدخول في مجالات كل بحسب تخصصه، وهو الأمر الذي ساعد في انتشارها».

وأضاف «كمثال لذلك، فإن يوسف عبدالرحمن فخرو، اليوم، له خمس من الوقف أنشأه هو، وهذا الخمس وضعه للتعليم فقط، وأولاده وذريته يصرفون منه على هذا المجال، دون أن يمس. وبجانب ذلك فقد اهتم أيضاً بمدرسة الهداية الخليفية، وأبناؤه الموجودون اهتموا بالتعليم منذ أيام علي فخرو وليلى فخرو وقاسم فخرو، تشغيلاً وتمويلاً وتسهيل وصوله إلى الناس».

وتابع «بجانب ذلك، هناك مسألة إرسال أبناء العائلة للبعثات، فأبناؤهم جميعاً ذهبوا إلى بعثات لينالوا الدرجات، وبالتالي لم يتوقفوا عن العمل في التجارة، والمال لم يغنهم عن العلم، انطلاقاً من قناعة مفادها أن شخصية الانسان هي المهمة، أما المال فلا يكفي في نهاية المطاف لكي يعرف صاحبه كيفية التصرف مع الناس وكيفية احترام الذات، وهو ما يتحقق في حالة التعلم والتواضع وبالجد والاجتهاد سواء في العلم أو العمل».

وعن موقع الفقيد في تعزيز إقبال العائلة على العلم، قال سمير فخرو: «كان الفقيد في المجلس الرئيسي لعائلة فخرو، يتبوأ مكانًا بارزًا فيه، واهتم بهذا الجانب، والشيء الآخر هو عضويته في مجالس إدارات شركات عديدة، وتخصيص ما تخرجه من مشاريع خيرية عبر إرساله إلى مجال التعليم لتبني به أبناء الوطن، وكان التركيز في ذلك على أبناء البحرين».

وعن آثار خيار العلم على العائلة، قال: «الآثار تجدها في الشخصية نفسها، فاحترام الناس لا يكون إلا بالشخصية المتوازنة، أما الثراء الذي لا يقابله علم فينتج اختلالاً في التوازن، وعبر ذلك تكون العقد موجودة تجاه الآخرين، أما الانسان المتعلم فيحترم الآخرين ويعرف مكانه وقدره، لا يُخطئ ولا يتجاوز، وفي الوقت نفسه يحرص على المساهمة كمواطن». وأضاف أن «المال يأتي ويذهب، ليتبقى في النهاية الاستثمار في الإنسان نفسه».

جموع غفيرة شيعت الفقيد إلى مثواه الأخير
جموع غفيرة شيعت الفقيد إلى مثواه الأخير

العدد 5244 - السبت 14 يناير 2017م الموافق 16 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:50 ص

      رحم الله فقيد الليبراليه المستنيره ربي يدخلك فسيح جناته.. عائله مشهوره في الاعتدال واليبراليه المستنيره وحب الوطن و الخير و الطيب و الجود

اقرأ ايضاً