العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ

ليس دور الصحافة أن تتزوج الوزارة

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

قلت سابقا بكل شفافية وبكل وضوح ليس دور الكاتب أن يعيش شهر العسل مع اي وزارة، وليس دور الصحافة أن تتزوج الوزارة... اية وزارة وخصوصا اذا بلغت الوزارة مرحلة الاختناق وانعدام اكسجين الاصلاح واصبحت تعاني الغيبوبة الكبرى في القانون والمزيد من الجلطات الدماغية المتسارعة.فرجال المنطق يقولون: النتيجة تتبع أخس المقدمتين والسياسيون يرددون: مسافة الف ميل تبدأ بخطوة واحدة في الاتجاه الصحيح.

اما اذا كانت الخطوات وليس الخطوة خطوات فساد اداري قائم على المحسوبية والمنطق القبائلي الأعرج، وتفريخ الإقطاع المناطقي والعائلي بعيدا عن الكفاءة والثقل العلمي فنهايته بلا شك مزيدا من التخبط والشللية الادارية والهوس الجنوني في وضع المكياج.

لقد رفض الموسيقي اليوناني تيودوراكس القرارات العسكرية في اليونان، كلفه كثيرا لكنه في نهاية المطاف كسب ضميره والتاريخ وفوق كل ذلك ربح الوطن.

كلمة مازالت تتلمس مواجع الاعتزاز لكل صحافة حرة، تلك الكلمة التي كان يرددها مصطفى امين عندما اريد للصحافة في مصر أن تؤمم وان تصبح في حضن الوزارات تشاطرهم كؤوس النخب، وعندما اريد لها ان تعقد شهر العسل والليالي الملاح تنتقل من وزارة الى وزارة، قال امين: «ان الصحف العظيمة لا تموت وانما يموت كل من حاول ان يقتل صحافة عظيمة...».

لسنا ندعي العصمة السياسية او الثقافية، ونعلم ان الطريق طويل وشائك وخصوصا في عصر اصبح فيه المثقف يمارس دور البطل في بث سموم النميمة السياسية بين المجتمع والسلطة. للأسف الشديد ان مجتمعنا العربي حاز درجة الامتياز مع مرتبة الشرف في تخريج وتفريخ المثقفين الوصوليين الذين اصبحوا لا يعتاشون الا على خلق الفجوات وتوسيعها بين السلطة والمجتمع وأصبحوا يستخدمون طريقة رجال المباحث ايام سيادة الحزب الواحد في روسيا، وذلك باتخاذ طريقة الدوس على المجتمع والتشكيك الدائم في نيات المواطنين حلما للوصول وبأقل كلفة وبإظهار انهم فقط القلب الحنون على الوطن.

الصحافة عمل من الأعمال الطاهرة وخصوصا اذا استطاعت ان تقرّب بين قلب السلطة وقلب المجتمع.

مهما كان حجم الاختلاف، على الكاتب وعلى الصحافي ان يعمل على ردم الفجوات، ان يقرب وجهات النظر، ان يفتح مزيدا من قنوات الحوار.

لم يكن دقيقا ذلك الحوار الذي جرى في اعلامنا المحلي عندما انبرى الضيف الكريم وقال: ان المعارضة بأشكالها تريد ان تخرب مشروع الاصلاح.

وان كنت لست معنيا بهذا التوصيف غير اني ارى طرح القضايا بهذا الاسلوب المسكون بالتفسير التآمري يكون بمثابة صب الزيت على النار ومحاولة تعسفية لفتح القلوب واطلاق الاحكام على النوايا في وقت نحن في امس الحاجة فيه إلى تقريب وجهات النظر ورأب اي صدع وفتح جميع ابواب الوفاق.

بعيدا عن كل ذلك اعود الى حيث ما ابتدأت به من موقف الوزارات من الصحافة في اي بلد... عندما تحاول اي وزارة ان تضغط باتجاه قتل اي صحافة او كسر اي قلم ولو بأساليب غير مرئية هي بذلك تلف حبل المشنقة على نفسها وان ادعت التعددية وتلبست بلبوس العفة الوطنية، واللغة التغييرية الحداثوية في الادارة والأجهزة والاقسام التي تحت رعايتها... كل ذلك يسمى انفصاما وزاريا وصورة مشوهة للديمقراطية الادارية، ورؤية مغشوشة لحب الاصلاح.

كل من وقف ضد وطنية (هيكل)، وصحافة هيكل في مصر اصبح عاريا ابتداء من النشاشيبي الى فؤاد زكريا، الى موسى صبري الى كل هؤلاء... وبطريقة انشائية راح سيّار الجميل يعمل على (تفكيك هيكل) بما ادعاه (مكاشفات نقدية) اشبه بالخطابات الانشائية... من يقرأ الكتاب يضحك... ولست هنا متحمسا لهيكل بقدر ما انا مؤمن بأن الصحافة الحرة والصحافي الحر هو الذي يقول الكلمة الصادقة ويرفض دائما أن يأكل لقمة مغموسة بالكذب وقائمة على تسطيح وعي الجمهور عبر تغليط الحقائق وركوب الموجة واصطياد المناسبات.

ان نصب المحاكم والمشانق على طريقة محاكم التفتيش في القرون الوسطى للصحافة وذلك بقطع اللسان، وتقليم الأظافر عبر وسائل ضغط مختلفة حتى تؤمن بـ (الحق الالهي) للوزير الفلاني والعلاني أو للوزارة الفلانية والعلانية يعني شيئا واحدا الغياب بالكامل للصحافة النزيهة ومحاولة اخرى لوضع الصحافة في (الجيب) لتكون الزوجة الرابعة من زوجات (الحاج متولي)!!!.

ويوم نقبل بذلك لن نجد آذانا صاغية من السلطة فضلا عن الناس لان السلطة ملت الكلام المكرر والمديح الفضائحي المممجوج، والتصريحات الوزارية التي سمعناها وحفظناها منذ 25 عاما القائمة على ان (كل شيء صح) و (من ينتقد الوزارات كذاب افاك أثيم...).

ان هذا النَّفَس من الكتابة اصبح غير مستساغ من السلطة لأنها رأت فيها تزويرا للواقع وله الدور الاكبر في ايقاع السلطة التنفيذية في حفر عدم الاستقرار السياسي وفي خلق الوقيعة بينها وبين الناس، يجب على السلطة والمعارضة البحث عن المقربين لا المنفرين.

كان بعض الوزراء يقول للسلطة ان لا بطالة في المجتمع واذا بها تفاجأ بـ 30 ألف عاطل بحريني، كانوا يقولون لها يوجد باحثون عن عمل بطريقة تسهيلية تسطيحية وليسوا عاطلين... واذا بها تكتشف دكاترة عاطلين عن عمل، بعضهم راح ضحية النميمة الاكاديمية كمحمد جهرمي الذي طرد بطريقة مؤدبة من جامعة الخليج العربي ليحل محله باحث كندي من أصل لبناني أقل كفاءة يبتعث الى الخارج على حساب الجامعة وبالأموال الخليجية الوفيرة التي سكنتها عقدة الخبير الاجنبي ليصل إلى درجة (محمد) في حين ان بين يديهم مواطنا جاهزا اكاديميا لا تنقصه لا الخبرة، ولا المستوى الاكاديمي - الذي ارسلوا اجنبيا للحصول عليه - ولا الوطنية ولكن ماذا نفعل اذا اصبحت صروح العلم قائمة على الفساد الاداري فهل ستفوق اختها جامعة البحرين التي مازالت محكومة بالهوس الأمني القديم لقانون أمن الدولة.

لقد تخلصت وزارة الداخلية من قانون أمن الدولة - والظاهر انه علق ببعض وزاراتنا وبعض جامعاتنا إذ أصبح عندنا قانون أمن الوزارة (...) وقانون أمن الجامعة. وعلى حد قول نزار قباني (والمرء كي يذهب للحمام يحتاج الى قرار) وليست هذه نكتة شعرية والا ماذا يسمى القرار الاخير في جامعة البحرين الذي خرج عليهم من مبنى عمادة شئون الطلبة والذي يعتبر نقطة تفتيش اخرى من نقاط تفتيش الجامعة إذ لا يتم الموافقة على اقامة نشاط طلابي تقيمه جمعية أو ناد طلابي في الجامعة الا بمروره بثماني نقاط تفتيش وقبول وتوقيع ابتداء من: مدير دائرة لانشطة الطلابية، وعميد شئون الطلبة، مرورا بثلاث اخر: دائرة العلاقات العامة ودائرة المباني والصيانة ودائرة المالية وصولا الى نقطة التفتيش الرابعة وهي مكتب الرئيس. غير انه بقي مكان واحد مازلت اتساءل لماذا لم يؤخذ توقيعه وهو رئيس قسم الكفتيريا فلربما تتسخ اثواب الطلبة فهم يحتاجون ايضا الى رعاية ابوية ولو طبخية في ظل النظام الابوي البطريركي الذي تعتمده الجامعة مع الطلبة على حد تعبير المفكر الكبير هشام شرابي.

ان هناك ثمة اخطاء تجب ازالتها أو العمل على تغييرها سواء في نظامنا التعليمي أو غيره. وهنا يأتي دور الصحافة كسلطة رابعة لتنوير عقول الناس والرفع من مستواهم وان ترصد اي خطأ في المجتمع فتعمل على اصلاحه، وتعمل على ايصال صوتهم إلى السلطة.

الصحافة ليست ابتزازا، ولا تعني ضربا تحت الحزام ولا تعمل على خلق معارك وهمية وان اريد تلبيسها بهذا الاتهام وانما الصحافة الموضوعية هي التي تعمل على ترسيخ الدعائم الوطنية وتمتين النسيج المجتمعي واعادة اللحمة الانسانية بين المجتمع. هي التي تحاول جاهدة الترافع عن المواطن ايا كان انتماؤه وتوجهه وان تقول الحقيقة وان غضب الناس أو السلطة. وهي التي تعمل دائما على تعزيز الولاء الوطني. والولاء يتحقق بتعزيز دولة القانون والمؤسسات باشراك المجتمع في صوغ القرار السياسي، وبفتح كل سبل التلاقي مع الاحتفاظ بالثوابت الوطنية التي هي محل اجماع لجميع قطاعات المجتمع. إن اي ربح للوطن هو ربح للجميع وان انتهاء الاسلوب والمنهج الوسطي المتوازن مكسب من خلاله نستطيع أن نحفظ الايقاع الذي تسالم عليه كل شعب البحرين حكومة وشعبا وكل ذلك يترسخ بوجود صحافة تترسخ صدقيتها بالموضوعية ولهذا نحن نبحث ونطمح إلى أن تتحول الصحافة البحرينية بأكملها إلى (صحافة سائلة) قائمة على مبادرة السؤال والمساءلة لأي ازمة، لأي اشكالية، لأي خطأ... المهم يجب ان تلقى بحجر السؤال في المياه الوزارية والمؤسسات المجتمعية الراكدة... فالسؤال هو جوهر الفلسفة اذ أن الفلسفة قائمة على التساؤل والمساءلة وكذلك هي الصحافة الموضوعية. وهي تكون بالحرية وليس بوسائل الضغط المختلفة لو جعلنا الاوبرا اجبارية لسد الناس آذانهم لذلك لن نصوم عن الكلام ولن نقبل ان نبقى على مقاعد المتفرجين لنرضي الوزير الفلاني والمدير العلاني، والمؤسسة الوطنية المعاتبة، مادام هناك هامش للحرية وما دمنا نؤدي امانة الوطن. لقد كان الكاتب الشهير مصطفى امين من الرجال الذين مورس ضدهم وضد صحيفتهم وسائل الضغط المختلفة.

كان يقول وهو يشكو الهموم الصحافية في كتابه (صاحبة الجلالة في الزنزانة) «ولا يتصور القارئ (الناقد) الذي يقرأ الجريدة في دقائق، العناء والجهد والدم الذي بذل فيها! لا يعرف اننا كنا احيانا نكتب ونحن نمشي على الشوك، القلم في ايدينا، والسيف على رؤوسنا، نكتب وكأننا لاعب السيرك الذي يرقص فوق حبل مشدود، يرتفع فوق الارض عشرات المرات، اذا انزلقت قدمه دك رأسه وهشمت عظامه! لا يعرف ان الصحافي يحمل على رأسه هموم الدنيا اننا نحن العميان الذين ننزعج من ارتفاع اسعار الشموع. نحن الصم الذين نطالب بتحسين برامج الاذاعة. نحن المقعدون الذين نطالب بتنظيم السير في الطرقات. كل مشاكل العالم مشاكلنا، وكل متاعبه متاعبنا. وكل عذاب هو عذابنا».

وفوق كل ذلك انا اقول وكيف سيكون حالك ايضا اذا اريد لصحافتك ان تتزوج الوزارة حتى يعطى لها صك الغفران الوزاري.؟

ألم اقل سابقا ان هناك فرقا شاسعا بين سُلطة رابعة وسَلطة رابعة؟!

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً