العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ

الموقف الفرنسي: بغداد تريده أكثر تشددا وأميركا تعتبره يصب في مصلحة نظام العراق

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

كان المستشار الالماني بسمارك يتساءل دائما ما السر في النجاحات التي تحققها الدبلوماسية الفرنسية مقارنة بالعثرات الدبلوماسية لبلاده مع وجود الفارق في القدرات والامكانات وفي القوة ما بين الدولتين، وهو في الاجمال لصالح المانيا وليس لصالح فرنسا. ويبدو ان التساؤل اضحى مطروحا من قبل الكثير من المهتمين بالشئون العالمية، بيد ان المقارنة لم تعد قائمة ما بين برلين وباريس بقدر ما اضحت قائمة ما بين باريس وواشنطن.

على أي حال، تستحوذ الدبلوماسية الفرنسية هذه الايام على اهتمام السياسيين كما المراقبين في العالم مادام الملف العراقي في مجلس الامن يستقطب جل الاهتمام العالمي، ويبرز في ثنايا هذا الاهتمام موقف فرنسا الرافض للانسياق وراء السعي المحموم لضرب العراق تحت أي ظرف وبأية ذريعة. مؤكد انه ليس لفرنسا وحدها هذا الموقف المتعارض مع الموقف الاميركي وانما لمعظم الشركاء الاوروبيين موقف متباين ومختلف مع الموقف الاميركي... وقد حاولت واشنطن في الامس القريب التغطية على هذه المواقف عبر تكثيف الضباب من حولها، إلا ان المواقف ظلت على حالها فيما انقشع الضباب.

وعلى سبيل المثال، لم تكن السياسة الألمانية ازاء اميركا فيما يتعلق بالازمة العراقية فقاعة انتخابية بدليل عدم انفجارها بعد فوز المستشار الألماني هانز شرودر، ولا السياسة الفرنسية بمفردها قادرة ان تكون ندّا لاميركا وسياستها. وباريس نفسها لا تساورها الاوهام في انها تملك القدرة على مناطحة واشنطن ما لم تكن مدعومة بمواقف وارادات دولية كثيرة، وايا كان الأمر في التعامل الأوروبي مع الحال الأميركية بعد حوادث سبتمبر/أيلول المأسوية، فالدول الأوروبية كلها انتقلت سريعا من حال الدعم اللامحدود لأميركا في مواجهة (شر الإرهاب)، إلى التعاون المشروط مع الطروحات الأميركية لما عرف بالحرب الوقائية والتطبيق الأول لها في المسعى الأميركي لإسقاط النظام السياسي في العراق.

كثر الحديث في الأروقة السياسية عن الموقف الفرنسي ازاء السياسة الأميركية، فيرى السفير رئيس شعبة رعاية المصالح الفرنسية في العراق اندريه جانيه، في دردشة اجريت معه في مكتبه في السفارة الفرنسية التي تعمل اليوم تحت العلم الروماني، أن سياسة بلاده تصادف حال من الازدواجية في الفهم من جانب العراق والإدارة الأميركية. فالعراق يريد مواقف فرنسية اكثر شدة تجاه أميركا وواشنطن ترى في مواقف باريس تأييدا للعراق، وخلال الحفل الذي أقامه السكرتير الصحافي الفرنسي في بغداد لعدد من صحافيي بلاده من الذين حضروا لتغطية وقائع الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية في العراق، كانت الأحاديث تتجه إلى الموقف الفرنسي من الطروحات الأميركية في مجلس الأمن الدولي. وتشعبت التعليقات والأسئلة واتجهت لتنصب على زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية لواشنطن، وفيما إذا كانت القبلات المتبادلة بين وزير الخارجية الأميركية ووزيرة الدفاع الفرنسية قد اشاعت الدفء في العلاقات بين البلدين، التي أردفت أميركيا بتصريحات للناطق باسم الرئيس بوش أكد خلالها أن الرئيس الأميركي لم يقصد دولة بعينها، في اشارة واضحة إلى فرنسا التي اعتبرها المحللون هي المقصودة بكلام بوش، في قوله «أولئك الذين يعيشون وهم يتغاضون عن الحقيقة سيجدون أنفسهم في النهاية يعيشون وسط الخوف».

ومهما تكن مقاصد بوش ونتائج محادثات الوزيرة الفرنسية في واشنطن، فالنتيجة اظهرت ان باريس لم تتخل عن مواقفها المعلنة. فيما افرزت تصريحات وزيرة الدفاع الفرنسية ايوت ماري وجود مبارزة غير منظورة داخل تيارات الادارة الاميركية، فاشارة ماري إلى قناعة باول حول حجم الصعوبات التي تكتنف شن حرب جديدة على العراق، لم تعجب جناح الصقور في الادارة الاميركية لذلك رفض رامسفيلد في اللحظات الأخيرة عقد مؤتمر صحافي مع الوزيرة الفرنسية، الذي علق عليه أحد الصحافيين بالقول «ربما يخشى رامسفيلد ان يقف بجانب وزيرة فرنسية فتخطف منه الأضواء»، فيما علق آخر ان «ماريان الفرنسية... انجح من الكابوي الأميركي في إدارة شئون الدفاع».

وفي كل الاحوال حتى الآن تستحق باريس كلمة «برافو» ولأكثر من سبب، الأول ان فرنسا في سياساتها الحالية، وبعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، تحاول ان تبرهن على ذلك النمط من الديغولية الجديدة التي وإن اغضبت الأميركان، فإنها انتزعت احترامهم من دون ان تمنحهم فرصة إعلان حال التقاطع الشامل بين العاصمتين. والثاني السعي الفرنسي الحثيث لجعل القمة الفرانكوفونية الاخيرة مثابة الانطلاق نحو تعامل دولي دقيق في حساباته عندما يتعلق الأمر بالمصالح الفرنسية في أية منطقة من العالم. وثالث هذه الأسباب، حال التفاهم التي خرجت قاسما مشتركا وناتجا عن القمم الفرنسية مع عدد من الزعماء العرب لفهم فرنسي افضل لحقائق الموقف العربي من قضية العراق وفلسطين، والتصريحات الفرنسية قبل هذه القمم وبعدها، كرست هذه القواسم المشتركة في الرفض الكامل لمنهجية الحرب والعمل على منهج دولي جديد يسعى لحل المشكلات بالطرق السياسية. ورابع هذه الأسباب ان فرنسا لم تعد لوحدها في الساحة الدولية، سواء داخل أوروبا أو في مجلس الأمن الدولي، فالموقف الروسي والصيني ساند الطروحات الفرنسية لمشروع دولي يستبعد خيار الحرب حلا أساسيا للملف العراقي، وكذلك كان الموقف الألماني والبلجيكي، ومن بلورة هذه المواقف في بوتقة الموقف الفرنسي ازاء مشروع القرار الاميركي المطروح على مجلس الأمن، جعل المشروع الأميركي يفتقد إلى التأهيل اللازم للموافقة عليه

العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً