العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ

الهوية... والدستور

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التوافق الشعبي على دعم المشروع الاصلاحي في مملكة البحرين يرجح أن يكون المدخل السياسي للتفاهم على صيغة دستورية تحصن البلاد من مختلف التداعيات الاقليمية التي يحتمل أن تحصل في حال أعلنت الولايات المتحدة الحرب على العراق. فالبحرين مثل أي دولة في العالم عرضة للتقلبات المجاورة وتجربتها في النهاية نتاج بيئتها الداخلية إلا أن تلك البيئة لا يمكن عزلها عن محيطها وتحتاج إلى وعي مشترك يؤكد ضرورة بناء «تسوية تاريخية» تضمن مسيرة الاصلاح وتحديث الدولة.

والعودة إلى عقد المقارنة مفيدة في هذا الظرف. فهذه الكويت نجحت داخليا في صوغ نظامها الخاص إلا انها كانت عرضة إلى تقلبات قريبة منها (إيران في الثمانينات) وملاصقة لحدودها (دخول جيش العراق اراضيها).

ولبنان أسوأ من وضع الكويت. في الكويت هناك ما يشبه الاجماع الوطني على حماية الحدود وأمن المواطن على رغم الخلافات الداخلية التي نقرأ عنها في الصحف أو نسمعها في نقاشات مجلس الأمة. في لبنان هناك ما يشبه الانقسام الوطني على كل شيء على رغم هزيمة الاحتلال الإسرائيلي وتراجعه سنة بعد سنة منذ اجتياح 1982 وصولا إلى خروجه النهائي من البلاد. ومع ذلك بقي الانقسام الداخلي يعيد انتاج ادواته الخلافية واستمر التهديد الإسرائيلي من دون انقطاع. فمرة تهدد «اسرائيل» بضرب البنية التحتية (الجسور، محطات الكهرباء، المؤسسات المدنية، والقرى والمدن) ومرات تهدد بضرب مصادره المائية ومزارعه وقطاعاته المنتجة.

اللبنانيون متفقون على خطورة التهديدات الإسرائيلية وهناك ما يشبه الإجماع على رفض أي عدوان يعطل السلم الأهلي ويدفع الناس نحو الشوارع للاقتتال. الاتفاق المذكور ضد «اسرائيل» يتحول يوميا إلى مادة نقاش للسياسة ثم ينتقل السجال من الخارج إلى الداخل وصولا إلى فتح ملف الهوية. فالصراع على هوية لبنان كان ولا يزال نقطة بدء في قراءة المواقف السياسية.

مشكلة الهوية ليست مطروحة بهذه الحدة في الكويت أو البحرين أو أي بلد عربي باستثناء السودان وموريتانيا. والصراع على الهوية في لبنان مشكلة موروثة بدأت طائفية (ثنائية) وانتهت وطنية على رغم أن هذا البلد العربي تلونت هويته وتعددت ثنائياته ووصلت طوائفه ومذاهبه من الديانتين إلى رقم 17 والزيادة واردة دائما. المشكلة قديمة تعود إلى القرن التاسع عشر.

واستمرت إلى الحرب العالمية الأولى حين دخلت السلطنة العثمانية (بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي العلمانية) في حرب ضد الحلفاء فألغت نظام المتصرفية (الأوروبي) واندفعت في مواجهة عسكرية خسرت في نهايتها مواقعها في بلاد الشام وحلت مكانها دول الحلفاء المنتصرة في الحرب.

كان جبل لبنان من حصة فرنسا فلجأت الأخيرة إلى توسيع جغرافيته السياسية فضمت إليه الأقضية الاربعة في العام 1920 وأعادت تنظيم ادارته ودستوره مكرسة نظام الحصص الطائفية (لكل طائفة حصتها) مع غلبة بسيطة للطوائف المسيحية.

هذه الغلبة البسيطة كانت ثغرة تاريخية في جدار «الوطنية» اللبنانية. المسيحيون وجدوا فيها ضمانة دستورية لوجودهم. المسلمون نظروا اليها خطة فرنسية تريد منها تهديد هوية المنطقة من تلك الثغرة. وبمرور الايام اتسعت دائرة الخلاف فانهار الجدار.

اكثر من مرة انهار الجدار الوطني اللبناني. ودائما كان يعاد تأسيسه، وأحيانا من الصفر، ليقوم مجددا وينهار بعد فترة. والسبب كان تلك الثغرة التي أساءت كل الأطراف فهمها... إلى أن تمت تسوية (اتفاق الطائف في السعودية).

تلك التسوية ليست تاريخية لكنها أعادت ترتيب «البيت» اللبناني بتجديد المساواة الطائفية بين الديانتين. فالحل الطائفي وجد أن نظام الغلبة فشل ولابد من تعادل القوى. وعلى أساس نظرية التعادل الطائفي أعيد بناء الدولة ضمن بناء توافقي دستوري. هذه المشكلة ليست موجودة في البحرين أو الكويت. مسألة الهوية في البلدين محسومة ولا خلاف عليها. والاتفاق على الهوية يسهل أمر التوافق الدستوري لأنه الضمانة الوحيدة لنجاح المشروع الاصلاحي واستمرار الديمقراطية. ومقاطعة الانتخابات خطأ في التقدير، ولكنها ليست مشكلة. المشكلة ليست في السياسة الظرفية بل في عدم التوافق الأهلي على الدستور

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 48 - الأربعاء 23 أكتوبر 2002م الموافق 16 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً