العدد 5241 - الأربعاء 11 يناير 2017م الموافق 13 ربيع الثاني 1438هـ

التحية... الحياة... لا نريد للموت أن يعلِّمنا محبَّة الأصدقاء

حزين وبائس وفي عزلة خانقة ذلك الذي يبحث عن أصدقاء. متجبِّر من لديه أصدقاء ولا شغل له إلا التفريط فيهم. ومُهدَّد ذلك الذي ليس لديه سوى صديق يتيم. صديق وحيد. وليس من هذا العالم الذي يرى إمكانية العيش من دون صديق، وفي غنى عن أي منهم.

تتصرَّم الأعوام؛ وقد لا نلتفت إلى ما عجزنا عن إنجازه، انشغالاً بما نعمل على إنجازه. الحياة في محصِّلتها النهائية تراكم إنجازات. لا أحد منا لم ينجز شيئاً. حتى أولئك الذين فشلوا، يكفيهم أنهم لم ينجزوا شيئاً، وذلك إنجاز! أن تفشل فتلك محصِّلة من محصلات وجودك في هذا العالم: أن تكون فاشلاً!

أكثر ما يُرعب أي واحد منا في لحظة حرص وصدق هو أن يفاجأ بالموت وقد تصدَّى لتعليمنا درس محبة الأصدقاء، وفي الوقت الضائع!

ومن بين أكبر الإنجازات بالنسبة إلى أي كائن بشري نابض بالحياة بمعنى حقيقي، هو ألَّا يخسر الأصدقاء، ومن بين أكبرها أيضاً أن ينجح في إضافة صديق إلى قائمته، في هذا الزمن الذي تصطنع فيه العلاقات والعواطف والمشاعر.

في الكتابة ثمة حروب معلنة وأخرى لا يُراد لها أن تكون مُعلنة. يراد لها أن تكون غاطة هنالك تحت الرماد، في تمثُّل مصطنع أيضاً إلى مثالية مُدَّعاة بين فئة من المثقفين. ولا مثالية أساساً لدى أي فئة، سواء كانت من المثقفين أنفسهم أو غيرهم. ولعل فئة المثقفين أكثر عرضة لمثل تلك الحروب التي تكاد لا تتوقف، ودوافعها لا تُحصى، إما لتفاهتها، وإما لجدَّتها في نادر الأحيان، وحتى الجدَّة تلك تأتي لأسباب ليس من العصي والمستحيل تجاوزها، ومعظمها بفعل الغيرة وجلسات التنابز والغيبة والشحن، ومؤخراً تهيأت ظروف أسهمت في امتداد تلك الحروب وبروزها في شكل اصطفافات، لا تحتاج إلى مثل تلك الجلسات، أنتجت حروباً عن بعد.

بين هذا وذاك، ثمة أصدقاء حياة... وأصدقاء حرْف وحبْر... وأصدقاء معرفة... وأصدقاء تأوي إليهم دون أن تشعر بضيق، وأصدقاء لا ينال منهم الزمن، تقلُّباً أو تحوُّلاً على النكران والسفه والمكر. ثمة أصدقاء عناء أيضاً، أولئك الذين تكتشف بهم ومنهم ما غاب عنك وفيك، كأنهم المرايا المُشرعة على الضوء؛ حيث الرؤية في شبه تمامها.

درس الأصدقاء في الحياة

تأتي هذه الكتابة لردِّ تحيات، بعضها لم يصل، لكن يتوجَّب الرد من دون انتظارها، وبعضها يصل في كل لحظة، بحكم نقاء سرائر. تصرَّم عام ألِفْتُ في نهايته، أو قبل تصرُّمه بقليل أن أوجِّه تحيات لأصدقاء وزملاء وأحبَّة، بعضهم انزوى، وبعض مازال روحاً في أي حراك يطل برأسه، بعض «كبست» عليه ظروف الحياة فارتأى العزلة منجاة من وحشة الناس، وبعض حاصره أكثر من جحود ونكران لكنه لم يدع خنّاس الفراغ يعبث بموهبته. بعض منهم ربما لم ألتقه إلا للحظات، لكن اللحظات تلك، وبالانطباع المريح، هي بعمر الزمن. ومن دون أن ينشغل المرء في التصنيف، عليه أن يؤمن أولاً أن الخسارات الحقيقية هي تلك التي تفقد فيها روحاً إضافية كانت تسندك في يوم ما. ألَّا تتردد في أن تعرب عن محبتك لأصدقائك الباقين. ذلك الإعراب هو السر الخفي في تحصين العلاقات بين البشر، ذلك الإعراب الذي كثيراً ما نؤجِّله، ولا ندرك أهميته، والسحر الذي يمكن أن يفعله في عملية تحصيننا جميعاً من العادي وعاديات الأيام.

أجد في العودة إلى رسائل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، إلى البشر في العالم، متعة ومساحة تدبُّر كثيراً ما تنفلت مني ومن سواي. كتب ذات عزلة عاشها بفعل مرضه الذي مات من جرَّائه «لن يتذكرك أحد من أجل ما تضمر من أفكار، فأطلب من الربّ القوة والحكمة للتعبير عنها، وبرهن لأصدقائك ولأحبائك كم هم مهمون لديك».

ولعل شاعرية مخبوءة هناك في «الأثر»، قلَّما نقف عند تخومها العميقة والمدهشة، من بينها ما قبض عليه المقرئ واللغوي، نزيل البصرة وعالمها؛ أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد الجشمي السجستاني «إذا مات لي صديق سقط مني عضو».

لا نريد للموت أن يعلِّمنا درس محبة الأصدقاء، وفي الوقت الضائع. لا معنى لمثل ذلك الحب في الغياب النهائي. قيمته وأثره وجدواه في الوقت الذي نعيشه ونتحرك فيه، ذلك الذي فيه تحولاتنا وحراكنا الإنساني. القيمة الحقيقية في كل ذلك هو تعلُّم الدرس والسهر عليه في الحياة، حينها سيبقى الأثر ويتعمَّق، وقد يصيب سوانا بعدواه الجميلة والضرورية.

ألَّا تنسى كي لا تُضطر إلى التذكُّر

النسيان آفة، والتناسي وباء، وخصوصاً إذا ارتبط بالأهم في هذه الحياة: العلاقات الإنسانية القائمة على المعنى. ألَّا تكون وحدك مُختاراً أو مُضطراً.

- منصور الجمري: من بين أغلب رؤساء التحرير الذين عملت معهم في الاغتراب وهنا، يظل منحازاً إلى الثقافة في الصحيفة اليومية التي يديرها «الوسط». ظلت الثقافة لدى بعضهم ركناً احتياطياً للوجاهة فحسب، يمكن للإعلان وغير الإعلان أن يلتهمها. يمكن تفهُّم السبب الأول، فلا مطبوعة في الدنيا يمكن لها أن تستمر من دون الإعلان. يظل يُذكِّرني بأبي نجلاء، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة «الخليج» الإماراتية، المغفور له تريم عمران تريم، بالنَّفس ذاته، والحرص، وإدراك أهميتها ودورها في حياة أي مجتمع يسعى إلى أن يكون خلَّاقاً.

- قاسم حداد: لم تكن وحدك يوماً، بكل هذه المخلوقات التي تبثها بيننا... بين الناس.

- أمين صالح: ذلك الذي ينحت عالمنا... عالمه، باقتدار الرائي، وبحساسية من هو في عزلة ارتضاها. في المرايا التي يتركها لنا كي نتأكد من أننا مازلنا رعايا في هذا العالم. لا يريدنا أن نكون رعايا فحسب ما لم نستنطق الأشياء، ونكون على صلة وثيقة بها. أن نمنحها المضيء من أرواحنا كي لا نكون عرضة لتبرُّمها.

- أحمد العجمي: كأن نظره إلى النص يتجاوز نصه، لكنه يظل صوتاً عميقاً في كثير مما أنجز من نصوص. لا يجد لهوه إلا ساعة يكون تحت امتحان النص.

- سوسن دهنيم: أن تكتب النص في ضغط الغياب وحشْر من العناء. أن تكون وفياً للغة وكأنك مُحرج من كثرة أفضالها عليك. في القدرة على التجاوز. في النهوض من عثرات تترصَّد كأنها الكمائن.

- ليلى السيد: الامتلاء في التجربة. ألَّا تترك المسودات يعبث بها الضجر.

- عبدالعزيز الموسوي: أن تذهب إلى الناس كي تكتب نصك. أن تسهر على الذين اكتشفوا عالم الكتابة المدهش.

- حسين المحروس: من القليلين الذين يُدخلون الكلام العادي في مصهر النص المكتنز بالدهشة. هو لا يسرد... لا ينثر الحكايات بقدر ما ينثر الطِيبة الآفلة، أو التي هي في طريقها إلى الأفول. ما يتبقَّى من جمال في هذا العالم يكمن في تلك العفوية المُهملة، تلك التي لا يعيرها كثيرون أدنى اهتمام، وتحتاج إلى من يأخذ بيدها ليقدِّمها جوهرة في تاج الحكمة.

- كريم رضي: في الصبر على النص، كأنْ لم يكتبه من قبل.

- إيمان أسيري: ذلك النسك في الحياة. الهدوء الذي يكاد يتفجَّر بالأنهار والحبر والألوان. بين النص وبين اللوحة والطمأنينة النادرة ثمة فكرة لم تأتِ بعد.

- حسين السماهيجي: نفتقد النص يا صديقي. الوحشة غالبة.

- حسن مدن: لا يستعرض مدن نهمه في القراءة. هو يقبض على ما لم ننتبه إليه، من دون أن يُشعرك بذلك. التفاصيل التي تمتلئ به الفكرة التي يبدأ بها مقال يكشف لك عن لياقته الكبيرة بذلك الترحال في الذي قرأناه وذلك الذي لم نسمع به أو لم يُتح لنا وقت لقراءته.

- نادر كاظم: في جرأة التشخيص وعمقه. يذهب إلى الأمراض السارية والمزمنة والمسكوت عنها، فيميط عنها القيح والعفن، في ظل مكابرة لا تعترف بالكوارث النائمة التي تنتظر لحظتها كي تنفجر في أزمنتنا والأزمنة التي ستلي.

- منصورة عبدالأمير: جاءت إلى المهنة من باب الترجمة. بارعة هي فيها. قادها ذلك إلى أن تدخل في المغامرة. مغامرة مشروع ابتدأ للتو بظهور «الوسط». لم تحتج إلى زمن طويل كي تقف على كثير من أسرار المهنة. هي اليوم صوت مهم في المتابعات والمراجعات التي تنجزها في الفن السابع.

- على الجلاوي: كأنه كان يُعدُّ لدرس الاغتراب بشكل عملي، حين راح يسرف في الحزن، ويسرف في الضجر. الغالب في نصوصه هو الضجر، لكنه الضجر الذي لا تملك إلا أن تخرج منه بفرح هناك... في قدرته على أن يمسَّ شغاف محاولتك ذات نص.

- فوزية السندي: ألَّا تكترث حين لا يأتي أحد. أن تكون في قلب الغبطة حين تذهب.

- حمدة خميس: كلما سال حبْر. كلما واجهت جمهوراً أتذكر اليوم الذي كانت لي فيه أماً لم تراهن على ابن الجيران... راهنت على ابنها.

- أحمد رضي: تذهب إلى تفكيكه وتوصيفه للمدن... البشر... الأفكار التي يُراد لها أن تكون مركونة للنسيان، وكأنك تقرأ نصه ذات وقت.

- فاطمة محسن: تذهب إلى النص لا تلوي على شيء آخر. وإلى الأصدقاء أيضاً.

- عبدالقادر عقيل: ثمة مطابقة بين هدوء نصه وهدوئه. كثيراً ما أغبطه.

- مهدي سلمان: في درس العناء نص آخر، ربما لم يكتبه بعد. سيكون واحداً من نصوصه المدهشة.

- عباس يوسف: في المكان الذي يألف، يمكن لما يشبه المعجزة أن تجالسه. لا شيء أكثر إعجازاً بالنسبة إلى الفنان من أن ينجح في تجسيد رؤياه ونبوءاته في حيِّز يبدو مؤطراً، فيما العالم كله يحتويه. ذلك الانشغال الحميم بالوحشة أحياناً يمكن له أن يُنتج نبوءته وإن بدت على الهامش. في الجانب الآخر، يملك أدوات سرده لتلك النبوءات بالانشغال بالمعجزة. الفن وجه آخر لمعجزة تكاد تكون ممارسة يومية أو شبه يومية.

- عبدالجبار الغضبان: لا تزعجه المواعيد التي لا يفي بها الأصدقاء، ما داموا بخير.

- محمد الخُزاعي: يمكن لنا أن نثق ونطمئن حين يشتغل على نصوصنا بلغة الآخر.

- فهد حسين: اجتهاد لم يتخلَّ عن عداوته للعبث.

- عبدالله السعداوي: كبير الرائين... الغريب مثل غرباء كثُر في أوطانهم.

- خليفة العريفي: هذا التجريب فيه الكثير من الحياة. فيه الكثير من استدعاء عوالم مدهشة عمل على تأسيسها خارج المكان وداخل المكان.

- البروفيسور إبراهيم غلوم: أثرى مثقفي منطقتنا بذلك الدأب الذي لا ينتهي.

- محمد عبدالله محمد: لن تجد كاتب عمود هنا بتلك القدرة على البحث وتعزيز الفكرة وتعميقها، سواه. ثمة من يقترب منه ولكن بشكل موسمي.

- خالد البسام: لغيابك تلك البحَّة التي تذكِّرنا بخطواتنا في الفجر.

- فريد رمضان: لن أكترث لو لم يرن جرس الباب. سأقلق لو لم أذهب إلى الفكرة.

- نبيل أبوزرقتين: لا أملك غير: شقيق الروح والحبر.

- عبدالله السبب: واحد من أنصع خلق الله الذين عرفتهم. نصه كذلك.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:44 ص

      كلماتنا هو ذلك الوجه الحقيقي لذواتنا
      لا ارى صداقة حقيقية سوى تلك الكلمات
      هي تلك التي تواسينا وتسبر غور اوراحنا

اقرأ ايضاً