غالبا ما اقول الحمد لله... للصحافة الاسرائيلية! ففي اي مكان آخر يمكن ان تجد ادانة شجاعة للتعامل الوحشي والفظ للجيش الاسرائيلي مع الفلسطينيين...
في اي مكان آخر يمكنك ان تقرأ أن رئيس الموظفين الجديد لشارون، نوشيه يالسون يصف «التعامل مع الفلسطينيين» بمثابة «سرطان»، أوليس هناك كل انواع الحلول للمظاهر السرطانية؟ويضيف: «في الوقت الحاضر، انا اطبق علاجا كيماويا» .
في أي مكان آخر يمكننا أن نقرأ ان رئيس حزب «حيروت» الاسرائيلي، ميشيل كلينر، قال «انه مقابل كل ضحية منا يجب ان يكون هناك 1000 قتيل فلسطيني».
في أي مكان آخر يمكننا أن نقرأ بأن قائد سلاح الجو الاسرائيلي السابق ايتان بن الياهو، قال انه: «اخيرا يتوجب علينا أن نقلل من عدد الاحياء الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق».
في أي مكان آخر نقرأ أن الرئيس الجديد للموساد، الجنرال مير داغان - الصديق الحميم لشارون - يؤمن بـ «وحدات التصفية»، وهو ما انبرى له رجل من رجال الموساد السابقين معتبرا اياه تهديدا لأنه «اذا طبّق دوغان اخلاقياته على الموساد، فإن اسرائيل يمكن ان تتحول إلى بلد لن يرغب في العيش فيه أي يهودي طبيعي»!.
وعليك أن تقرأ كل ذلك في «معاريف» و«هاآرتس» أو «يديعوت احرونوت» لأنه في غالبية العالم الغربي، تشن حملة شديدة لتشويه السمعة ضد اي صحافي أو ناشط يتجرأ على انتقاد السياسات الاسرائيلية أو من ينفذونها. وتشويه السمعة بـ «معاداة السامية» يستخدم الآن بتشوش متزايد ضد أي شخص، فتطال كل من يدين العمليات المزعجة الفلسطينية بمقدار ما يدين وحشية القتل الاسرائيلي المتكرر للاطفال، في محاولة لاخراس الألسنة.
دانيال بايبس ومارتن كرامر من منتدى الشرق الاوسط يديران الآن موقعا في الولايات المتحدة لادانة الاكاديميين الذين يعتقدون بأنهم يشعرون بـ «كراهية اسرائيل». واحد من الاساتذة الجامعيين الثمانية على هذه القائمة المكارثية تورط بذنب لا يغتفر بتوقيع عريضة لدعم المثقف الفلسطيني ادوارد سعيد. ويرغب بايبس ان يقوم الطلبة بالاخبار عن الاساتذة المذنبين بـ «معاداة السامية».
وتم استهداف جامعة نورث كارولينا لأن الطلبة الجدد مطلوب ان يقرأوا فصولا من القرآن.وفي هارفاد، وكما في الكثير من الجامعات الاميركية الاخرى، طالب الطلاب غير المتخرجين كلياتهم بعدم الاستثمار في الشركات التي تبيع السلاح لاسرائيل.
لورانس سومرس، رئيس هارفارد اليهودي، أدان «وجهات النظر المعادية لاسرائيل في الهيئات الثقافية المتقدمة».
ادوارد سعيد نفسه وصف ذلك كله بحملة «للطلب من الطلاب والهيئة التعليمية الابلاغ عن زملائهم المؤيدين للفلسطينيين، مما يقوض حق حرية التعبير والحرية الاكاديمية بصورة خطيرة». تيد هوندريتش، الفيلسوف الكندي المولد الذي يدرس في كلية لندن الجامعية اخبرني ان Oxfam رفضت قبول تبرعه بمبلغ 5 آلاف جنيه اضافة إلى مردود آخر من كتابه الجديد After the Teُْْْ الذي اعقب حملة ضده في تورنتو. والآن ربطت القضية مع بعض استنتاجات البروفيسور هوندريتش، واعتقد ان كتابه - الذي امتدحه الكاتب اليهودي الاميركي نعوم تشومسكي - ويواجه صعوبات. وانا خصوصا لا احب أن أجزم بأن الفلسطينيين، ، لهم «حق اخلاقي في القيام بالارهاب في محاولة التحرر من الاحتلال الاسرائيلي». ولكن ما يجري هو رفض ما تبرع به الكاتب للعمل الانساني. فمن يقف وراء ذلك؟ جون بيلجر اذاع برنامجا تلفزيونيا اسماه «فلسطين مازالت هي القضية»، وقد شاهدته ثلاث مرات. وهو برنامج دقيق من ناحية التفاصيل التاريخية. وفي الحقيقة ان مستشاره التاريخي كان اكاديميا اسرائيليا يساريا. ولكن رئيس المحطة التلفزيونية ميشيل جرين - في واحد من التصريحات الاكثر جبنا في تاريخ الصحافة البريطانية - أعلن ان هذه الدقة «مأساة» لإسرائيل، ولكن ماذا يقصد جرين بالمأساة؟ فهل هو يقارن بيلجر بالفلسطيني الذي يفجر نفسه؟ وقس على هذا المنوال.
يوري افنيري في اسرائيل يقول ان «حكومة شارون معمل ضخم لنمو فيروس معاداة السامية. وان الذين يدعمون الفلسطينيين معادون للسامية. ولكن يمكننا ان نشعر بالراحة من ان 28 اكاديميا شجاعا وقّعوا على عريضة تدين اعداد جورج بوش للحرب ودعم اسرائيل له. ويحذرون من ارتكاب الحكومة الاسرائيلية جرائم ضد الانسانية في حربها ضد الفلسطينيين بما فيها التطهير العرقي.
فهل وضع بايبس ورفاقه اسماء هؤلاء الرجال والنساء على قائمة حقدهم؟ ثق بعدم حدوث ذلك. لأن كل هؤلاء مثقفون اسرائيليون في الجامعات الاسرائيلية. واني لأعجب لماذا لم يقولوا لنا ذلك!
العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ