العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ

إدارة الأوقاف الجعفرية: الواقع والمرتجى

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

من يقترب ولو قليلاِ لقراءة الفقه الاسلامي يصل إلى قناعة مدى تحسس المشرع الاسلامي للقضايا التي تمس المجتمع وتقترب وتعتمد عليها حياة الناس.

«النفس والمال» من القضايا التي يركز عليها الاسلام كثيرا ويضع الكثير من الاجراءات الوقائية، والقيود الاحترازية حتى لا تصبح عرضة للاجتهادات التسطيحية أو النفعية التي قد تتخذ (الحيل الشرعية) طريقا للالتفاف، واسلوبا للقفز على الحكم الشرعي للحصول على المال او عبر استغلال النفوذ ونوم الرقابة، وغياب القانون. ويأتي ايضا في مصاف القضايا المعقدة والتي ركز عليها الشرع ودقق فيها فقهيا (الوقف) كي لا تصبح عرضة للاجتهاد الشخصي وللتغيرات المزاجية السريعة كما جاء في الموسوعات الفقهية (اللمعة الدمشقية) أو (فقه الجواهري) وغيرهما من الموسوعات.

هذا الحديث يقودني إلى مسألة هي في غاية الأهمية وهي مسألة (إدارة الاوقاف الجعفرية) وما لها من ايجابيات وما عليها من سلبيات وحتى اكون دقيقا في عملية اي وصف اقدم ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي ان ليس كلامي ضد رجالات الاوقاف سواء الذين تقلدوا مناصب فيها والآن اصبحوا خارجها أو العكس وانما كلامي عن السلبيات التي علقت بهذه الدائرة سنوات من دون ان تحل بطريقة موضوعية.

فدائرة الاوقاف الجعفرية - وان لم تعدم الايجابيات فهي تحتاج إلى اعادة تأهيل، واعادة هيكلة حتى تتناسب مع ايقاع الانفتاح، والشفافية التي يعيشها المشروع الاصلاحي.

فمن القضايا التي بدأ يتناولها المراقبون هي انعدام الرقابة على المال الشرعي، وكذلك غياب الشفافية عن طبيعة وعن مستوى كفاءة الجهاز الاداري في ظل هذه الدائرة فكما ان بعض وزاراتنا تشكو من ظاهرة سرطان البيروقراطية والفساد الاداري والمالي فكذلك هي هذه الدائرة ومنذ سنين وان كنت اعود فأقول: انا لا اضع جميع افراد الادارة سواء الادارات السابقة او الحالية في سلة واحدة.

فلا يعدم المتوازنون والعادلون في اي وزارة او ادارة ولكن كلامي اولا عن الحال بعيدا عن الاشخاص، وانا في موقع رصد الاداء الفاسد او الضعيف وان كانت الحالات والاداء هي انعكاس للأفعال.

وما يدفعنا إلى النقد هو حساسية الموقف باعتبار أن المال يتعلق بمساجد، ومآتم واموال فقراء وأيتام.

نحن بحاجة في ظل هذه المرحلة إلى وضع ضوابط قانونية، وشرعية لجميع اداراتنا ومؤسساتنا الشرعية او الوطنية والرسمية ايضا فكما ان الوزارات تحتاج إلى رقابة والى لجنة رقابة مالية وادارية تقوم برصد الفساد او التسيب او الشللية فكذلك هي إدارة الاوقاف مثلها مثل أي مؤسسة قابلة للتعرض لنهم واستغلال الانسان. من دون رقابة وضوابط يتعرض المال لأي سطو وهذه الضوابط هي لصالح اي وزارة او ادارة فيجب ألا نتحسس من مطالبتنا بهذه الضوابط القيدية والاحترازية والتي ستكون ايجابيات نقدها للجميع. مهما كانت درجة اخلاص رجال اي ادارة فانهم لا يستطيعون أن يضبطوا كل المشتغلين والموظفين والعاملين في مثل هذه المؤسسات مادام هناك نقص في عنصر الرقابة.

لهذا اجد أن إدارة الاوقاف الجعفرية بحاجة إلى عدة ملاحظات جديرة بالاهتمام كي يصل اداؤها إلى الموقع المتقدم، فيجب ان تتحلى:

1- برقابة شرعية محكمة غير قابلة لنفاد سرطان التحايل الشرعي. ويكون لها دور في معرفة طريقة صرف الاموال الشرعية، وفي اين تصرف وهل هناك دقة شرعية في بيع او تأجير او صرف كل ممتلكات الادارة؟

وما هو مقدار توافر الاحتراز القيدي والذمي والشرعي لاستخدام او بيع او تأجير متعلقات الوقف بما يصب دائما في صالح الوقف؟

فمن الامور التي باتت تقلق الشارع البحريني على هذه الادارة الجعفرية هو عدم وجود نظام اداري ومالي يحدد اوجه الصرف وكيفيته والصلاحيات الادارية، ومدى تطابقها للادارات الحديثة القائمة على الخطط والبرامج الادارية الراقية والتي عادة ما تعمل على استيعاب اي خطر شللي يبدأ بشل مفاصل الهيكل الاداري. فهل النظام الاداري والمالي في إدارة الاوقاف الجعفرية - اذا ما وجد - قائم على هيكلية حديثة؟

كما ان هذه المؤسسة بحاجة إلى كادر وظيفي مؤهل في بعض مواقعها حتى لا تصاب بالعجز والشللية والاخطاء التي قد تزيد من ضمور وعدم تفاعل المؤسسات الدينية في المجتمع معها. كل ذلك حتى تخرج المؤسسة بصورة مشرقة تتناسب مع طبيعة الايقاع المنفتح الذي يقوده عظمة الملك وحتى لا يعاود المجتمع فيستيقظ على قصيدة هجائية اخرى كما حدث في الماضي عندما قام احد المنشغلين بالدائرة بذلك وهو يهجو الفساد الذي اكل الادارة سابقا عندما قال:

لو ألقي الوقف مصلوحا برمته

في بطنه ما اكتفى يوما وما شبعا

كما ان المؤسسة بحاجة إلى خبراء اقتصاديين - ولا على الأقل خبير واحد - حتى لا تقع عقارات الوقف وغيرها من اراض وشقق عرضة لبيع الغبن والذي يكون عادة بسبب عدم معرفة دقيقة لمدى استحقاقات مثل هذه الأراضي والعقارات وغيرها ومدى مقدار قيمتها السوقية فقد تباع بأبخس الاثمان نتيجة اعتبارات خاصة أو لجهل للواقع الشرائي في السوق!! وكل ذلك يكون مردوده سلبيا على الدائرة. نحن هنا لسنا في مقام التشكيك في أحد بقدر ما نحاول ان نعطي بعض الملاحظات والتي ربما من خلالها نستطيع ازالة بعض السلبيات العالقة في ذاكرة المجتمع وهو يرى مثل هذه الاخطاء والتجاوزات في تكرر مستمر مما يسبب ضعفا في صديقتها.

سؤال نطرحه على هذه المؤسسة، لماذا لا تقوم باصدار بيانات مالية واضحة توضح من خلالها ايرادات الدائرة والاوقاف المتسلم منها والمستحق او غير المتسلم وكذلك يرفق به اسماء المستأجرين المتخلفين حتى نقطع الطريق على كل من يقول ان هناك اراضي وايجارات تستأجر لسنة كاملة بـ 50 دينارا وان هناك شققا اجرت على تجار ورجال اعمال بمبالغ زهيدة لا تكاد تسد ضريبة البلدية او ان هناك حصصا توزع بطريقة من الطرق، او ان هناك محسوبيات في كثير من القضايا، فحتى نقطع على مثل هذه الاقاويل الطريق يجب ان تقوم المؤسسة بطرح كشف حسابي رقمي دقيق عن مقدار ايرادات ومدفوعات الموازنة السنوية للمؤسسة. وليس ذلك تشكيكا وانما هو اسلوب اداري موضوعي علمي تقوم عليه اكثر الشركات واكبرها صدقية. وان ما يدفعني إلى كل هذه المصارحة هو معرفتي الدقيقة بالناس في المجتمع التي تعتزم فتح مثل هذه الملفات وعبر وسائل مختلفة وخصوصا انها ترى ان مستوى الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسة من حيث التنظيم الاداري والمالي والعرفي والعام لا يكاد يقاس بمثيلتها من المؤسسات الاخرى. فإنه لا توجد ادنى مقارنة بين الاوقاف الجعفرية وغيرها من المؤسسات الوقفية في البلد لا من حيث الرقابة، ولا الهيكلية ولا المصروفات.

المجتمع البحريني وفي ظل مشروع الاصلاح راح يتابع ويسأل عن طبيعة الروائح البيروقراطية التي بدأت تنتشر ويبحث عن مدى صدقيتها وقد يعتبر البعض ان طرح وفتح مثل هذا الملف يسبب حساسية بيد أني أرى ان اية مؤسسة او وزارة يجب ألا تكون خارجة عن النقد والمساءلات النقدية القائمة على المعرفة والاداء العلمي الرزين وخصوصا ان ما نطرحه في هذا الملف بالذات هو ما يعيشه الشارع البحريني فلو قامت اي مؤسسة باستبيان على قرى ومدن البحرين لوجد مقدار التساؤلات العالقة وحجم الرغبة الكبيرة في اعادة صوغ هذه الدائرة التي نقدر لها مجهوداتها الايجابية في خدمة المجتمع ولكن ذلك لا يمنعنا من مواصلة المساءلة وطلب الاسلوب والمنهج الحديث والرقابي عليها شأنها شأن اي وزارة حكومية مرت خلال الـ 25 عاما من دون ادنى رقابة، او مساءلة ولو باشارة في صحيفة او اعلام مهما كانت نظافة كف او نزاهة بعض رموز هذه الوزارات والمؤسسات والادارات. لأنه ليس من الانصاف او الموضوعية ان نضع الجميع في سلة وخانة الاتهام وهذا ما تقتضيه المسئولية العلمية ومنطق نزاهة النقد والرصد والمساءلة ولكن كل ذلك لا يمنعنا من طلب المزيد من الشفافية او طلب كشوفات للموازنة العامة للدائرة فقد اقتضى العرف الديمقراطي للوزارات الديمقراطية في العالم أن تخرج في نهاية كل عام مقدار المصروفات التي تمت في قطاعها بعد اعلانها حجم الموازنة التي رصدت للوزارة او المؤسسة او الشركة.

هذا المفهوم يدعونا إلى مسألة مهمة وهي ضرورة وجود مدقق حسابي لكل ادارة مع حتمية انشاء نظام محاسبي يتماشى مع معايير المحاسبة الدولية مع ضرورة وجود نظام اداري ومالي يتم صوغه بواسطة مؤسسة رقابية مستقلة أولا على الاقل وجود لجنة رقابة فرعية منبثقة من قبل لجنة الرقابة المالية والادارية وان كانت هي في طريقها للانتهاء تقوم بعدة مهمات رقابية وتقدم اكثر من توصية في ذلك من قبيل:

1- عدم الموافقة على بيع اي عقار أو ارض للاوقاف الا بعد القيام بدراسة جدوى ذلك وفق آليات قائمة على الشفافية.

2- القيام بدراسة تفصيلية لكل مصاريف الدائرة والاوقاف والنظر في امكان الغاء أو تقليل بعضها.

3- القيام بدراسة تفصيلية لكل ايرادات الدائرة والاوقاف. وسؤال علمي بدأ يراود الكثيرين من المجتمع لماذا لا تعمد الاوقاف ووفق المظلة الشرعية إلى انشاء مشاريع خيرية تستهدف من خلالها تأهيل المواطن المستحق من انشاء مشاريع علمية او اقتصادية قوية ومتينة. فبعض الدوائر الوقفية في بعض دولنا الخليجية تساهم بدور فعال في تأهيل الفقراء علميا بابتعاثهم إلى الجامعات واقتصاديا باعطائهم جزءا من المال كرأس مال للاستثمار على ان يقوم بسداده وغير ذلك من آليات من اجل استغلال مثل هذه الاموال وكل ذلك لا يتم وفق الاستمزاج الشخصي او الاجتهاد السطحي وانما يكون وفق مظلة شرعية واجازات فقهية محكمة قادرة على تشخيص الواقع.

فقد تم بفضل الخمس والزكاة واموال الوقف بناء مستشفيات ومعاهد وجامعات وحوزات وكل ذلك تحت غطاء شرعي ووفق آليات علمية يراعى فيها الموقف الشرعي والقانوني في كل ذلك وخصوصا اذا علمنا ان حجم الموازنة لمثل هذه الدوائر تزيد على الملايين.

فكما قلنا في السابق كما ان الناس يحملون طموحا إلى ان يكون التشكيل الوزاري الجديد بحجم طموح مشروع الاصلاح يتمنون ان تكون مثل هذه الدوائر الوقفية بحجم هذا الطموح مع تقديرنا لكل رجالاتها السابقين والحاليين - وهذا املنا وتطلعنا وطموحنا - كمراقبين - ان تتم اعادة هيكلة مثل هذه الدائرة بما يتناسب مع نبض الشارع وطموح الناس وان تكون الادارات الجديدة تتماشى مع ايقاع وطموح المجتمع البحريني وايقاع وطموح مشروع الاصلاح مع الاحترام الكامل لكل من ساهم اداريا أو اشرافيا في دفع الشفافية إلى مثل هذه الادارة سابقا وحاليا

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 46 - الإثنين 21 أكتوبر 2002م الموافق 14 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً