على رغم أنني لم أتعافَ تماماً من نزلة برد وسعال شديدة أصبت بها حديثاً، إلا أنني لم أقاوم إغراء وجود الكاتب مصري المولد، فرنسي الجنسية، جلبرت سينويه، الذي استضافه مركز الشيخ إبراهيم لإلقاء محاضرة بعنوان «انهيار العالم العربي». تمنّى إعلان المركز على الضيوف الحضور مبكراً لضمان الحصول على مقاعد، إلا أنه عندما اكتمل الحضور لم يملؤوا نصف القاعة.
لم يقل المحاضر -المصري المولد والنشأة والفرنسي الجنسية الذي اعتذر لجمهوره عن التحدث باللغة العربية التي أسماها لغته الأم، بالإشارة إلى أنه وإن كان ذهنه قد أصبح فرنسياً فإن قلبه يبقى عربياً- شيئاً جديداً في محاضرته، فقد كانت مزيجاً من التماس العذر للشرق والعرب لما يجري فيه ولما يبدر منه، معدداً المؤامرات التي كانت تحاك ضدهم من قبل الغرب الذي قام بتقسيم أراضيهم، وتوزيعها فيما بين دوله ونهب دولة فلسطين، ثم ذكّر بالإرث العلمي العظيم الذي خلفه علماء العرب، كعالم الرياضيات الخوارزمي، وعالم الاجتماع ابن خلدون وعالم الجغرافيا الإدريسي إضافة إلى ابن سينا الفارسي ذي الثقافة العربية، التي ظلت أعماله وكتاباته حتى القرن الرابع عشر هي الوحيدة المتاحة لتعليم كليات العلوم الطبية في أوروبا.
ليس موضوع المحاضرة هو الأمر الذي لفتني، على رغم أهميتها في فتح باب للنقاش، وإنما هذا العزوف الذي تشهده هذه المحاضرة وغيرها من الفعاليات الثقافية سواء تلك التي تقيمها هيئة الثقافة، أو تلك التي يقيمها مركز الشيخ إبراهيم والمشاريع الثقافية التابعة له والتي تكون الدعوة، غالباً، لها عامة.
في العام الماضي استضاف المركز نفسه الكاتب التونسي شكري المبخوت. وعلى رغم أن استضافته جاءت بعد فترة قصيرة من فوز روايته «الطلياني» بجائزة البوكر العربية، إلا أن الحضور لأمسيته أيضاً متواضع كما هو لمعظم الفعاليات الثقافية، وغير ممثل للشريحة العريضة من المثقفين، ولا يوحي بالإقبال الكبير على إصدار الكتب والاهتمام بالقراءة الذي يشهد عليه ازدحام معارض الكتاب، والفعاليات الكثيرة المتنوعة التي تقيمها المراكز والأندية، ومجموعات الثقافة والقراءة التي تعج بها الساحة الثقافية.
وبحسب مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي، بلغ معدل المؤلفات البحرينية 100 عنوان سنوياً في الفترة ما بين 2010 و2014 تتنوع ما بين المؤلفات الأدبية والتاريخية والتراجم، معتبراً أن هذا المعدل يجعل البحرين - قياساً بعدد السكان - في صدارة الدول العربية. وظل هذا المعدل يتراوح عند هذا المستوى خلال العامين التاليين، وأضيف إليه مشروع سلسلة الكتب المترجمة تقوم عليها هيئة البحرين للثقافة والآثار، تحت عنوان «نقل المعارف»، ويشرف عليها المفكر التونسي الطاهر لبيب، حيث سيجري إصدار نحو 50 كتاباً مترجماً صدر منها كتابان حتى الآن.
اللافت أيضاً أن الوجوه التي تحضر الفعاليات هي نفسها لا تتغير، وغالباً ما يخلو الحضور من الوجوه المعروفة في المجال الثقافي، ومن العناصر الشبابية، ومن طلاب الجامعات وهو الجيل الذي يعوّل عليه أن يجسر المسافة بينه وبين الجيل الأكبر، في الاهتمام بالقضايا التي يتم تناولها خلال هذه الفعاليات، وخصوصاً مع مرور أكثر من ثماني سنوات على تأسيس مشروع «تاء الشباب» الذي التحق به الكثير من الشباب البحريني، في مختلف المجالات الثقافية والفنية من قراءة، وعمارة، وإنتاج أدبيّ، وفنّ تشكيليّ وفنون بصريّة وأدائيّة، وموسيقى، وسينما وغيرها.
إذن فظاهرة ضآلة الحضور للفعاليات من قبل الفئات المتوقع حضورها لمثل هذه الفعاليات، هي ظاهرة غير صحية، وتستحق التوقف عندها والبحث في أسبابها: إن كانت هذه الظاهرة بسبب عدم الترويج الفعال للفعاليات والإعلان عن إقامتها، أم أنها ناتجة عن اختيارات غير مناسبة لعناوين هذه الفعليات. وعما إذا كان هذا العزوف عشوائيّاً ناتجاً عن عدم اهتمام أو عدم وعي لأهمية هذه الأنشطة الثقافية، أم أنه مقاطعة مقصودة!
وفي هذا الشأن بيّنت ورقة بشأن المشهد الثقافي في مملكة البحرين بعنوان «التحليق في سماوات شحيحة، مرامي هيئة البحرين للثقافة والآثار الصورة وانعكاساتها في الداخل والخارج» قدمها الكاتب الصحافي غسان الشهابي لمنتدى الفكر العربي الذي عقد الشهر الماضي، وبحسب شهادات مثقفين محليين أنهم يشعرون بالتهميش مدللين على «مشاركة 14 فعالية بحرينية فقط في مهرجان ربيع الثقافة الأخير للعام الماضي 2016، من بين 51 فعالية بمشاركة خارجية، ومشيرين إلى أن السخاء في الإنفاق على كل ما هو ليس بحرينياً (من وجهة نظر الشهود)، لا يجعل المبدع البحريني يشعر بثقل تأثيره في بلده».
ومهما كانت الأسباب، فإن الوصول لأسباب هذا الوضع، نضع اليد على موضع الخلل الذي لابد من إصلاحه، ليحقق الاستثمار في فعاليات الشأن الثقافي مردوده في الأوساط الثقافية. وليكشف للزائرين عمق وعراقة الإنجاز والإبداع الثقافي المحلي، ويضع المبدعين البحرينيين في مقدمة الحضور لأندادهم القادمين من الخارج. كما على هيئة الثقافة والمؤسسات الثقافية أن تمد جسورها للشباب سواء في الجامعات أو في الأندية الثقافية المتعددة لتشركهم في فعالياتها، وتثري الفعاليات بحضورهم ومشاركاتهم وتسهم في تنميتهم.
عن أهمية الثقافة اختتم سينيويه محاضرته بالقول: «خلافاً للثروة والغنى المادي، فإن الثقافة لا تتوارث بل تغتنم، وإنها ليست ترفاً بل ضرورة، وإن الثقافة والمعرفة والتعليم ونوعية المعلم هي أسلحة الدمار الشامل الحقيقية، وهي على الأقل لا تتسبب بوفاة الآلاف من الناس الأبرياء». وقال أيضاً: «من السهل أن نهيمن على الأشخاص غير المثقفين ونؤثر ونتلاعب فيهم، يمكن أن ندخل في دماغ هؤلاء وننشر العبث ونحوله لقاتل؛ ولكن المهمة تصبح أكثر صعوبة عندما نخاطب رجلا مثقفاً وقادراً على التكهن والتفكير والتحليل والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات في أفعاله».
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5240 - الثلثاء 10 يناير 2017م الموافق 12 ربيع الثاني 1438هـ
أنا لا أذهب لهذا النوع من المحاضرات في هذه الاماكن التي اشرت إليه لأنّ القائمين عليها غير صادقين .. ممارستهم اليومية لا علاقة لها بعمل الثقافة في النفس البشرية! لم تهذبهم ولم تقربهم من الإنسان العادي حتى أن بعضهم لا يفهمون معنى: الشارع!! الثقافة التي لا تغيّر الشارع ترف ومضيعة وقت!! اذا قرروا يوما احترام الانسان سوف اذهب ولن اتخلى عن اي فعالية.. احترام الانسان فقط في هذه البلاد الصغيرة .. مشروع الترجمة صاير دكان لجماعة اللبيب صدر منه أكثر من ٦ كتب حتى الآن كل ٣ كتب ترجمة شخص واحد!!! دكان!!
لقد ذكرت الكاتبة المحترمه السبب في ثتايا مقالتها ،، المجتمع البحريني يشعر بالدونية وتنقيص في مكانته ، لا يتم تشجيعه محاصر بعبأ الخياة ليس له حرية حركه المراقبة فوق رأسه قتلته وقتلت فيه الابداع بل فضل الكثير الكثير الابتعاد رالاختفاء القسري والابتعاد عن الاعلام وصخبه وخصوصا في ظل الدوله ففيها متسلقين كثر همهم جر النار لخبزهم فقتلوا ابداع الجميع .
أصبتي الهدف استاذة..
أكتفي بهذا التعليق، أصبتي برصاصتك المتمثلة بالمقال صدر الوطن المتمثل بالساحة الثقافية أو الرسالة الثقافية..
شكراً
يحتاج إعلام قوي و إعلانات في كل مكان
للاسف فان المثقف البحريني او من يدعي الثقافة لا يريد الانفتاح على الاخر و يعزف عن حضور الامسيات الثقافية لكبار الكتاب ..... و الواقع هو يريد "انا و ليس غيري" ....و المفارقة حتى لوكانت المحاضر بحريني فالحضور كما هو
و العتب ليس على هيئة الثقافة او المؤسسات الثقافية الاخري و انما على العازف عن حضور تلك الامسيات .. كذلك عدم التنسيق للفعاليات الثقافية و القائمين عليها بحيث يكون اكثر من امسية في كذا مكان. نعيب زماننا و العيب فينا .
رد غريب وتعليق لا يمت بصلة للموضوع!!
الكاتبة لم تدعُ لحفلة تنكرية او مهرجان راقص بل لندوات ولقاءات تثقيفية توعوية ، وليست جلسات قيل وقال .. وهل كانت الثقافة والعلم و التوعية ضد القرآن والمسجد .. يا أخي افتح عقلك واخرج من الصندوق.. ما لكم كيف تحكمون!
الاغلبيه الشبابيه تحصلينهم في المساجد يقرأون القرآن ويصلون ويذكرون الله ، بدل تضيع الوقت في القيل والقال
السبب بسيط. الفضائيات وما تزخر به من محاضرات واليوتيوب وما حوى من متحدثين، جعل من السهل مناقشة أي شيء وكل شيء في مستقر بيتك دون الحاجة للخروج والتدافع مع الناس على مواقف السيارات او كراسي الجلوس.