من أفضل ما تحقق بعد الانفتاح السياسي في البحرين هو البدء بعودة رؤوس الأموال الاستثمارية. فلقد كانت البحرين وحتى الثمانينات في مقدمة الدول الخليجية التي تعتبرها الشركات الكبرى والبنوك ورؤوس الأموال محطة مهمة في المنطقة. ثم تصاعدت الحوادث السياسية بسبب القمع الذي ازداد في التسعينات وأدى ذلك إلى إعراض البعض عن اعتبار البحرين مركزا رئيسيا للاستثمار في المنطقة. ولكن سرعان ما بدأت هذه الاستثمارات بالعودة إلى البحرين. وهكذا اختيرت البحرين مركزا لسوق المال الإسلامي وبدأت المشاريع تتحرك، ونشط قطاع الإنشاءات الذي سجل أعلى نسبة نمو تفوق 11، بينما سجل نمو الاقتصاد عموما أكثر من 5.
هذه المؤشرات إن دلّت على شيء فإنما تدّل على أن الانفتاح السياسي، وعلى رغم ما يصاحبه من اختلاف للرأي على القضايا العامة، يجلب رؤوس الأموال ولا يشردها. والانفتاح في البحرين يتميز بشعور جميع الأطراف بمسئوليتهم للحفاظ عليه. فعلى العكس من فترتي الثمانينات والتسعينات عندما كانت الأوضاع سيئة، وكان رجال الأمن في كل مكان، فإنك لا ترى هذه المظاهر في البحرين هذه الأيام. بل كل ما تراه هو شعور الجميع بحريتهم في الاجتماع مع بعضهم الآخر، وحريتهم في التحدث في شتى الأمور السياسية وغير السياسية. هذا الانفتاح يلاحظه زائرو البحرين الذين بدأوا المجيء إلى البلاد بكثافة لنقل مشاهداتهم الصحافية عن الأجواء التي تسبق الانتخابات النيابية. وبحسب تعبير أحد السياسيين الذين التقتهم «الوسط»، أشار إلى أنه يزور البحرين مرة كل سنتين أو ثلاث منذ الثمانينات، ولكنه لم يشاهد مثل هذا التحول الفجائي. فبإمكانه الاستماع إلى رأي المقاطعين والمشاركين، وبإمكانه ركوب سيارة الأجرة وطلب التوجه إلى أية منطقة من مناطق البحرين لحضور المنتديات والحوارات التي يدلي فيها الجميع برأيه وبصراحة لا تتوافر في مناطق كثيرة من عالمنا العربي. والمستثمر الأجنبي يشعر بالأمان عندما يعلم أن المواطن يأمن على نفسه. بينما في السابق لا يشعر الأجنبي بالأمان، لأن المواطن نفسه لا يشعر به، وفاقد الشيء لا يعطيه.
إن شعورنا بالمسئولية تجاه اقتصاد بلادنا يعني الاستمرار في الاعتدال في طرح الرأي والرأي الآخر، واستخدام أفضل الأساليب لإيصال الآراء المعارضة أو المؤيدة. فلدينا الآن الصحافة التي بدأت تنفتح على المجتمع لنقل همومه والمساعدة في حل مشكلاته. وهذا الانفتاح هو الذي ساهم بشكل كبير في احتواء كثير من المشكلات ومنع تفاقمها. وهذا هو الدور المتوقع من الصحافة في جميع البلدان المتقدمة.
وهناك الآن حديث عن قرب صدور قانون ينظم الإعلام والصحافة، والأمل يحدونا بألا يتم خنق حرية الكلمة التي انطلقت خلال الفترة التي أعقبت التصديق على الميثاق. فلقد كان مفتاح نجاحنا على المستوى الاقتصادي هو الانفتاح السياسي، والإبقاء على هذا الانفتاح مسئوليتنا جميعا لكي تنعم البحرين بتطور اقتصادي وتنمية مستدامة. لقد أثبتت التجارب العالمية أن تقدم المجتمعات على الأصعدة كافة، ورخاءها الاقتصادي مربوطان بحرية الإنسان، تلك الحرية التي تؤهله للإبداع المستمر، وذلك الإبداع هو المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 43 - الجمعة 18 أكتوبر 2002م الموافق 11 شعبان 1423هـ