العدد 43 - الجمعة 18 أكتوبر 2002م الموافق 11 شعبان 1423هـ

تعثر السلام و11 سبتمبر من أسباب التحالف بين المؤسسات العربية

جمال المذيعات لا يكفي في الفضائيات

لا شك في ان الفضائيات اللبنانية تمكنت وبعد وقت قليل من مباشرتها البث قبل نحو سبع سنوات من حجز مكان لها بين مشاهدي الفضائيات العربية، فتبوأت المراتب الاولى في عدد المشاهدين وتمكنت من المنافسة في سوق الاعلانات الفضائية منتزعة حصص الفضائيات الوطنية الرتيبة. ولكن يبدو ان هذا الصعود السريع اعقبه هبوط بطيء كانت ذروته هذه السنة، اذ تقول المعلومات ان فضائيات الـ «ال بي سي» و«المستقبل»، لم تحققا نتائج مالية مشابهة لتلك التي حققتاها في السنوات الفائتة، ويعيد خبراء الاعلان والاعلام اسباب هذا التراجع إلى الكثير من العوامل التي سنحاول عرضها هنا. ولكن وقبل هذا يجب اولا عرض تجربة النجاح التي واكبت انطلاقة هذه الفضائيات.

لقد باشرت الفضائيتان اللبنانيتان الـ «ال بي سي» و«المستقبل» بثهما في وقت كانت المنطقة العربية في خضم تسوية سلمية للقضية الفلسطينية صاحبها نزوع ليبرالي استهلاكي ظهر على شكل فئات اجتماعية مبدلة اوضاعها ولاهثة وراء انماط عيش تحاول المواءمة بين سلوكيات استهلاكية مستوردة وخصائص محلية. مثلت المحطتان احدى صور العالم الجديد هذا. المنطقة سائرة وراء سلام مضطرب والمجتمعات في لحظة تبديل القشرة الخارجية من جلدها.

جاءت برامج «المستقبل» والـ «ال بي سي» لترد على طلب مجتمعات هذه اوضاعها. كانت سمة المرحلة لا سياسيتها، تم التعويض عن غياب السياسة ببرامج المنوعات والفنون الخفيفة. المجتمعات التي وصلها هذا البث اللبناني كانت على ما يبدو مهيأة لاستقباله. دول الخليج العربية كانت خارجة لتوها من حرب الخليج الثانية، كان الحدث السياسي السمج الذي ارخى بثقله على صدور سكان الخليج والمتمثل في غزو العراق للكويت قد ابعد السياسة عن قلوب الخليجيين. ولبنان بدوره كان قد خرج حديثا من حربه الداخلية مع ما يرافق الخروج من قوة دفع اولى لا تعكس القدرات الحقيقية بقدر ما تعكس حماسة بداية الانطلاقة. وكان ايضا في امعان المشاهدين العرب في الاقبال على متابعة الشاشتين اللبنانيتين شيء من الاحتفال ببداية التئام الجروح اللبنانية.

لكن لا شك وقبل هذا كله، ان شغف المشاهدين العرب في الفضائيات اللبنانية قد كشف ازمات تعيشها الكثير من المجتمعات المتلقية للصورة اللبنانية، كما كشف قدرة لدى اللبنانيين على استمالة المشاهدين لم يسبقهم إليها الكثير من اخوانهم العرب على رغم ما عاشوه من ازمات ومحن. ثم ان تراجع هذه المحطات لا يعني انكفاء المشاهدين عن متابعتها، ولكن يبدو أن المادة الاعلامية التي يمكن تسويقها في مجال الاعلان ليست هي نفسها تماما تلك التي تستقطب عددا معينا من المشاهدين، اذ يبدو ان المعلن يتطلب مزيدا من الصعود حتى يقتنع بجدوى الاعلان في المحطة، ويبدو ايضا ان الفضائيات اللبنانية أشبعت حاجته إلى المادة الترفيهية ولكنها خذلته في المادة السياسية، وهذه الاخيرة صار لها في السنوات الاخيرة وبعد 11 سبتمبر/ ايلول جمهورها الواسع.

لقد تمثل النجاح في سنوات البث الاولى في تلك العائدات الاعلانية التي حققتها المحطتان واتاحت لهما تعزيز ميلهما إلى البرامج الترفيهية عبر شبكة من المذيعات اللواتي تحولن إلى نجمات تلفزيونيات في اوقات قياسية. ويبدو ان هذا النجاح لم يدفع المحطتين إلى محاولة التدخل في أذواق المشاهدين بل انقادتا وراء اهواء هؤلاء سعيا في طلب المزيد من الاعلانات، فأوقع ذلك المحطتين لاحقا في فخ التحول السريع للمشاهدين نحو انواع اخرى من البرامج والاهتمامات.

من المرجح ان تعثر عملية السلام شكل مقدمة لبداية تراجع النجاح اللبناني في مجال البث الفضائي، اذ عادت السياسة من بوابة العنف لتستولي على اهتمام المتابع العربي، ترافق ذلك مع فشل المقدمات النظرية لمجتمعات الاستهلاك ولأنماطه، تلك التي راحت الفضائيات اللبنانية تروج لها. وتمثل هذا الفشل في اخفاق تجارب اقتصادية كانت بدأت صعودها في النصف الاول من السبعينات، وربما يشكل رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري نموذجا عن صعودها وعن اخفاقها لاحقا في نهاية النصف الثاني من التسعينات.

اذا عاد الخبر السياسي ليطغى على هموم المشاهد العربي، وجاءت حوادث 11 سبتمبر وما اعقبها من حروب ووقائع لتدفع هذه الحقيقة إلى ذروتها. وهنا وقفت المحطتان اللبنانيتان شبه عاجزتين امام هذه الحقيقة، وامام ذلك الصعود المدوي للمحطات الاخبارية، وجدت التلفزيونات اللبنانية نفسها امام معضلة استغراقها في الاداء الترفيهي، وغير مهيأة بشريا وتقنيا لتلبية اذواق جمهور تحولت اهتماماته بسرعة. اعقب ذلك وبسرعة ايضا احجام الكثير من المعلنين وخصوصا في منطقة الخليج عن طلب الاعلان في هذه الوسائل، وترافق ذلك مع الازمة الاقتصادية وانكماش الاسواق الذي احدثته حوادث سبتمبر وما اعقبها. ثم ان الطلب المتعاظم على المادة السياسية جاء وفق شروط صعبت على المحطات اللبنانية امكان الخوض فيها. فالمادة السياسية المطلوبة، تتمثل في قضايا تتجاوز مجتمعات بعينها لتشمل قضايا عابرة للدول والمجتمعات، انها قضايا الاسلاميين واحزابهم وشبكاتهم التي يتطلب الخوض فيها معرفة من نوع آخر، وهي ايضا القضية الفلسطينية بما هي قضية يتعدى الاهتمام فيها تصليت الاضواء على الوقائع التي تجري في الضفة الغربية. والمحطات اللبنانية وخصوصا «ال بي سي» بعيدة عن استيعاب قضايا متشابكة إلى هذا الحد، وهي بالمعنى السياسي مفرطة في محليتها وفي لبنانيتها، وإن يتحول الحدث إلى امر يتجاوز حدود الازمات الداخلية فإن عقل المؤسسة بوضعه الراهن لن يتمكن من مواكبة هذا التغير. ويبدو ان ادارتي الفضائيتين ادركتا باكرا المعضلة التي تواجهانها وبدأتا بالتفكير في كيفية تجاوزها، ولكن تكوين المحطتين لا يتيح امكان مواكبة ميول المشاهدين المستجدة. فالبرامج الترفيهية بضاعة لبنانية تمكنت هذه الفضائيات من تسويقها، أما المادة الاعلامية المطلوبة اليوم، فهي مادة معقدة التركيب ولن تتمكن محطات محلية من انتاجها بكفاءات محلية. الامر يتطلب معرفة مجتمعات اخرى معرفة حقيقية، وطرح قضايا بعيدة عن وجدان المؤسسة الاول، ولن يكون كافيا ابدا الاتيان بمذيعة جميلة لتخاطب جمهور مستلب.

ولمعرفة هذه المجتمعات والدول وللاحتكاك بسياساتها ادركت الفضائيات اللبنانية ان ذلك لن يتم إلا باشراك مؤسسات اخرى تتجاوز هويتها محلية المحطات اللبنانية، فانخرطت محطة «المستقبل» في عملية تفاوض عسيرة للتعاون مع محطة «أم بي سي» يبدو انها لم تثمر إلى الآن اتفاقا، فتارة ترشح اخبار عن ان الاتفاق بين المحطتين قيد الانجاز وهو يشمل البرامج السياسية والاخبار، وتارة اخرى تصل اخبار عن تعثر هذا الاتفاق. اما محطة «ال بي سي» فقد أبرمت اتفاقا مع صحيفة «الحياة» يقضي بأن تشرف هذه الاخيرة على نشرة اخبارها الفضائية وعلى برامجها السياسية، على ان يتولى مراسلو «الحياة» تزويد المحطة بالرسائل والاخبار. المشكلة ان الفضائيات اللبنانية بدأت بثها فضائيا تحت وطأة ضيق السوق الاعلانية اللبنانية التي لا تتجاوز قيمتها المئة مليون دولار، وهو مبلغ تنافست عليه حوالي سبع محطات تلفزيونية ونحو عشر صحف محلية وعشر اذاعات وعدد آخر من المجلات الاسبوعية، وهذا المبلغ لا يكفي لربع هذا العدد من وسائل الاعلام. اما في الفضاء او البث الفضائي فقد عادت المشكلة نفسها لتواجه الفضائيات اللبنانية والعربية عموما. فقيمة السوق الاعلانية الفضائية العربية لا تتعدى المئة والخمسين مليون دولار، وهذا المبلغ طبعا تتنافس عليه عشرات الفضائيات الخاصة والرسمية، وكانت حصة الفضائيات اللبنانية منه كبيرة، ولكن نهوض فضائيات اخرى وتوسعها ضيّق على الفضائيات اللبنانية طموحاتها وخفض عائداتها وأشعرها بضرورة القيام بخطوات جديدة لحجز موقع لها في الموازنات الاعلانية للشركات. فكانت خطوات التعاون مع مؤسسات اعلامية عربية خبرت الاسواق، لا سيما السوق السعودية التي تشكل الجزء الأكبر من قيمة السوق الاعلانية العربية

العدد 43 - الجمعة 18 أكتوبر 2002م الموافق 11 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً