كنا نتحدث عن الصحافة والكتابة، ووجدت صديقتي الكاتبة الغربية تنتقد بلادنا العربية، وفي قلبها حسرة قائلة إن هناك فرقاً كبيراً جداً في مجتمعاتنا، وفيما يُكتب في صحفنا المحلية وصحفكم! وإن سقف الحرية لدينا عالٍ جداً، بإمكانه أن يتحدى الكثير وإظهار العيوب فيما يدور حولنا، أما عندكم فأنتم محرومون من الكتابة بالجرأة والحُرية التي تمكنكم من البث في شئونكم المحلية خاصةً، ودول الجوار عامةً، ولذلك يهاجر الكثيرون من أبنائها ويُبدعون في شئون الكتابة، وأشياء أخرى، فالحرية هي الأساس في كل الإبداعات للبشرية.
واسترسلت قائلة: أنتم ممنوعون ومحجوبون عن الانتقاد بصراحة للأوضاع السياسية أو الاقتصادية وحتى الاجتماعية الحساسة، أما برامجكم التلفزيونية والإعلامية عموماً فهي تُعطي انطباعاً مختلفاً عما يدور في البلاد، فهي تُحلل الأوضاع بصورةٍ نمطية وترسم الصور الوردية، وتتغاضى عن سوء الأوضاع، وإنها دائماً في قمة التقدم والازدهار. وإن نسبة البطالة ضئيلة جداً، وإن مستوى الدخل للفرد مرتفع، وإننا من أكفأ البلدان، وأشعر أيضاً أن الكاتب يبدو محدود الإمكانات في التعبير عن أفكاره، وغير مسموح له من الشعور بالمسئولية الكتابة للرفع من مستوى الأداء فيما يراه، وإجباره أن ينقل الأخبار العامة كالمُذيع، ويحاول أن يكون لديه بُعدٌ يتماشى تماماً مع الأوضاع السائدة وتقبلها وهضمها، وأن يكون رقيقاً في نقده (وأن يمشي جنب الحائط) فيما يقول؛ لأن هنالك عرفاً خفياً بأن على الكاتب في عالمنا العربي الابتعاد عن الخوض في المجالات التي تخص الدولة أو سياساتها من انتقاد الأنظمة أو عن محاسبة المسئولين عن أدائهم أو ثرواتهم التي تزدهر بعد الوظائف الحساسة، وإلا سيدخل في قفص المساءلة والاتهام.
وقد تتمكنون من الاحتجاج عن إزالة الدعم عن المواد الغذائية أو زيادة الأسعار أو البنزين أو عن ارتفاع الأسعار المفاجئ أو عن الغرامات أو الضرائب المخفية والتي تظهر فجأة كضرائب المطار والطرق السريعة وارتفاعها مثلاً من الصفر إلى السبعة دنانير! وعن تضاعف أسعار جلب العمالة المنزلية إلى ما يزيد الخمسة أضعاف، ولكم انتقاد عدم وجود جبهة مثل حماية المستهلك لحماية حقوقكم وخمولها، وعدم التزامها بحماية الناس ومع ذلك فهي باقية، كما لكم التعبير عما لا يعجبكم بخصوص أيٍ من الأحكام أو القرارات التي تصدر كل يوم في الدول العربية من تغيير الوزارات أو منع بعض البرامج التي تجاوزت حدودها في المناقشات السياسية أو غيرها، وانتقاد إهمال الشواطئ في البلاد ووساختها في كل ما يحيط بقُرى البلاد أو لعدم وجود شواطئ للتنزه للشعب، ومقارنتها بدول الجوار ذات الشواطئ الرائعة والمُصنفة عالمياً، أو عن الغرامات المرورية، والتي على رغم أهميتها للردع؛ ولكن بشرط أن تتناسب مع حجم المخالفات، وألا تقفز فجأةً إلى الخمسين ديناراً. ومن حقكم أيضاً الاحتجاج على القطع من الراتب حينما يتعطل في الشارع بسبب الازدحام الشديد أو لغلقه من المرور، وعن المصادرة والتخلص من الكلاب والقطط الضالة والمزعجة بضجيجها، والتي ملأت شوارعكم وباتت تأكل مواشيكم وتعض أبناءكم.
المهم وبعد كل تلك التعليقات، وجدتني صديقتي في حيرة من أمري، مع شعوري ببعض التوافق والحسد مما قالته عن الحرية التي وصلوا إليها، وأعرف أن تلك الحرية لم تأتِ على صحنٍ من ذهب، وإنهم خاضوا الكثير من التضحيات في سبيلها.
وبعد برهة من النقاش اختتمت كلامها قائلة: على رغم ادعائكم أن لديكم ديمقراطية؛ ولكنكم بصراحة أنتم مساكين وحالكم صعب، ويحتاج إلى الكثير جداً لعلاجه، ولكن يبدو أنه لا يوجد هنالك من المسئولين من يهمه قراءة ما يُكتب، أو المساهمة في الرد على الانتقادات أو تحسين الأوضاع والإهمال، لذا سيبقى كل ما تقولونه حبراً على ورق.
وأضافت الكثير من الملاحظات الأخرى، والتي لا يمكنني قولها، فالصمت أحياناً هو خير جواب!
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 5237 - السبت 07 يناير 2017م الموافق 09 ربيع الثاني 1438هـ
صحيح كلامها أن الحرية جداَ مطلقة في بلاد الغرب، ولكن مع ذلك نحن نفخر بأن رغم التضييق الشديد علينا ما زلنا نحافظ على صوت الحق وإن تضائلت أفراده، أما الغرب للاسف ينظرون الينا بدونية كبيرة حتى لا نصل اليهم، فهم أيضا يمتازون في النفاق أيضا في بعض الامور
كلام واقعي وذكي
كلام جميل ومكتوب بحساسيه وياريته يصل لبعض الجهات المسؤله لتداوي الجروح النافذه في المجتمعات المظلومه