أكد راشد نجم على أن ثقافة التراث في دولنا الخليجية أمام محك واختبار صعب يتطلب من الجميع الاعتماد على الأسس المعرفية والموضوعية للأمور بمعزل عن العواطف التي قد تدفعنا الى قرارات ربما تضر هذه الثقافة بدلا من ترسيخ بنيتها داخل المجتمعات، والفصل بين ما هو تقليدي محلي وبين ما هو وافد وطارئ على هذه المجتمعات كي تنجلي الصورة الحقيقية للأمور أمام الجيل المعاصر والأجيال القادمة، وفي معرض تعريفه لثقافة التراث أوضح نجم على أنها كل ما أفرزه الماضي من إفرازات، ضارة ونافعة، ولا يزال لها أثرها الفعال في مسلكنا ومعتقداتنا وأسلوب معيشتنا ونظرتنا إلى الحياة، كما أنها مجموع ما خلفته قرائح الأقدمين وصفوة الأسلاف من فكر وعلم وفن ونمط عيش وفنون حضارة مما يمكن لجيلها الحالي الإفادة منه، والاستعانة به على حل ما يواجه من مشكلات وتحديات.
وجاء ذلك خلال الأمسية الثقافية التي أقامتها اللجنة الثقافية بأسرة الأدباء والكتاب في مقر الأسرة وقدمها نائب رئيس أسرة الأدباء والكتاب راشد نجم بعنوان "ثقافة التراث في دول الخليج العربي بين استداعاءات التراث واسحقاقاته المعاصرة" وأدار الأمسية عيسى هجرس، ويرى نجم أن ثقافة التراث هي انعكاس للمستوى الحضاري لأي أمة أو بلد؛ وهي نتاج فهم الإنسان لتراثه، ودينه، وتفاعله الاجتماعي والمادي في كل مرحلة من مراحل تاريخه على صعيد الفرد وصعيد المجموعة، ويتضمن هذا الناتج عناصر وأبعاداً روحية وفكرية وأدوات تقنية ويشمل القيم والتقاليد وأعراف التصرف وأنماط الحياة والفنون، والأدب وأشكالاً متنوعة من الإبداع.
وأشار إلى التغير الاجتماعي قائلا: الانتقال من حال الى حال أخرى انتقالاً يؤثر على العملية التي تقوم بها البنية موضع التغيّر أو يؤثر على العملية والبنية معاً، ومن هنا فإنه ينبغي التأكيد على حقيقة أن التغيّر هو حصيلة تفاعل الأشياء ذلك التفاعل الذي يتسم بالتعقيد الشديد ولهذا اختلفت الآراء في شأن تفسيره. ويضيف "إن أهم محرك لهذا التغيّر الاجتماعي الكبير في دول الخليج العربي هو اكتشاف النفط في سنوات متقاربة في المنطقة مما أحدث تأثيراً واضحاً في نمط الحياة وطرق العمل والنمو الاقتصادي وما صاحبه من تغييرات جذرية في الحياة الاجتماعية والسلوك العام".
ويقسم نجم التغييرات إلى التغيير المفاجئ والتغيير التدريجي، ويستعرض فضاءات التغيير الاجتماعي في دول الخليج بدءا من الفضاء البيئي وما أحدثته مكونات البيئة الطبيعية، الفضاء الديموغرافي وما فيه من تحولات سكانية طرأت على المنطقة، الفضاء التقني بكل ما أحدثته التقنيات الحديثة والمتطورة من تأثيرات، الفضاء السياسي والفضاء العالمي والتأثيرات المجتمعة على الحرف والصناعات التقليدية والفنون والحكايات الشعبية والموروث الشعبي، وسجل راشد نجم هاجس البقاء نظرا لوجود مبررات تدفع دول الخليج العربي للتنقيب عن تراثها الكشف عن كنوز إبداعاته.
وخلص نجم إلى التأكيد على أن الأصالة والمعاصرة كمفهومين ليسا على طرفي نقيض، فلكل منهما نبع معرفي مختلف وهدف مختلف، فهما متكاملان في البنى الثقافية ولا وجود لأحدهما من دون الآخر، وأن ثقافة التراث لن تنمو وتستمر في غفلة عن أصحابها الشرعيين، أو في ظل عدم الاكتراث والاهتمام بها أو الانشغال عنها في حيثيات الحياة المعاصرة واستحقاقاتها، فالنتيجة ستكون كارثية على الأجيال القادمة، واختتم بتساؤل هام جدا، "هل يمتلك تراثنا القدرة على الصمود طويلاً أمام تيارات التغيير وطوفان التحولات الهائلة؟؟ وهل تستطيع ثقافة هذا التراث أن تستوطن وجدان شعوبنا طويلاً أمام محاولات إحلال ثقافة العولمة واستباحة وطن الوجدان الجمعي؟؟!!