تحتل ترجمة علي عبدالأمير صالح «خوزيه ساراماغو: لا أكتب فقط... بل أنا أكتب ما أنا عليه»، المنشورة في مجلة «البحرين الثقافية» في عددها السادس والثمانين، لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، مساحات كبيرة من السيرة الذاتية لواحد من أشهر روائيي القرن الماضي والقرن الحالي، حائز جائزة نوبل في الآداب العام 1998، ذلك الذي لم يحقق الشهرة، ولم يُعرف عالمياً حتى بلغ الستين عاماً. كأن ساراماغو الذي توفي في يونيو/حزيران 2010، جرَّاء إصابته بسرطان الدم (اللوكيميا)، عن عمر ناهز السابعة والثمانين، يقدم من خلال اللقاء المبتسر الذي لا يتجاوز الصفحتين ونصف الصفحة، وأجرته الأستاذ المساعد في جامعة ماساشوسيتس، آنا كلوبوكا، بواسطة البريد الالكتروني، وصايا أو وصفة لم يكشف عن سرها من قبل في العديد من الحوارات التي أجريت معه. السيرة التي قدَّمتها كلوبوكا ليست جديدة وأغلبها يمكن العثور عليه في الموسوعات الأدبية العالمية، وخصوصاً باللغة الإنجليزية، إلا أن زبدة الثماني صفحات التي أفردتها المجلة، تكمن في تلك الخلاصات وما يشبه الوصفات أو الوصايا.
ما لا يمكن تجاوزه هو إجابته عن سؤال يتحرى تفسير الانعطافة غير الاعتيادية في مسيرته كروائي، حين أجاب «في سنة 1982، عندما كنت في الستين، نشرتُ (بالتازار وبيلموندا). وأخيراً أصبحت الكاتب الذي وددت دوماً أن أكونه، وعندما سألوني كيف تمكنت من بلوغ هذا الهدف؟ كان جوابي الوحيد هو: (أنا لا أكتب فقط، بل أكتب ما أنا عليه). وإذا كانت تجربتي تنطوي على سر، فهذا هو السر».
ما يغري على التوقف في الحوار المذكور سؤال يتعلق بتجربته أنواعاً أدبية في الكتابة، من المقالة والمسرحية إلى الشعر، والأخير هجره إلى غير رجعة، وعن درجة اختلاف ساراماغو في تعاطيه مع تلك الأشكال من الكتابة. من طبيعة ساراماغو إيهامك أنه مباشر في إجابته. يبدأ ذلك في مستهل ردَّه، لكنه سرعان ما ينعطف بك موظفاً سخريته، نحو رؤية لا يمكن أن تصدر إلا من رجل خبُر الحياة، ولديه من التجربة ما لا يستطيع في كثير من الأحيان أن يعبِّر عنها جميعاً، ما يدفعه إلى تلك التحولات في التعاطي مع الأشكال الإبداعية، مع تواضع لا يشعر القارئ بأنه مصطنع، أو يستجدي مزيداً من الاحترام لقامته وحضوره في خارطة الأدب العالمي. تحدث عن الترابط بين الهويات الكتابية تلك، واستحالة عزل أحدها عن الآخر. كل يأخذ من سواه. كل يُكمل الصورة واللون وحكمة العبارة أو المقطع.
أجاب «إنني روائي افضل مني شاعراً، أو كاتباً مسرحياً، أو كاتب مقالات. لكن لم يكن باستطاعتي أن أكون روائياً كما أنا عليه الآن من دون تلك الهويات الأخرى الحاضرة أيضاً في كياني، حتى لو كانت ناقصة. قلت في مناسبات سابقة، إنني في الواقع لست روائياً بل كاتب مقالات فاشلاً بدأ بكتابة الروايات لأنه لا يعرف كيف يكتب المقالات».
في سؤال كلوبوكا عن مشاريع ساراماغو الراهنة، ذكر أنه سينشر المجلد السادس من يومياته التي حملت عنوان «مذكرات لانزاروتي»، إضافة إلى تمنّيه أن ترى روايته الجديدة «الرجل المزدوج» النور قبل أن يغادر هذا العالم، لكن من بين العميق والمدهش في إجابته قوله: «إنني أقلل من سفري كي أكون قادراً على كتابة المزيد. إنني أختار الأمكنة التي أسافر إليها بحسب درجة فائدتها في كتابتي». للأمكنة سرُّها، وقد تتحكم في الخلطة التي تظهر بها الكتابة.
«أن تكتب ما أنت عليه» تقدم لنا وصفة أن نكون كما نحن مع مزيج من نعمة الخيال، وحب الحياة، والإخلاص للدهشة التي لن تكون كذلك إذا وُلدت مصطنعة ومتورطة في المبالغة.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5236 - الجمعة 06 يناير 2017م الموافق 08 ربيع الثاني 1438هـ
شكرا لكاتبة المقال استمتعت و استفدت من قراءة القال للتعرف على كاتب و كاتبة لم اقرأ لهما من قبل.