تتزين أسوار المدارس والمرافق العامة بمختلف مناطق البحرين، بألوان ورسومات متعددة، تحمل مضامين ورسائل توعوية وتثقيفية، سواءً أكانت بيئية أو اجتماعية أو تربوية، وهو يُعرف بـ «الجداريات»، التي أصبحت تنتشر في مناطق وقرى البحرين بشكل ملحوظ، وخصوصاً على أسوار المدارس، بمبادرات أهلية تارة، وأخرى رسمية.
وأكد فنانون بحرينيون ومهتمون أن النهوض بمشروع لتنفيذ جداريات في كل مناطق البحرين، يحتاج إلى ميزانية ودعم كبيرين، إلى جانب تفرغ الفنانين، وذلك لما يتطلبه المشروع من وقت وجهد.
من جانبه، قال الفنان التشكيلي عباس الموسوي، إنه بدأ بفكرة الجداريات منذ السبعينات، ومعها الأكاديمي أحمد باقر، عندما كانا يتجولان بين البيوت، ويعاينون الغرف المعزولة، وتحديد المناسب منها للرسم والتلوين، وغير المناسب.
وذكر أنه بدأ العمل معلماً للديكور والبناء الخارجي في مدرسة جدحفص الثانوية للبنين، وحتى 2003، وخلال هذه الفترة أعطى دروساً تعليمية في الديكور واستخدام الجبس، وهو ما نفذه عملياً على جدار المدرسة.
وذكر أن بعض الطلبة، وخصوصاً في منطقة سار نفذوا على بيوتهم ما درسوه في المدرسة، وهذه الأعمال أطلعنا وزارة التربية والتعليم عليها.
وأضاف «بعد مدرسة جدحفص انتقلت إلى مدرسة البلاد القديم، ولم نبقَ داخل المدرسة، بل خرجنا منها وشاهدنا جدران البيوت، وقررنا عمل جداريات عليها، وقد أبدع أهالي القرية في فنون الخط والزخرفة التي كانت تبهر أي زائر أو مار بالمنطقة.
ويعود الفنان الموسوي بذاكرته إلى العام 2004، حين حوّلوا جدران بيوت قرية القلعة إلى لوحات فنية وتراثية، تزامناً مع حفل افتتاح قلعة البحرين، قائلاً: «قمنا بزخرفة البيوت بعد الاتفاق مع الأهالي، وهناك بعض البيوت رفضت في بادئ الأمر الفكرة، ولكن في نهاية المشروع تمكننا من صباغة جميع جدران البيوت».
ويشير إلى أنه ذهب بفكرة مشروع «قرية جميلة» إلى الأمم المتحدة، وعرض الفكرة عليهم، وطبقها فعلياً، وعُرضت صور ومقاطع لتنفيذ المشروع في حفل مرور 60 عاماً على إنشاء الأمم المتحدة، كما عرضت في جامعة الدول العربية.
ولم يتوقف الموسوي عند ذلك الحد، بل واصل عمله على الجداريات مع مجموعة الإسكافي الفنية، وقاموا برسم جدارية كبيرة في السنابس.
ويقول: «بعد هذه التجربة من رسم الجداريات، جاءت فكرة المراسم في عاشوراء، وظهرت هذه التجربة بصورة مختلفة، اعتمدت على العمل المباشر، ورأى المجتمع كيف تتطور هذه الفكرة من خلال توظيفها في زخرفة مختلف الطرقات، إلى أن وصلنا لقناعة أن هذا التجميل والرسم جزء من الشراكة المجتمعية، والتثقيف الفني».
ويذكر أن هذه الفكرة حظيت بدعم رسمي من قبل محافظة الشمالية، من خلال مشروع «كلنا شركاء في السلام»، والذي من خلاله تم عمل العديد من الجداريات».
وبسؤاله عن نظرة البعض لهذه الجداريات، بأنها وسيلة لمنع الشعارات السياسية على الجدران، قال الموسوي: «أتذكر عند افتتاح قلعة البحرين، قال لي جلالة الملك إن هذا الأمر تحدٍ كبير، وأنا شخصياً قبلت هذا التحدي، ولذلك استمرت فكرة الجداريات... وفكرة الجداريات السياسية موجودة في مختلف دول العالم».
ويمتدح الموسوي الجداريات بلغته الفنية، بقوله «الجمال يجب أن ينبع من الذات، ونحن في أرض وجزيرة يحيط بها الجمال من كل جانب، ونحن مطعمون بفسيفساء جميلة، لدينا الزراعة والخضرة والبحر والحلي، وكما تتزين المرأة بشتى الملابس والحلي، علينا تزيين الجدران وتلوينها».
وعمّا إذا كانت هناك فكرة للنهوض مجدداً بمشروع جداريات شامل في كل مناطق البحرين، يؤكد بأن «هناك أفكارا جديدة وتطويرا لهذا المشروع، ونحن لدينا الكثير من الخطط التي نشارك بها داخل البحرين وخارجها».
ويرى بأن في المدارس «هناك فرص حاضرة في هذا المجال... وأعتقد بأن المدارس بيئة خصبة لهذه الأعمال، وهي المؤسسة الصحيحة لاستنباط الأفكار والأعمال الفنية».
ويختم الموسوي حديثه قائلاً «ما أجمل أن نزين الحياة، ليس باللون فقط، بل بالكثير من الأدوات، منها الجص والجبس والمعمار، وهذه كلها مكملات لبعضها، وكلما تنوعت في الخامات كلما أعطيت للمكان والجدار زهواً أكثر، كلما عاصرت الحياة ترى أن الأمور لا تقف عند حدود اللون، بل العالم يتسابق فيما بينه على الفن».
الحمر: لدينا أفكار لجداريات ونحتاج الدعم
ومن الموسوي، إلى رئيس جمعية المرسم الحسيني للفنون، عبدالنبي الحمر، الذي هو الآخر عاد بذاكرته إلى العام 2005، حيث بدأوا مشروعاً مع محافظة الشمالية، إبان تولي أمورها المحافظ أحمد سلوم، وبمبادرة ذاتية، قاموا برسم جدارية على مدرسة هاجر الابتدائية للبنات، وأخرى على مدرسة البديع للبنين، وعلى امتداد أكثر من كيلومتر واحد.
ويقول الحمر: «بعد مبادرتنا في مدرستي هاجر والبديع، توجهنا إلى قرية القلعة، وقمنا بعمل جدارية، إلا أنها مُسحت».
ويضيف «شارك في أكثر من مدرسة في سترة في العام 2010، وقمنا بعمل جداريات يصل مجموع طولها إلى 3 كيلومترات، وقبلها في جزيرة النبيه صالح في العام 2007».
ويرى أن هذه المبادرات أسهمت في ظهور عدد من الفنانين البحرينيين من فئة الشباب، أخذوا على عاتقهم مواصلة العمل، وتعميم فكرة الجداريات في مناطق مختلفة».
ويلفت إلى أن حرصهم على استمرار هذه الأفكار والمشاريع تأتي من منطلق الطموح في أن تكون البحرين جميلة، والسائح والمواطن يرى مناظر جميلة، كلما مر بسيارته على الشوارع والطرقات، ويرى جداريات جمالية تارة، وأخرى إرشادية وتوعوية وتثقيفية.
وبسؤاله عن إمكانية وضع استراتيجية واضحة ومحددة لنشر فكرة الجداريات في جميع مناطق البحرين، يؤكد الحمر أن «لدينا أفكارا ندرس تطبيقها في المنامة، وهي تتوقف على الدعم والتشجيع، تتركز حول تزيين شوارع المنامة بالمناظر الجمالية».
ويوضح أن «كلفة الجداريات عالية، وأيضاً نحتاج إلى تشجيع الفنان ليواصل عمله من خلال الدعم المادي أو المعنوي، ولكن في المقابل يجب تقديم المصلحة الوطنية والاجتماعية على المصلحة الشخصية في هذه الأعمال».
ويوصف الحمر الجداريات بأنها «ثقافة عالمية تعطي انطباعات عن الشعوب، ومدى وعيها وإبداعها، وطريق لعرض تاريخ البلد، وترسيخ تراثه للجميع... الجدارية مدرسة فنية، وإرشادية، وإلى جانب ذلك، هي تعطي صورة جمالية للبلد، وتعكس منظراً حضارياً لكل زائر ومقيم».
الغانمي: الجداريات أخرجت الفنانين من إطار اللوحة الصغيرة
أما حسين الغانمي، وهو أحد مؤسسي مجموعة نلتقي لنرتقي الفنية، فأشار إلى أنهم بدأوا فعلياً في عمل الجداريات قبل نحو 5 أعوام، وذلك مع انطلاق المجموعة، واهتمامها بالفن، والمشاركة المجتمعية في مختلف المناسبات الدينية والبيئية والثقافية والاجتماعية.
الغانمي تحدث عن «نلتقي لنرتقي»، موصفاً إياها بأنها «مجموعة شبابية تهتم بمختلف أنواع الفن، سواءً أكان النحت أو الرسم أو الأعمال اليدوية»، معبراً عن طموحهم في التحول إلى جمعية رسمية مسجلة في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
وفي حديثه عن الجداريات، يوضح الغانمي أن هذه الفكرة انطلقت في المواسم العاشورائية، تزامن معها العمل في مشروع أطلقته المحافظة الشمالية تحت عنوان «كلنا شركاء في السلام»، الذي من خلاله نشطت المجموعة في عمل الجداريات بمختلف المناطق، ومنها جداريات على مدارس تعليمية. ويقول: «كل جدارية تعكس فكرة وهدفاً معيناً، وتكون لها رسالة معينة، فنحن لا نرسم بهدف الرسم والتلوين فقط، وإنما نهدف إلى توعية المجتمع من خلال هذه الجداريات، سواءً أكانت بيئية أو تراثية أو اجتماعية». ويضيف «بعض الأشخاص يفاجأون ببعض الجداريات، ويبحثون عن مضامين رسالتها... واستطعنا جذب الأجانب أيضاً وخلق انطباعات إيجابية لديهم من خلال هذه الجداريات».
وتطرق للحديث عن تجربتهم في تحويل محطات توقف الحافلات القديمة في مدينة عيسى، من اسمنت جامد إلى لوحات فنية تجذب الأنظار، من خلال لمسات جمالية.
وينفي الغانمي أن تكون هذه الجداريات بديلاً عن كتابة الشعارات السياسية، ويؤكد بأن «شعارات السيارات لها ميدان خاص، أما هذه الجداريات فتضفي جمالية على الشوارع والطرقات، ونحن ننطلق في ذلك من مقولة إن الله جميل يحب الجمال».
ويلفت إلى أن «الجداريات خلقت مجموعة من الفنانين الذين تجاوزوا حدود الرسم على لوحة صغيرة، وانطلقوا من خلال الرسم على جداريات كبيرة».
ويقدر الغانمي إجمالي عدد الجداريات التي تمكنت المجموعة من تنفيذها خلال الأعوام الماضية، بأنها تتجاوز 20 جدارية، مشيراً إلى أن رسم كل جدارية يستغرق وقتاً ليس قصيراً، فبعضها يستغرق يومين، وأخرى أكثر. وينوّه إلى أنهم ليسوا «عاطلين من العمل»، والعمل على الجدارية يتطلب الوقت والجهد، مع الأخذ بالاعتبار المتغيرات الجوية، وارتباطاتنا العملية والأسرية والاجتماعية.
وبسؤاله عمّا إذا كان بالإمكان إطلاق مشروع أهلي ورسمي لرسم جداريات في مختلف مناطق البحرين، مع وضع استراتيجية واضحة، يوضح الغانمي أن هذا المشروع يحتاج ميزانية ضخمة، وتفرغ الفنانين للعمل عليه.
ويخلص إلى أنهم يسعون إلى خلق جيل يدرك أهمية الفن، ويتعلمه، بدلاً من الانشغال بأهواء وأمور لا تعود بالنفع على الإنسان، ونسعى لتعزيز ثقافة العائلة الواحدة. ونحن في المجموعة.
جمعية الإسكافي: نصب النخيل أكبر جدارياتنا
وبدورها، قالت جمعية الإسكافي لتجميل البحرين، إن باكورة أعمالها الفنية كانت في شهر أبريل/ نيسان من العام (2004)، وهو مهرجان الرسم على الجدران، مشيرة إلى أن «المهرجان حظي باهتمام شعبي ورسمي كبيرين.
وربما يعود ذلك لأصل فكرته المتمثلة في رسم أكبر جدارية مرسومة في منطقة الخليج العربي، وهي عبارة عن 55 لوحة فنية بطول 250 متراً وارتفاع مترين، أسهم في رسمها أكثر من 65 فناناً تراوحت أعمارهم ما بين 12 – 70 عاماً.
وذكرت انها تعاونت مع المجلس البلدي للمنطقة الوسطى (سابقاً)، وإدارة الأوقاف الجعفرية وصندوق سلماباد الخيري، في تجميل جداريات مسجد الإمام الصادق في سلماباد.
وأفادت بأن «المسجد بدا في ختام الفعالية أشبه ما يكون بالتحفة الأثرية، وبات محط أنظار كل من يُصادف مروره على الشارعين المحيطين به واللذين يُمثلان الرافد الأساسي لمنطقة الدوار الداخلي ولعموم المنطقة».
وتحدثت الجمعية عن نصب النخيل الذي بلغ ارتفاعه 15 متراً وعرضه 3.2 أمتار، وكان يمثل أعلى نصب تذكاري مرسوم، وجاء بمناسبة مرور 50 عاماً على الاكتشافات الدلمونية، وافتتاح جلالة الملك لقلعة البحرين.
ولفتت إلى أنها عملت على جدارية عذاري، شارك فيها 30 رساماً، وكانت تقع في الجهة الجنوبية من شارع الشيخ عيسى بن سلمان، وقد استمرت هذه الفعالية لأكثر من 6 أيام تمّ فيها إنجاز 800 لوحة لمدارس فنية مختلفة.
وقالت الجمعية إن أعمالها امتدت إلى رسم جدارية عين قصاري الداخلية، وجدارية أخرى على إحدى المحطات التابعة لشركة زين البحرين. ولفتت إلى أنها كانت شريكة مع الأمم المتحدة في الاحتفاء بمرور 60 عاماً على إنشاء المنظمة، وقد شاركت في فعالية عنوانها «السلام العالمي غايتنا»، وهدفها التأكيد على حاجة العالم للسلام العادل، والأمن وإحقاق الحقوق والدعوة إلى إنهاء الثقافة السلطوية.
وذكرت الجمعية أنها شاركت في العام (2006) في فعالية عالم المهن، فيما تبنت إعادة ترميم منارة مسجد الجوادين في السنابس، إلى جانب المشاركة في أسبوع الوسطى البلدي في العام نفسه، وفعاليات أسبوع الشجرة في العام (2007) الذي شارك فيها نحو 200 فنان من مختلف المستويات.
وأشارت إلى أن 5 فنانين من الجمعية شاركوا في إحدى حملات التبرع بالدم التي ينظمها صندوق النعيم الخيري، وذلك في إطار المشاركة المجتمعية والإسهامات الإنسانية.
وأكدت بأنها لم تدخر جهداً في دعم الأنشطة الطلابية، من خلال القيام بعدد من الزيارات للمدارس الحكومية لتعريف طلاب هذه المدارس بالدور الذي تلعبه الجمعية في خلق ثقافة التجميل وتدعيم الفن لدى الطلاب واليافعين، وتوعية الطلبة بضرورة الحفاظ على جماليات الحدائق والمنتزهات والأحزمة الخضراء، وحثّهم وتشجيعهم على الانضمام إلى المشاريع التطوعية.
العدد 5236 - الجمعة 06 يناير 2017م الموافق 08 ربيع الثاني 1438هـ