من المتوقع أن مجلس صيانة الدستور الإيراني برئاسة الشيخ أحمد جنتي سيلجأ إلى رفض لائحة «تبيين» صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور والتي تقدم بها حديثا الرئيس محمد خاتمي إلى مجلس الشورى (البرلمان).
غير أن الآلية المتبعة في إقرار القوانين أو التعديلات التي لا تمس بجوهر الدستور أن تحال من البرلمان بعد إقرارها إلى «مجلس صيانة الدستور». وفي حال حدث خلاف بينهما والأخذ والرد، أن يعمد البرلمان إلى إحالة النزاع على مجمع تشخيص مصلحة النظام برئاسة الشيخ هاشمي رفسنجاني ليبت فيه. وهنا، من المحتمل أن يقوم هذا المجمع بالموافقة على جزء من الصلاحيات الواردة في اللائحة ورفض ما تبقى.
أمام ذلك، فإن خاتمي، ومن باب تدارك الأمر، لمح إلى إمكان الدعوة إلى استفتاء عام شعبي على صلاحيات الرئيس الدستورية. وهو يدرك وكل الأطراف الإيرانية، وخصوصا المحافظة، أن وصول هذا الموضوع وطرحه على الاستفتاء العام، ستكون نتائجه لمصلحة خاتمي، وأنه سيفتح الباب أمام استفتاءات شعبية أخرى قد لا تبقي للمحافظين أي موقع في النظام والدولة.
غير أن الاستفتاء أو قانونه، لابد أن يمر عبر الآليات التي يمر بها أي قانون آخر، أي الإقرار في البرلمان وإحالته من ثم على «مجلس صيانة الدستور» لإقراره ومن بعدها للتنفيذ وهو الأمر الذي لا يمكن حدوثه من قبل مجلس الصيانة في حال عارض إقرار لائحة الصلاحيات الأولى منذ البداية.
في مواجهة هذا التحدي الذي يعترض طريق خاتمي مطالبته بصلاحياته الدستورية، فإن إمكان إقدامه على تقديم استقالته من منصب الرئاسة يصبح أمرا واردا وبإمكان كبير.
والاستقالة، آخر الأوراق «الخاتمية» في لعبة الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين، لن تكون بسيطة وسهلة، لأنها تعني، في أحد أبعادها، إدخال البلاد في طريق مسدود، قد يؤدي إلى الانفجار، وبالتالي تحميل التيار المحافظ مسئولية النتائج وما قد يحدث من أزمات تصل إلى مشارف الدم والحرب الأهلية.
وفي الوقت الذي يبدو فيه أن خاتمي حسم خياراته وباتت إمكانية الاستقالة أمرا يقارب الواقع، وذلك بعد أن فقد أو فقدان الأمل في إحداث تغيير في إطار الآليات الديمقراطية والدستورية تساعد علي تنمية وتعزيز فرص ظهور تيار وسطي ما بين قطبي التطرف في التيارين الإصلاحي والمحافظ يشكل جسر عبور للنظام والثورة إلى عقلانية الدولة من دون المساس بهويتهما الدينية، فإن التنفيذ يبقى مرهونا بالتغيرات التي قد تشهدها المنطقة في المدى المنظور.
أي أن ما يمكن أن يدفع خاتمي إلى السكوت والتراجع عن تقديم استقالته والخروج من السلطة، هو أن تتحول طبول الحرب التي تقرع على أبواب المنطقة إلى حرب حقيقية وواقعية، وأن يبدأ الهجوم الأميركي على العراق، وبالتالي إمكان اتساعه وما يترافق معه من حديث عن خريطة جيوسياسية للمنطقة تبدأ بالعراق ولا أحد يستطيع معرفة أين سينتهي.
وهنا، لن يكون تراجع خاتمي تراجعا تكتيكيا في إطار الصراع مع التيار المحافظ في الداخل الإيراني، بل سيأخذ بعدا وطنيا وإحساسا عاليا بأهمية وخطورة المرحلة التي تلي وقوع الحرب إقليميا وتفاعلات الهجوم، وداخليا لقطع الطريق أمام احتمالات دخول إيران والنظام في حال فراغ دستوري وبالتالي ارتفاع إمكان إعلان حالة طوارئ أمنية وعسكرية من قبل جهات معارضة له وللإصلاحات سعت بكل جهدها لبلوغ هذا الهدف، قد تعمد إلى ضرب كل الإنجازات التي تحققت على مدى السنوات الماضية، وتقود بإيران إلى مرحلة ما قبل خاتمي وتقضي على الآمال بالديمقراطية والحريات
إقرأ أيضا لـ "هاني فحص"العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ