أوصت المفوضية الأوروبية قادة الاتحاد الأوروبي في التاسع من الشهر الجاري في الاجتماع الذي عقد في بروكسل، بالاقدام على خطوة مهمة نحو توسيع عضويته لتشمل دولا من أوروبا الوسطى والشرقية، مما سيضيف الاتحاد 10 أعضاء جدد بحلول العام 2004. فبعد 13 عاما من انهيار جدار برلين، قالت المفوضية، وهي الجهاز التنفيذي للاتحاد، ان بلدانا من اوروبا الشرقية مثل المجر وبولندا مستعدة للتنافس داخل سوق الاتحاد الأوروبي المشترك. وأشار تقرير المفوضية الأوروبية الذي عرض على البرلمان الأوروبي السماح بضم 10 دول للاتحاد العام 2004، بعد تنفيذها كل الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وهذه الدول هي: بولندا والتشيك والمجر وسلوفاكيا وسلوفينيا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وقبرص في البحر الموسط. ومن شأن عملية التوسيع تلك أن تضيف 75 مليون نسيمة إلى 400 مليون مواطن يعيشون فعلا في داخل الاتحاد لكنها لا تزيد من حجم ثروة الاتحاد إلا بمقدار 5 فقط. من ناحية أخرى رفضت المفوضية الأوروبية تحديد موعد لبدء المفاوضات الخاصة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي التي تأجلت بسبب مخاوف بشأن حقوق الانسان على رغم الطلبات المتكررة لأنقرة في هذا الشأن، إلا أن رئيس الوزراء الدانمركي أندرس فوج راسمو سن، الذي تتولى بلاده حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي أعلن في كوبنهاغن ان أبواب الاتحاد الاوروبي لا تزال مفتوحة امام تركيا، وإن كانت المفوضية الأوروبية رفضت تحديد تاريخ بدء المفاوضات لانضمام هذا البلد.
وأعتبر الانتقادات التي أعربت عنها تركيا، واسفت لحرمانها من فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على رغم من الاصلاحات التي بدأتها غير مبررة، مع أن تحديد انضمام دولتين لم تذكر من ضمن قائمة الدول العشر تم تحديده من الآن وهي رومانيا وبلغاريا والتي أعلن الاتحاد انها ستضم في العام 2007.
فتركيا تعد من الدول النامية ويبلغ عدد سكانها ما يقرب 62,5000000 نسمة تنحدر نسبة 85 من السكان من اصول آسيوية يطلق عليهم اسم الاتراك: وتتجاوز نسبة المسلمين 98 من السكان. والدستور لا ينص على دين رسمي للبلاد، فان أوساط الشعب التركي تضم أفرادا ينتمون إلى الكنيسة الأرمنية البابوية، والكنيسة الونانية الارثوذكسية والكنيسة الرومانية، والكاثوليك الشرقيين، واليهود.
ومن أكثر القضايا إثارة للجدل في تركيا تلك التي تتمثل في النهج الذي يسير عليه المجتمع التركي، وهل يجب أن يقوم هذا النهج على اساس علماني أم اسلامي؟ شرعت الدولة منذ عشرينات القرن العشرين بجعل الذين من الأمور الشخصية، وألغت الحكومة النظام القانوني المعمول به، وارتداء الحجاب والطربوش، كما ألغت ايضا المهمات الدينية والمدنية التي كان يؤديها خليفة المسلمين وتحول اعتناق الدين مجرد الالتزام بالسلوك الاخلاقي والتصرف الشخصي. ولكن الكثير من أبناء الشعب أبدوا اعتراضهم على ذلك. ولايزال الجدل دائرا حتى اليوم فيما يتعلق بالدور الذي يجب ان يؤديه الاسلام في مناحي الحياة في تركيا.
ومنذ السبعينات من القرن العشرين، وتركيا تعاني من مظاهر عدم الاستقرار، ونشأت الخلافات الشديدة بين العلمانيين والجماعات الدينية التي أدت إلى الاقتتال، وتواصلت أعمال العنف والارهاب بين هاتين الفئتين، وتحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية تحت سيطرة الجيش. وأصبح الجيش المحرك الأول والاساسي في أي تحول سياسي فارضا نفسه وشروطه تجاه اي تغيير، فتركيا تعتبر جمهورية عسكرية بثياب جمهورية مدنية يحكمها القانون، ولكن في واقع الحال يختلف الأمر، وهذه من أحد الاعتراضات الاساسية التي يطرحها الاتحاد الأوروبي تجاه انضمام تركيا للاتحاد، إضافة إلى أن غالبية الشعب مسلم، فحتى ولو حاولت النخب الحاكمة تغيير الهوية، وتغيير الدستور، وغيرها من التنازلات التي تقدمها تركيا، لكي تحسن وجهها تجاه إرضاء الاتحاد الأوروبي،إلا أن ذلك لن يشفع لها على رغم المحاولات المستميتة للركوع والخضوع للغرب، وإظهار الصورة الغربية في العادات والتقاليد، ومحاولة فرضها كقانون على المجتمع، ولم يكن في حسبان الأتراك بأن كل تلك للحاولات لن تحسن صورتهم للغرب، بل وما زال الأمر معلقا.
والسؤال هل وصلت كل المحاولات التركية من الاذلال والخضوع، من أجل الانضمام إلى طريق مسدود؟ وهل اقتنع الأتراك بأن بني البشرة البيضاء من الساكسونين، والفرنكفونيين، وأهل اسكندنافية، وأهل الاورنج، بأن هؤلاء الأقوام ترفضهم، ولا ترغب في انضمام تركيا إليها. أم لا تزال تركيا تعيش الأحلام الوردية بأن يأتي يوم الفرج، الذي ستدخل من خلاله التاريخ، حسب ما يعتقد به الساسة الاتراك!.
ان الأجدر بالأتراك أن يقيموا العلاقات البناءة والمتينة مع دول الجوار التي مدت يد التعاون معها وأعلنت مرارا بأنها ترغب في بناء حلف استراتيجي معها يشمل كل القطاعات والمجالات المختلفة، بدلا من لاستعداء وخلق التحالفات الاستراتيجية المريبة مع العدو الصهيوني، وإشعار دول الجوار بأنها تحت التهديد في أي وقت، إذا لم تستجب للمطالب التركية، وهذا ما حدث في كثير من المواقف والمطالب التركية، التي كانت تمليها على هذه الدول.
لعل الاجتماع الاخير للمفوضية الأوروبية الذي عقد في بروكسل، أعطى الأتراك درسا لن ينسوه، عندما تم تأجيل النقاش حول انضمامهم للاتحاد الأوروبي، فهل يتعضوا!
العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ