لا يحتاج المطبعون المتحذلقون، من الذين يقولون كلمة حق يراد بها باطل، أن يذكرونا بأن هناك فرقاً بين الإنسان اليهودي واليهودي الصهيوني. فلقد حسم القرآن، وهو روح الثقافة العربية ومصدر أساسي من مصادر قيمها الإنسانية، حسم الموضوع في الآية الكريمة التالية: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة: 62).
هذه الآية هي من محكم القرآن وروحه، وهي تؤكد بصورة لا لبس فيها أن أتباع أديان الإسلام والمسيحية واليهودية، إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً، فإن لهم أجرهم عند ربهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
إذاً فلا توجد مشكلة بين العربي المسلم والعربي المسيحي مع اليهودي. لكن، وبكل صراحة تامة، هل تنطبق عالمية الآية وتسامحها الديني المبهر على اليهودي الذي يؤمن بالايديولوجية الصهيونية الداعية لأن ينخرط اليهودي، لا في عمل صالح قائم على الحق والعدالة والأخوة الإنسانية وإنما ينخرط في عمل شرير قائم على سرقة أرض الغير وإخراجهم من ديارهم، ونهب ثرواتهم واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية في أرضهم المغتصبة؟
هل تنطبق الآية على أي يهودي لا يجهر بصورة لا لبس فيها ولا غموض بأنه لا يقف مع السياسات العنصرية الاستعمارية الاستيطانية، التي مارسها الصهاينة الأوائل ويمارسها اليوم المجرم نتنياهو من خلال جبروت الجيش الصهيوني، وإرهاب الشرطة الصهيونية وخيانات الاستخبارات الصهيونية، ومن خلال مساندة شبه كاملة من بعض الدول من مثل الولايات المتحدة الأميركية؟ الجواب القاطع هو كلا.
وبالتالي فإنّ الذين يمدون أيديهم، بأية صورة، وفي جميع المجالات، ليطبعوا العلاقات مع الكيان الصهيوني، حكومة ومؤسسات وأفراداً، وليس مع الوجود اليهودي في فلسطين العربية وفي كل أرض العرب... فإنّ هؤلاء يخرجون على منطق الآية الكريمة التي تشترط العمل الصالح كجزء مكمل للإيمان بالله واليوم الآخر. هنا أخوة أتباع ديانات التوحيد تصل إلى نهايتها.
دعنا نضع جانباً موضوع أهمية الوعي بالفروق بين اليهودي الفرد العادي واليهودي الصهيوني، والذي يرفعه المطبعون مع الكيان الصهيوني كشعار مضلل عند الحديث عن القضية الفلسطينية، ولننظر إلى الفكر السياسي الصهيوني ومفاهيمه تجاه الوطن العربي. ألا يشير الصهاينة إلى فلسطين باعتبارها أرضاً بلا شعب، وبالتالي فالأرض العربية هي مكان بلا زمان وجغرافية بلا تاريخ؟ أي بلا وجود معنوي؟
هذا بالنسبة للنظرة الصهيونية تجاه العرب، وهي وحدها كافية لجعل التعايش مع الوجود الصهيوني في فلسطين المحتلة أمراً مستحيلاً. لكن الأمر الأخطر يقبع في الركائز الأساسية التي يقوم عليها الفكر السياسي والديني الصهيوني المتشابك إلى أبعد الحدود، تلك الركائز التي تحكم بإطلاق الحياة السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية في فلسطين المحتلة.
أول مرتكز هو الوعد الإلهي الذي يربط ما يسمى « بشعب إسرائيل « بأرضه» (أي بأرض فلسطين). ولذلك فان الاستيطان الصهيوني ليس أكثر من عودة اليهود إلى أرضهم، وتكملة لتاريخهم وتحقيقاً إلهياً لصلوات اليهود عبر القرون.
من هنا فإن الحديث الجاري الآن عن يهودية الدولة ليس إلا فضحاً للزيف المدعي بأن ما يسمى بدولة «إسرائيل» هي دولة علمانية ديمقراطية. في صلب تلك «العلمانية» مبدأ العرق المتفوق والثقافة الصهيونية المتفوقة التي ستقود العالم كله بأمر ومباركة إلهية.
ثاني مرتكز هو الهيمنة والتوسع الديموغرافي. فالتوسع في الاستيطان هو تنفيذ ديني لفكرة «خلاص الأرض» من الأغراب العرب من جهة وبناء المجال الحيوي الآمن للتوسع العسكري والاقتصادي الإقليمي من جهة أخرى. أما المستوطنون، أكانوا من أتباع الرأسمالية أو الاشتراكية، المحميين من العساكر، فهم جند رواد يمارسون الأحقية التاريخية في امتلاك أرض الأجداد.
ثالث مرتكز هو الفصل المادي والثقافي والاجتماعي العربي عن محيطه اليهودي. فالحواجز في الطرقات وبناء الجدار العنصري الشهير وعزل القرى الفلسطينية بكل الوسائل وبناء كل العقبات لتهميش الثقافة العربية الفلسطينية هي بعض من مظاهر إذلال الفلسطيني وإنهاك صبره وإدخال فكرة الهجرة في كيانه.
لنسأل الذين ينادون بالتطبيع كخطوة لإحلال السلام العادل في المستقبل: هل حقاً أنه سيمكن التعايش مع هكذا فكر ديني وسياسي استعلائي استيطاني وإذلالي صهيوني، يرمي لتهميش الآخر العربي واجتثاثه؟
ألن يكون التطبيع هو هدية مجانية لا يقابلها أي تنازل في ذلك الفكر المتوحش الأناني الإجرامي الذي أقام ويقيم الوجود الصهيوني في أرض عربية وعلى حساب شعب عربي؟
إذا كان الفلسطينيون مضطرين للتعامل اليومي مع الواقع الصهيوني الذي يتحكم في كل ذرة من وجودهم المادي والمعنوي فهل حقاً أن التاجر العربي والمثقف العربي والفنان العربي والمستهلك العربي، عبر الوطن العربي، مضطرون لمصافحة اليد التي تقطر دماً ولتقديم التنازلات للسارق الظالم المجرم الصهيوني؟
هل حقاً أن الآية القرآنية التي أشرنا إليها تنطبق على واقع العلاقة مع أي يهودي له صلة، في أي شكل مادي ومعنوي، بذلك الاحتلال الصهيوني في فلسطين، أو له صلة بالمؤسسات الداعمة له في أية بقعة من هذه الأرض؟
ما يحتاج أن يفعله الداعمون إلى التطبيع، سواء من قادة الحكم العربي ومساعديهم أو من قادة مؤسسات المجتمع المدني العربي أو من أصحاب النوايا الطيبة العرب، هو قراءة ما يكتبه أو الاستماع لما يقوله الصهاينة عن أحلامهم ومشاريعهم المستقبلية. عند ذاك سيدركون أننا أمام جحيم صهيوني لن يتوقف إلا بعد أن يبتلع الأخضر واليابس في كل أرض العرب. وهو جحيم لن يوقف تمدده وهيمنته وأحلامه المريضة مد أيادي أصحاب النوايا الطيبة من الغافلين عما يفكر فيه وعما يخطط لما سيفعله.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 5235 - الخميس 05 يناير 2017م الموافق 07 ربيع الثاني 1438هـ
شكرا لمفكرنا العزيز ، كلام في الصميم ، ويمثل العدل والحق .
دكتور مقالك عجيب جدا لكن العنوان لا يتناسب مع موضوع المقال فما قام به ويقوم به العرب لا يسمى طيبة وانما هو بصريح العبارة خيانة لقضية الأمّة الأولى والكبرى .
نعرف ان هناك من يحاول التطبيع والخنوع والتجبين ووصف العرب بأنهم نعاج فذلك شأنهم وعليهم تبعته فهؤلاء باعوا القضية وانتهى أمرهم ويبقى على أحرار الأمّة مواصلة مشوارها الى حين تطهير الأرض الفلسطينية رغم أنّ هناك حتى من الإخوة الفلسطينيين سئم النضال وتعب لكن ذلك لا يبرّر له ان يعيب على من لديه نفس النضال والصبر والجلد
دكتور لقد وضعت النقاط على الحروف وما عادت حججهم تصمد أمام ما طرحت من حقيقة قرآنية وحقائق انسانية.
ان تبرير هؤلاء تبرير واه وضعيف وسقيم ولقد اصبحوا سبّة بين الأمّة العربية والاسلامية اذ خرقوا وخالفوا تعاليم دينهم وثوابت عروبتهم مهما حالوا التبرير فلن يجدوا له وسيلة وتبقى تبريراتهم اوهى من بيت العنكبوت.
ومخطط ايران
سئمنا من هذا الكلام ومن السكوت المطبق عن ايران التي تريد ان تلتهم الوطن . اصبحت اسرائيل دولة في الامم المتحدة ، القانون الدولي يحميها ، الان هذا الكلام للضحك على العقول الساذجة ، الخطر المباشر على هذه المنطقة ايران وايران بالدعم الدولي والغفلة والسكوت الملابس
ايران أيضاً دولة بالأمم المتحدة !
هل تستطيعون ان تعاملون اسرائيل كما تعاملون ايران ؟ اعتقد ان الدكتور علي فخرو يدرك ان الخطر اليوم ليس من اليهود المؤمنيين بالصهيونية ولكن الخطر الأكبر على الأمة من العرب المتصهينيين وما أكثرهم مع الأسف .
(2)
..... وقال أيضا بأن العرب غير مهتمين بالموضوع الفلسطيني ، هم منشغلين بنفسهم وبقاءهم لأن إيران تخيفهم !! (نائب وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي أيوب قرا )
(1 )
التطبيع صار على الملأ فلا داعي لإخفاءه ،، كشف نائب وزير إسرائيلي(أيوب قرا ) لصحيفة هآرتس بأنه يقف وراء زيارة الوفد الحاخامي إلى البحرين وأقر بأن أيضا ذهب هناك إلى إسرائيل أناس للعلاج وأجروا عمليه جراحية، وأن لإسرائيل علاقات مع جميع الدول الخليجية تقريبا! ....