العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ

مئة في المئة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الاستفتاء الذي جرى في العراق (الثلثاء 15 أكتوبر/ تشرين الأول) لتجديد البيعة للرئيس صدام حسين (سبع سنوات إضافية) فاق كل التوقعات. لم يكن الخلاف على 99 في المئة. فهذه النسبة محسومة سلفا. تركز النقاش على الكسور المتبقية من الواحد في المئة. هل تكون 3، 5، 6، 7، 8، أو 9؟ أكثر المبالغين وصل في توقعاته إلى 9 على 10. أي ما مجموعه 99,99 في المئة.

النسبة المذكورة أعلاه هي رقم قياسي عربي بامتياز، فشلت في الوصول إليه كل أمم العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه. حتى الأمم العريقة في ثقافاتها وحضاراتها لم تصل إلى ما يشبه تلك النسبة. ونجحت الأنظمة العربية على امتداد نصف قرن في احتلال المركز الأول في كل الاستفتاءات والاطلاعات والانتخابات والإحصاءات التي جرت في المطمورة كلها. وعلى رغم كل الفشل والخيبات وانسداد آفاق المستقبل ووصول «الحداثة» إلى طريقها المسدود، بقي عند الشعوب العربية ما تفخر به أمام غيرها من أمم وحضارات وهو الرقم 99,99.

بقي هذا الرقم من الإنجازات العربية الباهرة التي حققتها أنظمة الأمة ولم تستطع قوة على وجه البسيطة أن تحلم بهذه النسبة من الإجماع. فالإجماع الرقمي (النسبي) بقي سيد الموقف العربي على رغم الانقسامات العربية وتشرذم القرار العربي وتفكك الأهداف العربية وتفتت المصير العربي وافتراق العرب على الملل والنحل والأحزاب والهيئات والمنظمات وغيرها من قضايا. فشلنا في معظم المسائل إلا قضية واحدة. والقضية الواحدة التي أجمعت عليها بعض الأنظمة ذاك الرقم البسيط والمتواضع والسهل (الممتنع عن غيرنا من دول وشعوب) وهو 99,99.

إلا أن الزمن يغير ولا يتغير. فذاك الرقم تحول إلى «روتين» لا يغني ولا يشبع لكثرة تكراره في القرن العشرين. وعلى رغم تكراره كانت الأسماء تتغير. الرقم حافظ على ثباته بينما الأسماء التي حملت اللقب تغيرت.

الشيء الوحيد الذي لم يدر في خلد الإنسان العربي من محيطه إلى خليجه أنه سيأتي اليوم الذي نكسر فيه «الحاجز النفسي» ونحطم خلاله «الرقم الزمني». لم يخطر على بال الإنسان العربي المقهور والمسحوق والمظلوم أنه سيأتي اليوم الذي يتفوق فيه على نفسه ويصحح المعادلة الرقمية ويعيد الاعتبار إلى الجزء العشري المتبقي من الواحد في المئة.

لا شك في أن من يملك القدرة على خرق هذا الحاجز الجزئي هو بالتأكيد ليس من جنس البشر، ولابد أنه يملك معطيات وإمكانات حُرم منها الكثيرون من أصحاب الكرامات والمعجزات. الرقم 99 ليس مهما، كذلك ما تبقى من كسور الواحد. فهذه يمكن تحصيلها في حال اعتمد مبدأ التكرير والتكرار، باستثناء الرقم الحسابي (البشري) العربي.

المياه مثلا لا تصل بعد تكريرها إلى نسبة 100 في المئة نظيفة لكنها يمكن أن تنال 99,99. كذلك الوقود. فأفضل الوقود (حتى ذاك المستخدم للطائرات) يصل في نقاوته إلى أقل من المئة بكسور بسيطة لا تستحق الإشارة. حتى في المسائل التصنيعية والتحويلية لم تصل القدرة إلى نسبة الكمال الرقمي العربي. فالكمال ليس من صنع البشر. حتى شركات الأدوية تكون حذرة في تقديم نفسها، فهي تضع لائحة من العوارض الجانبية المحتملة التي قد تصيب بعض الناس من بين الملايين.

... إلا الرقم «العربي» الرسمي بامتياز. فهذا الرقم (النسبي) كان دائما يتقدم في وقت تواصل فيه الأمة تخلفها وتراجعها. ومع كل خطوة إلى الوراء كانت النسبة تتقدم رقميا إلى الأمام وأحيانا كثيرة إلى الأعلى، والأعلى، والأعلى.

... ووصلنا أخيرا إلى أعلى القمة. لم يعد أمامنا أي جزء من الجزء... قضينا على الأجزاء كلها وأعدنا توحيدها في رقم صحيح مئة في المئة. وصلنا إلى نهاية النهاية وأقفلنا الدائرة من الجهات كلها. فبعد القمة، كما يقول المثال الفلسفي، هناك النزول، الهبوط، والسقوط. فنهاية القمة هي بداية الوادي. وبعد الصعود هناك الهبوط... أو على الأقل لابد من الهبوط.

ولكن بما أننا نحن شعوب أنظمة الأمة نعيش فترة فاقت كل المعجزات... لماذا لا نتوقع المستحيل؟ لماذا لا نضع نصب أعيننا احتمال مواصلة التقدم النسبي في تعزيز ريادة الرقم العربي؟ لماذا نسقط احتمال 101 في المئة، وبعده ربما 102 في المئة.

هل في الأمر ما يدهش؟ فمن لا يستغرب الرقم 100 في المئة؟ لماذا نطلب منه استغراب الفوز في البيعة المقبلة بنسبة نظن أنها من الخيال، بينما هي في أمر الواقع 101 في المئة؟

... مبروك

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً