استعرض رئيس قسم الترميم بهيئة البحرين للثقافة والآثار سلمان المحاري، التكوين المعماري
لـ 5 مدن دلمونية، أظهرت ما أسماه «تقسيماً حضريّاً، وبناء مميزين، بلحاظ عودتهما في أقدم المدن لما يزيد على الـ 4 آلاف عام».
وشمل حديث المحاري، 4 مدن دلمونية في موقع قلعة البحرين، والمدينة الشمالية في موقع سار، متضمناً قوله إن «مباني المدن امتازت بتقنيات عظيمة، من بين ذلك استخدام مادة (القار) لطلاء أسفل المباني لحمايتها من الرطوبة، وفي السقف كعازل للأمطار، بالإضافة لوجود نظام للمراحيض ومياه الصرف الصحي «أنشئ بتقنية عالية».
بموازاة ذلك، تطرق المحاري لبعض من ملامح الحياة التجارية والصناعية للدلمونيين، حتى ذهب للقول إن المدن الدلمونية كانت تضم ما يشبه (إدارة الجمارك)، في إشارة منه للأوزان المكتشفة والتي تتعلق بتنظيم الصادرات والواردات، مؤكداً في الوقت ذاته أن مدن دلمون في البحرين، تضم أقدم مدبستين، يرجح أنهما كذلك على مستوى العالم، بالإضافة لأفران صهر النحاس وإنتاج السبائك النحاسية وتشكيلها في الورش الموجودة بجانب قصر (أوبري)».
جاء ذلك، في محاضرته التي ألقاها مساء أمس الأول الثلثاء (3 يناير/ كانون الثاني2017)، بمتحف قلعة البحرين، والتي جاءت تحت عنوان (المدن الدلمونية في مملكة البحرين: دراسة تاريخية وعمرانية).
وبدأ المحاري محاضرته، بالتأكيد على أن البحرين لم تكن مقبرة على رغم وجود نحو 80 ألف تل من تلال المدافن فيها، مستدلاً على ذلك بوجود مواقع للاستيطان البشري في فترة دلمون.
«بلاوي» في «قلعة البحرين»
عن موقع قلعة البحرين، الموصوف من قبل المحاري بعاصمة دلمون والميناء القديم والذي لو نقب عنه بالكامل لاكتشفت «البلاوي»، قال المحاضر: «ما يهمنا لحظة الحديث عن موقع قلعة البحرين، هو التطرق لفترة دلمون أو المدن الدلمونية الموجودة في الموقع، تحديداً في مساحة تبلغ 70 مترا مربعا، وهي المساحة التي تم التنقيب فيها في الموقع».
وأضاف «بدأت أعمال التنقيب من قبل البعثة الدنماركية في الخمسينيات، وما تم العثور عليه بالنسبة لحضارة دلمون هو 4 مدن دلمونية، المدينتان الأولى والثانية تعودان لفترة دلمون المبكرة، والثالثة لفترة دلمون المتوسطة، أما الرابعة فتعود لفترة دلمون المتأخرة».
وتابع «بدأت المدينة الاولى بشكل بسيط في الموقع. تطل على البحر واستفادت منه ولربما كان البحر سبب وجودها في هذا المكان. بدأت بتجمع سكاني بشري صغير كان يعتمد على صيد الأسماك وتجارة اللؤلؤ وبعض أنواع التجارة البسيطة، وبحسب المكتشفات الأثرية فإن أقدم استيطان بشري يعود لـ 2200 قبل الميلاد. كانت المنازل جدا بسيطة والطرق غير معبدة».
وأردف «التنقيبات الأثرية التي امتدت لعمق 5 أمتار، وصلت لطبقة الفروش الموجودة في أسفل شواطئ البحر في سواحل البحرين، مما يدل على انه في فترة من الفترات كان هناك خليج، أو يمكن القول إن البحر كان متداخلا في هذه المنطقة مع اليابسة، لكن مع انحسار الماء بدأ سكان البحرين القدامى بإنشاء مدينة لهم في هذه المنطقة».
الثانية بعد حرق الأولى
بعد ذلك، تطرق المحاري للمدينة الدلمونية الثانية في موقع قلعة البحرين، فقال: «بعد نحو 250 عاما من إنشاء المدينة الأولى تعرضت المدينة للحرق والتخريب بحسب ما عثر عليه من بقايا محروقات، وبعد فترة معينة تم هجر الموقع وجاء السكان مرة ثانية لإنشاء المدينة الثانية، وبمجرد بناء المدينة الثانية بدأوا بتحصينها بسور خارجي محصن كبير جداً يبلغ عرضه ما بين مترين ونصف إلى 3 أمتار»، مضيفاً «بمجرد قرار السكن بإنشاء السور فهو دليل على أن الحريق الذي تعرضت له المدينة الاولى، ربما يكون بواسطة عدوان خارجي ما أدى لإحراقها».
وتابع «تمثل المدينة الثانية قمة ازدهار حضارة دلمون (الأمر كذلك بالنسبة للمدينة الرابعة)، وفي المدينة الثانية كان الميناء نشطا جداً»، مشيراً إلى أن الجدار الموجود هو جدار المدينة الذي تم الكشف عنه، وبالقرب منه توجد بوابة يعتقد أنها البوابة الرئيسية التي كانت متصلة بالميناء».
وأردف «عثر عند هذه البوابة على كمية من الأختام الدلمونية ومجموعة من الأوزان كروية الشكل (دلمونية) والاسطوانية (من بلاد الرافدين)، والمكعبات (من وادي السند)، وتدلل هذه الأوزان على وجود نشاط تجاري، لتمثل دلائل قاطعة على صلات تجارية بين تلك الثلاث حضارات وأن هناك، بما معناه، إدارة جمارك عند هذه البوابة لوزن الصادرات والواردات».
ونوه المحاري بعمران المدينة الثانية، وقال: «استخدم فيها نوعان من الجدران، نوع أول ويطلق عليها (الدبش) والتي استخدمت فيها احجار غير مستوية الأوجه، أما النوع الثاني من الجدران فاستخدم في المدينتين الثانية والرابعة، ويأخذ في شكله الداخلي مبني من احجار غير مستوية فيما يكون الشكل الخارجي بأحجار مستوية الأوجه تظهر جمال تلك المباني».
وعقب «بزيارة المنطقة المركزية للتنقيبات، الجزء الوحيد الذي يمكن تمييزه وإرجاعه لفترة دلمون المبكرة أو المدينة الثانية هو المبنى الذي أطلق عليه الدنماركيون رقم (1)، وهو مبنى يتوسطه فناء مكشوف وعلى جانبيه مجموعة من الغرف، 4 من الجانب الشمالي، و4 من الجانب الجنوبي، ووجميعها كانت أرضياتها مبلطة وكذلك كانت الشوارع أو الممرات التي تعود لهذه الفترة».
الثالثة: عوازل الأمطار والرطوبة
لم يحدث تغيير كبير في هذه الفترة (المدينة الدلمونية الثالثة في موقع قلعة البحرين)، وذلك وفقاً لقول المحاري، مردفاً ذلك بالقول «إنما الذين جاءوا في هذه الفترة والذين يطلق عليهم الكاشيين من بلاد الرافدين، فكل ما عملوه في هذه الفترة هو إعادة استخدام المباني الموجودة، فأبقوا على التحصينات لكن أضافوا بعض العناصر المميزة».
وأضاف «استخدموا (القار) في طلاء أسفل المباني لحمايتها من الرطوبة، وبتحليله كميائياً ومقارنته بالقار الموجود في الحضارات المجاورة، وجد ان استيراده من العراق (بلاد الرافدين)، بينما وجد أن (القار) الذي استخدم في بعض الأحيان في موقع سار، تم جلبه من بلاد فارس، وما تم جلبه من بلاد الرافدين استخدم أيضاً كعوازل للامطار في الأسقف».
وواصل المحاري سرده عناصر البناء في المدينة الثالثة: «العنصر المميز الثاني في هذه المدينة، هو العثور على كمية من الأحجار ذات اللون الأحمر الغامق، وبتحليلها وجد أن التكوين الأساسي لها هو أكاسيد الحديد، وتعتبر هذه الأخيرة المادة الأساسية التي استخدمت في جميع الفترات التاريخية منذ دلمون المتوسطة الى الفترات الاسلامية المتأخرة حيث كان اللون المميز المستخدم في الآثار هو اللون الأحمر المستخرج من تلك الأحجار، ونلاحظه في شواهد القبور في فترة تايلوس وفي الفترة الإسلامية وكذلك بعض النقوشات في مسجد الخميس».
وأضاف «عنصر أساسي ثالث تم العثور عليه بالنسبة للمدينة الثالثة، أنه تم العثور على مدبستين هما أقدم المدابس في البحرين وقد تكونان الأقدم في المنطقة وفي العالم، والمتبقية منهما مدبسة واحدة فقط بعد إزالة الأخرى».
الحريق مجدداً... والرابعة
سيناريو الحريق يعود مجدداً ليطيح بالمدينة الثالثة، وليبدأ عهد آخر المدن الدلمونية في موقع قلعة البحرين.
يوضح ذلك المحاري بالقول «تم تدمير المدينة الثالثة وتعرضت للتخريب ولحريق كبير، ولربما لهجوم خارجي أدى لتدميرها وهجرانها، وبعد نحو 500 عام جاء السكان مرة أخرى وأعادوا بناء المدينة الرابعة على أنقاض المدن القديمة»، مضيفاً «ما يميز هذه المدينة أن معظم البقايا العمرانية أو الجدران المعمارية الموجودة في الموقع، تعود لهذه الفترة (دلمون المتأخرة)».
وتابع «أشياء كثيرة كانت تميز المدينة، أولاً الممر الممتد من الشرق للغرب. كانت أرضيته مرصوفة ويؤدي في نهايته إلى بوابة ضخمة حجرية، تؤدي بدورها إلى مبنى كبير يتكون من عنصر أساسي هي صالة أو قاعة كانت يتوسطها عمودان وكانت مسقوفة، ويعتقد ان لهذا المبنى أهمية كبيرة في تلك الفترة، كما يعتقد أنه هو القصر الذي يعود للملك أوبري الذي كان على اتصال مع الملك الآشوري سرجون الثاني في بلاد الرافدين».
بناء دلموني «متعوب عليه»
ونوه المحاري بتقنيات البناء المستخدمة، واصفاً إياها بـ»العالية جداً»، معتبر أن بواية قصر أوبري تظهر عظمة البناء ونوعية الأحجار المستخدمة، وأضاف «الأحجار مشذبة (متعوب عليها)، وأرضيات جميع الغرف ممسوحة، وعلاوة على كل ذلك فإن الشيء المميز جداً العثور في منطقة صغيرة من هذه المباني على نحو 8 حمامات تتكون من مراحيض، بعض تلك المراحيض مشتركة وفيها مرحاضان أو ثلاثة، مما يدل وجود حالة رفاه وغناء بالعناصر المعمارية وازدهار اقتصادي في تلك الفترة، فكل مبنى تقريباً يوجد به حمام خاص لعوائل معينة، إضافة لما تم الكشف عنه من فرنين لصهر النحاس وإنتاج السبائك النحاسية وتشكيلها (تمت إزالة الأفران)، فكانت هناك ورش بجانب القصر لصهر النحاس وانتاج المشغولات النحاسية».
وتابع «المراحيض وأنظمة الصرف الصحي، تتضمن أنبوبا مصنوعا من الفخار المحروق، بما يدل على مدى التقنية العالية في تصريف مياه المجاري في تلك الفترة، حيث توجد فتحة تؤدي لخزان ماء لتصريف المياه أسفل أحد المباني».
بجانب ذلك، تطرق المحاري، لمكونات المدينة الدلمونية الرابعة، وتشمل المعبد في الجهة الشمالية، والذي يشابه إلى حد ما معبد موقع سار لكن كليهما يعودان لفترتين مختلفتين.
كما قال: «ما تم العثور عليه في هذه المدينة، تحديداً في القاعة الرئيسية للقصر، توابيت طينية (استخدمت لدفن البالغين) وترجع لفترة دلمون المتأخرة وقد عثر عليها في مناطق أخرى في البحرين. كذلك عثر في مبنى قصر أوبري على جرار دفن استخدمت لدفن الأطفال، كما عثر على 29 إناء من أضاحي الأفاعي (المجموع يزيد عن 50 تضم أضاحي وعظاما لثعابين تدفن كقرابين)، وبحسب تقارير للبعثات الأجنبية التي عملت في الموقع، فإن هذه الطقوس هي طقوس محلية دلمونية الأصل».
سار: دلمون «المحافظة»
واختتم المحاري محاضرته، بالتطرق للمدينة الدلمونية الشمالية في موقع سار الأثري، وقال: «تتكون هذه المدينة من عنصرين أساسيين، المستوطنة، والمدافن المتشابكة التي لها علاقة بالمستوطنة حيث استخدمت كمدافن لسكان المستوطنة (تقع المدافن بالقرب من الهايوي)».
وأضاف «ما يميز هذه المدينة هي مساحتها الكبيرة، والتي أدت لاستظهار جميع ملامح المدينة، وبناء على النتائج فإن ما يميز المدينة التي تعود لفترة دلمون المبكرة (تماثل فترة المدينتين الأولى والثانية في موقع قلعة البحرين)، هو التخطيط الحضري والعمران، والذي يدل على اهتمام ورعاية بتخطيط المدينة».
وبشأن تقسيم المدينة، أوضح المحاري «تتكون بشكل أساسي من طريق رئيسي يمتد لـ 200 متر طولاً، و5 أمتار عرضاً. لم يكن مرصوفا وهو شارع ترابي، تتفرع منه طرق جانبية ومنها تتفرع (زرانيق) أو ممرات ضيقة تؤدي لمجمعات سكنية، وهو ما يعتبر تقسيما حضريا مميزا قبل 4 آلاف سنة».
وأضاف «المصدر الوحيد للمياه هو وجود بئر ماء في الجهة الشرقية، أما عمران المدينة فيتميز ببساطة جدرانها مقارنة بعمران جدران المباني في موقع قلعة البحرين». وتابع «ضمن مرافق المدينة، غرفة تتم فيها الأنشطة اليومية من أعمال غسل وطبخ، وما نلاحظه هو مستوى (المحافظة)، وذلك من خلال غرفة المعيشة أو النوم، بحيث أن المدخل المؤدي إليها مصمم بمعزل عن الطريق الرئيسي، فلا يتم الدخول إليه بشكل مباشر، تماما كما هو موجود في الفترة الإسلامية».
وتابع وهو يستعرض أحد المنازل كأنموذج، «مثال هذا المنزل يوضح النشاط اليومي في المدينة، ففي الفناء الخارجي نلاحظ وجود تنور للطبخ ولصناعة الخبز، كما نلاحظ وجود أحجار 3 لوضع القدور عليها، ولم يتم العثور على أي طرقات مرصوفة عدا غرفة واحدة لوحظ فيها استخدام أرضية بطبقة من الجص».
وبشأن المعبد، قال المحاري: «عند أعلى نقطة في الموقع، يوجد المعبد وهذا دليل على أهمية المبنى الذي استخدم لممارسة الطقوس الدينية، والتي يعتقد أن الإله المعبود إله له علاقة بالكواكب السماوية، ربما القمر أو الشمس (نلاحظ تعامد الشمس مع محراب العبادة)»، واصفاً المعبد بـ»المسقوف بسعف النخيل، والمحتوي على غرفة جانبية يعتقد أنها مخزن أو الغرفة التي تعتبر قدس الأقداس التي يتعبد فيها الكهنة».
العدد 5234 - الأربعاء 04 يناير 2017م الموافق 06 ربيع الثاني 1438هـ
احنا في 2017 وبعض المناطق ما فيها صرف صحي
احسنت يا دكتور
محاظرة جدا قيمة ، ونشكر رحابتك في الإجابة
ننتظر الجديد
اجدادنا العظماء
هو كان وياهم يعني؟