العدد 41 - الأربعاء 16 أكتوبر 2002م الموافق 09 شعبان 1423هـ

التغيُّر في أنماط الموروث الشعبي البحريني

العولمة والانفتاح ونظام الاتصالات

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

تزايد القلق من التغير في أنماط الموروث الشعبي البحريني، دفع الكثير من منظمات المجتمع المدني ورجال الدين إلى دراسة هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع البحريني، للحفاظ على روح الأسرة البحرينية المتماسكة وموروثها الشعبي. في حديث جمعني ببعض المختصين في هذا المجال وأصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء الإسلاميين في البحرين، تطرقنا إلى موضوع العولمة الثقافية وأثرها على الموروث الشعبي البحريني، وكيفية تفادي مؤثراتها على الدين والعقيدة والتراث والتقاليد والعرف الاجتماعي، على ذلك الأساس لابد من دراسة هذه الظاهرة علميا ووضع الحلول الناجعة لها، لحماية الموروث الشعبي البحريني والحفاظ على أصالته باعتباره مخزونا تاريخيا للأجيال المقبلة.

الموروث الشعبي البحريني قد يكون عرضة للزوال بسبب عدم قدرته على مقاومة تيارات العولمة المؤثرة والموجعة، وقبل الخوض في غياهب مضمون الموروث الشعبي يجب توضيح مفهومه للعموم:

الموروث الشعبي يعتبر مركبا من رواسب التاريخ والعرف والعادات والتقاليد والتراث والثقافة التي ترثها الاجيال عن بعضها بعضا.

عدة فلاسفة درسوا جيدا الموروث الشعبي. من الفلاسفة العرب ابن خلدون الذي وفّى الموضوع دراسة وتحليلا في عدة فصول من مقدمته ربط الموروث الشعبي العربي والاسلامي بمفهوم الفكر الاسلامي ككل واعتبره قاعدة للموروث الشعبي للشعوب الاسلامية في جميع الاقطار، مؤكدا ان الاسلام وحد العقيدة والتراث والعادات والتقاليد في البلدان الاسلامية والتي توارثتها الاجيال.

أما الفلاسفة والمفكرون الغربيون الذين درسوا الموروث الشعبي فمعظمهم من المدرسة الاجتماعية الألمانية، إلا أن الفيلسوف الذي وضع قواعد صحيحة لمفهوم الموروث الشعبي هو الفرنسي مايكل فوكالت (1926-1984).

وصل فوكالت إلى نتيجة مفادها ان التراث الذي يتحول من جيل الى آخر كالأعمال الفنية، الأنشطة الثقافية، العرف والعادات التي يتوارثها هذا الجيل من الجيل الماضي كأصالة الفن المعماري القديم او القطع الفنية النادرة او الحرف اليدوية المتوارثة أبا عن جد، بالإضافة الى الثقافة ومصادرها: الدين، الادب، الفن، والموسيقى. العادات والعرف: ومصادرها التقاليد المعترف بها والمقبولة من المجتمع وهي تحكم تصرف الفرد في مجتمعه طبقا لتلك المفاهيم هذه العناصر مجتمعة تشكل موروثا شعبيا لأية أمة.

العولمة والمتغيرات العالمية

العولمة التي ارتبط مفهومها بالمتغيرات الدولية الفائقة السرعة التي يجتازها العالم، وواقع مؤثراتها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، ومؤثرات الاتصالات الحديثة وظاهرة انتشار وحيوية الإنترنت والفضائيات باعتبارها عاملا أساسيا للعولمة الثقافية، أحدثت بلا شك تغييرا في نهج الموروث الشعبي في كل بلد من بلدان العالم.

عندما ظهر الكاتب العالمي مارشال ماكلوهان العام 1994 بفكرة «القرية الكونية» لم يصدق الباحثون أن تلك الفكرة ستتحقق تدريجيا بعد نجاح عملية الانفتاح الاقتصادي العالمي. فكرة ماكلوهان جسَّدت حقيقة قيام المجتمع الدولي الذي نسمع عنه كثيرا في قالب النظام العالمي الجديد. لاشك في ان العالم الآن في طريقه إلى تطبيق الأجزاء الأصح لفكرة النظام العالمي الجديد، فنجد على أرض الواقع الاندماج العالمي ضمن طراز جديد من التفاعلات والصفقات التي تحدث بين الهيئات والمؤسسات الوطنية والمنظمات المتعددة الأطراف والشركات عبر الوطنية.

التأثر المتبادل بين الموروث والتحول

التحول الاقتصادي المذهل لبلدان العالم وخصوصا النامية منها وضع بصماته على انثروبولوجيا مجتمعات حضارية عريقة وقديمة ومتأصلة كالمجتمع البحريني الذي شهد تطورا ملحوظا بفضل تأثره بتيارات العولمة. وبظهور سياسات عالمية جديدة تتميز بتزايد الاعتماد المتبادل على التعاون الاقتصادي العالمي المشترك وتكوِّن ما يسمى بالمصانع العالمية. نتج عن ذلك دمج كبرى الشركات العالمية وقيام شركات صناعية عملاقة وخصوصا تلك التي ترتبط بخط إنتاج واحد، وقد شهدنا هذا الدمج في قطاعات صناعة النفط والسيارات والالكترونات المتقدمة والأدوية.

هذه التطورات الصناعية أدخلت البحرين إلى عالم الانفتاح الاقتصادي العالمي، بجلب رؤوس الأموال الاستثمارية العالمية، وقيام المشروعات الاستثمارية عبر الوطنية المشتركة، واتساع رقعة المناطق الصناعية، والمناطق التجارية الحرة، ونتج عن هذه العملية ما يعرف باختلاط الثقافات.

من انعكاسات هذه التطورات على الفرد البحريني ارتفاع مستوى دخله، ومن المؤثرات السلبية على المجتمع البحريني، التغير الواضح على النظام الأسري وتفكك الأسرة نظرا إلى سعي الفرد إلى تحقيق الاستقلالية والتفكير الفردي في الانفصال عن نمط أسرته الحياتية التي كان يعتمد عليها في السابق، والتحوّل من نظام التعدد الأسري المشترك لأسر القبيلة أو العشيرة إلى نظام الأسرة الواحدة المستقلة ذاتيا.

هذا التحول تبعه تحوّل آخر مغاير لروح ونستولجيا الموروث الشعبي البحريني اكتسب النمط الآتي:

1- السعي إلى التحصيل العلمي العالي للمنافسة على أعلى المناصب الوظيفية.

2- تطور عادات الزواج وتحرر الفرد من قيود الموروث الشعبي.

3- تطور الذوق العام بما في ذلك مواكبة التطور المعيشي العالمي كالرغبة في الحصول على مزيد من الكماليات في مجتمع استهلاكي، بالإضافة إلى تغير الذوق العام في المسكن والمأكل والملبس.

4- تطور التوعية الدينية بتطبيق أحدث وسائل التكنولوجيا المعلوماتية والإعلامية واستخدام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، مما نتج عنه توسيع آفاق الفكر الديني المتسامح.

5- تطور المؤسسات التعليمية والتثقيفية بوضع برامج لإعداد الموارد البشرية، ساهم بشكل مباشر في رفع مستوى معيشة الفرد والتحول إلى حضارة القرية الكونية.

6- تطور المنشآت الحضارية والعمرانية رفع من مستوى الذّوق العام، فأصبح المجتمع البحريني يُقبل على التسوق في أحدث المجمعات التجارية الراقية المشابهة للنمط الأميركي، مثل: مجمعي السيف والعالي، التي توفر كل تسهيلات التسوق الراقي والحديث لارضاء الذوق العام المتطور بفضل مؤثرات العولمة.

7- انتشار النمط المعيشي الأميركي (أميركانيزيشن) كارتياد مطاعم الوجبات السريعة الأميركية (فاست فوود) مثال: ماكدونالدز وديري كوين وغيرهما، عادات قضاء السهرة في المطاعم الفاخرة، وحضور المهرجانات والحفلات المسيقية والسينمائية والعروض المسرحية والنوادي الليلية.

8- انتشار بطاقات الائتمان المعترف بها عالميا فضلا عن ظهور الأسواق المالية العالمية التي تتدفق إليها بلايين الدولارات من أموال الاستثمار في العالم، بالإضافة إلى حركة تداول العملات العالمية مثل الدولار والاسترليني والمارك الألماني والفرنك السويسري والين الياباني، جنبا إلى جنب مع العملة الوطنية الدينار البحريني، خلق انفتاحا لدى التاجر والمستثمر البحريني، الذي غيَّر أسلوب حياته لكي يتلاءم مع مظاهر الثراء العالمي، كامتلاك اليخوت والمزارع الشاسعة والمنتجعات الساحلية الفخمة، بالإضافة إلى انتشار المدارس الخاصة والنوادي والجمعيات الاجتماعية العالمية الخاصة المحدودة العضوية.

9- العولمة الاقتصادية أيضا خلقت مجتمعا رأسماليا منفتحا على العالم، هذا الواقع سهل اندماج الفرد البحريني في الشعوب الأخرى ومشاركته في فعاليات المؤتمرات والمعارض المهنية والتخصصية والعروض الفنية والرياضية والثقافية العالمية.

ثورة الاتصالات

ثورة الاتصالات هي التي عزّزت دور العولمة في التأثير على الموروث الشعبي البحريني. لا مجال للشك في أن ثورة الاتصالات أحدثت طفرة حضارية عالمية عرفت بحضارات الشعوب وثقافتها وساهمت بتضييق هوّة الخلافات والفوارق بين شعوب الأرض وبتخفيف حدة معاناة الشعوب من الحروب العالمية والاقليمية، وأصبحت الشعوب أكثر تجانسا ثقافيا وحضاريا، العولمة طرقت أيضا مجال البيئة وأظهرت ثقافات المخاطر العالمية، مثل مخاطر الكوارث البيئية وانتشار الوعي البيئي بين شعوب الأرض والتعاون الكوني للحفاظ على بيئة الأرض والتغلب على ظاهرة انتشار مرض الإيدز وظاهرة تآكل طبقة الأوزون، بالإضافة إلى التعاون الدولي في المجالات التي لا تستطيع دولة واحدة تحقيقها منفردة.

نتائج التغير

في أنماط الموروث

لابد لكل فعل رد فعل. فالتطور الحضاري المذهل الذي شهده المجتمع البحرين أحدث نقلة نوعية في أخلاقيات الناس نظرا إلى اندثار الكثير من مقومات الموروث الشعبي البحريني، منها على سبيل المثال:

الخلق الديني: كان الخلق الديني هو الواعز الأكبر لانضباط الفرد أدبيا تجاه أسرته ومجتمعه، فكان التعامل بين الأفراد أكثر صدقا ووفاء وكرما وسخاء. خلق الإسلام يدعو إلى العمل الخيري الجماعي لمساعدة المحتاجين والفقراء وأهل السبيل. الدين كان رادعا للفرد حتى لا يرتكب المعصية لذلك كانت الأخلاق في المجتمع البحريني أهم بكثير من الفكر المادي والنمط المادي لمعيشة الفرد الذي يعتبره المجتمع منتهى الأنانية، كما انه أفقد الفرد البحريني الكثير من بساطته وطيبته.

العادات: التغير في العادات الحميدة ملحوظ في المجتمع البحريني. غاب العمل الجماعي المشترك، وعادات التعاضد والتزاور والمحبة بين الناس، مثال: اجتماع أفراد العائلة أو العشيرة، مؤازرة الجار لجاره، غياب مجتمع الحارة (الفريج) المتعاضد. ليس هذا فحسب، بل ان التغيير الملحوظ في العادات الرمضانية في البحرين ودول الخليج يعزى لتأثر هذه المجتمعات بتيارات العولمة، مثلا: انتشار الخيم الرمضانية الضخمة وإقامة الحفلات اليومية بها عادة غربية منتشرة في معظم المدن الألمانية. كما ان غياب ظاهرة المسحر في رمضان ربما يؤدي في الوقت نفسه، إلى غياب ظواهر رمضانية حميدة أخرى كتوزيع المأكولات والحلويات على المعارف والجيران والفقراء والمحتاجين، أو إلى غياب مدفع الإفطار وبقية العادات الرمضانية الحميدة المتوارثة التي كانت أساسا للبهجة الرمضانية.

التقاليد: التحوّل شمل الكثير من التقاليد التي كان يعتزّ بها المجتمع البحريني، مثال: التغيير في تقاليد الزواج. في الماضي كان جميع أفراد الحي يشاركون في احتفالات إحدى عائلات الفريج بزواج ابنهم أو ابنتهم، ويتناول جميع أفراد الفريج الحلويات والمأكولات والطعام ويشاركون في الزفاف. أما الآن فالشائع هو النمط الغربي في احتفالات الزواج من توجيه بطاقات الدعوة وإقامة الحفل في فندق كبير إلى عادة قضاء شهر العسل في أحد البلدان السياحية. وعدم التزام أفراد الأسرة الواحدة بالحضور أثناء فترات الوجبات الرئيسية الثلاث. وإلغاء نظام معيشة الأسر البحرينية المشترك المنحدرة من العائلة نفسها وكان سائدا في الخمسينات والستينات، ويدير النظام أكبر رجل في العائلة. هذا النظام كان رمزا للتضامن العائلي، إلا انه اندثر حتى في قرى البحرين.

الثقافة: هناك الكثير من المتغيرات في أوجه الثقافة البحرينية، نذكر منها على سبيل المثال، التخلي عن الأنماط القديمة والأصالة في الشعر والأدب والفن والموسيقى والفنون الشعبية التي تم تطويرها وفقدت الكثير من جيناتها وحيويتها.

العمل الوطني

إذا كيف يمكن للمجتمع البحريني تجاوز معضلة سلبيات التغير في أنماط الموروث الشعبي البحريني؟ هناك عدة طرق وأساليب للحفاظ على أصالة الموروث الشعبي البحريني، وهذا يتطلب وضع خطة عمل وطنية محكمة، عن طريق تشكيل هيئة وطنية للحفاظ على الموروث الشعبي، بمشاركة علماء بحرينيين من ذوي الاختصاص، يمثلون علماء الدين الأفاضل وأساتذة علوم الآداب والفن والشعر والتراث والاجتماع والاقتصاد والنفس.

المهمة الأساسية تكمن في وضع تصور منهجي وواقعي للحفاظ على الموروث الشعبي البحريني من أجل امتصاص التغير، وقابلا في الوقت نفسه للتطوير والتحديث لمواكبة تيارات العولمة الحديثة.

جمع عناصر الموروث الشعبي وتسجيلها في مراجع علمية لاطلاع الأجيال المقبلة عليها لتلمَّ بثقافتها على مر الزمن.

إعداد مناهج تعليمية متخصصة عن الموروث الشعبي البحريني لتدريسها في المدارس والمعاهد والجامعات والجمعيات الثقافية والفنية

العدد 41 - الأربعاء 16 أكتوبر 2002م الموافق 09 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً