انفجار جزيرة بالي السياحية في اندونيسيا ليس النهاية. الانفجار هو بداية النفق الذي ستدخل منه مختلف القوى الدولية والاقليمية صاحبة المصلحة المشتركة في تطويق الاسلام الذي عرف قبل أكثر من ألف سنة مداخل جزر (عشرات الآلاف) الهندو- الصينية ومخارجها وأثبت مواقعه البشرية والثقافية انطلاقا من صلات التجارة والمصاهرة.
تلك الجزر لم تعرف الفتح بل تعرفت على الاسلام من خلال العلاقات الانسانية الطيبة والتسامح والسمو على الصغائر.
ومن تلك المنافذ الخاصة اخترق الاسلام البنية التقليدية لتلك الثقافات والحضارات الغارقة في قدمها ونجح في إعادة تركيب نسيجها الاجتماعي وادراجه في سياق انساني مشترك.
استمر الوضع على ما هو عليه الى أن دخلت اوروبا على الخط. قبل الاكتشافات الجغرافية التي تطورت تصاعديا من مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، لم تكن آسيا تعرف الشيء الكثير عن المسيحية. كان الاسلام هو الحاجز والوسيط في آن. وكان الاسلام هو مدخل أوروبا إلى آسيا وهو المهيمن على طريق الحرير والتجارة القديمة.
الاكتشافات الجغرافية قلبت المعادلة. آنذاك بحثت أوروبا عن طريق إلى الصين والهند لا يمر بالديار الإسلامية. وبسبب فشل حروب الفرنجة (الصليبية) ضغطت الحاجة على الدول الأوروبية للبحث عن طريق آخر. فكانت تجربة البحث البحري والدوران حول إفريقيا وبعدها الوصول إلى العالم الجديد.
آنذاك كان العالم الاسلامي بدأ يمر في أزمة اقتصادية، فتحول خطوط التجارة القديمة اسهم في تراجع المواصلات البحرية في المتوسط ونقل ثقل التجارة الدولية إلى المحيطين الاطلسي (اميركا) والهندي. وبدأ منذ تلك الفترة تراجع العالم الاسلامي وتقدم الغرب.
واستمر التراجع/ التقدم. ومقابل كل خطوة يتقدمها الغرب كان العالم الاسلامي يتراجع خطوة إلى ان شهد المواجهة في حديقته الخلفية.
حديقة العالم الاسلامي الخلفية آنذاك كانت آسيا، فهي عمقه الاستراتيجي المائي - البشري. ونجحت بريطانيا في اضعاف المسلمين والاقتصاص من نفوذهم في ماليزيا (الملايو) واندونيسيا والهند، بعدها انتقلت إلى دارهم في اليمن (عدن) والخليج وايران والعراق ومصر... الخ.
المعركة اذا بدأت في جنوب شرقي آسيا (الهندو - الصينية) ومن هناك تقلصت مساحة العالم الاسلامي الجغرافية حتى وصلت خطوة خطوة إلى فلسطين.
وبقي الاسلام هو القوة التاريخية الضاربة في قلب المنطقة ولم تنجح المحاولات السياسية في اقتلاعه على رغم سنوات العزلة والانقطاع. أحيانا حاولت بريطانيا وبعدها اميركا استخدامه في معاركها الخاصة كما حصل مرارا في الهند وماليزيا واندونيسيا إلا ان الثقافة الاسلامية كانت تنهض مجددا بعد فترة هبوط او انكفاء.
استمر الوضع من دون حسم حتى في ظل الهيمنة الاميركية سياسيا على معظم مناطق جنوب شرقي آسيا. فالمعركة التي خاضتها واشنطن ضد موسكو وبكين املت عليها استراتيجية متوازنة خصوصا عندما فشلت في تثبيت مواقعها في فيتنام ولاوس وكمبوديا. فالهزائم المتتالية فرضت عليها قراءة مختلفة بعد معارك عنيفة مع الشعوب الآسيوية اورثتها إياها بريطانيا أحيانا وفرنسا أحيانا أخرى. وقررت واشنطن الانسحاب.
اهتزت الاستراتيجية الاميركية قليلا بعد سقوط شاه إيران والغزو السوفياتي لأفغانستان في نهاية السبعينات إلا انها استمرت في احتواء الخطر الشيوعي «عن بعد» ومن طريق دعم الدول المسلمة لمواجهته. كذلك واصلت تعزيز الاقتصادات الآسيوية النامية (النمور الآسيوية) ودعمها لتواجه الخطر الشيوعي بالرفاهية الاستهلاكية والمال.
إلا ان الدعم الاميركي واجه في نهاية حقبة «الحرب الباردة» اكثر من مشكلة. الاولى الفراغ الأمني في آسيا الوسطى الذي نشأ بعد الانسحاب السوفياتي من افغانستان وانهيار الاتحاد وتفكك جمهورياته الجنوبية. الثانية نمو قوة الاسلاميين من إيران إلى ماليزيا واندونيسيا. الثالثة انسحاب بريطانيا من هونغ كونغ في العام 1996 وما تلاه من انهيارات اقتصادية في دول النمور الآسيوية.
هذه العناصر الثلاثة شكلت اختراقات للاستراتيجية الاميركية في فترة بدأت واشنطن تعيد النظر في لائحة اولوياتها. ولا شك في ان التعاطي مع الاسلام سيختلف هذه المرة عن الفترة السابقة. سابقا كانت المعركة معه مؤجلة أو مجمدة بينما الآن يحتل الاسلام رأس قائمة الاعداء.
فهل تكون جزيرة بالي هي المدخل؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 41 - الأربعاء 16 أكتوبر 2002م الموافق 09 شعبان 1423هـ