العدد 5232 - الإثنين 02 يناير 2017م الموافق 04 ربيع الثاني 1438هـ

راشد نجم: ثقافة التراث في الخليج أمام محك واختبار صعب

تناول مبررات التنقيب عن «كنوز إبداعاتها»...

راشد نجم يتحدث حول ثقافة التراث في أسرة الأدباء والكتاب
راشد نجم يتحدث حول ثقافة التراث في أسرة الأدباء والكتاب

تحت عنوان «هاجس البقاء»، ذهب نائب رئيس أسرة الأدباء والكتاب راشد نجم إلى الحديث عن مبررات كثيرة تدفع دول الخليج العربي للتنقيب عن تراثها والكشف عن كنوز إبداعاته، وإعادة إضاءة فضاءات تاريخها التي حجبتها غيوم بعد المسافات الزمنية بين الحاضر والماضي.

وتناول في محاضرة بعنوان «ثقافة التراث في دول الخليج العربي بين استدعاءات الماضي واستحقاقات المعاصرة» قدمها في مقر أسرة الأدباء والكتاب بمنطقة الزنج مساء الأربعاء (28 ديسمبر/ كانون الأول2016) بإدارة عضو الأسرة عيسى هجرس بعض تحولات شغلت شعوب هذه المنطقة في مجال التنمية والمعاصرة بعد اكتشاف النفط، لافتًا إلى جملة من الالتفاتات التي يجب استدعاؤها بدأها بتجسيد الهوية الوطنية، وفي هذا الإطار، أوضح أهمية الحفاظ على الهوية في وجه التيارات الثقافية المعاصرة التي تتهدد ثقافات الشعوب النامية بابتلاعها او تشويهها أو التعتيم عليها، أو افقادها العناصر الحية فيها، وبالتالي برمجة هذه الشعوب على أنها مجرد أعداد بشرية مجردة من العطاء والإبداع والتفكير وإبداء الرأي بهدف فرض ثقافة التقليد والتلقي والاستهلاك عليها.

أما ضمن الاعتزاز بالانتماء القومي والعربي، فقال نجم أن التاريخ والتراث هما اللذان يمنحان أي جماعة إنسانية عراقتها وأصالتها وعمق تجربتها وغناها، وبالتالي اتساع مساحتها الزمانية والمكانية، ولهذا ذهب في حديثه حول استثمار التراث إلى أنه -أي التراث- ثروة اقتصادية يمكن استغلالها في مجالات وفعاليات معاصرة مثل: الهندسة المعمارية والبناء والاثاث واللباس والسياحة والأدوات والإبداعات الفنية الأخرى، إضافة إلى كونه يشكل العنصر الأساس لكثير من المهرجانات السياحية والفنية.

بمعزل عن العواطف

ومنح نجم مساحة كبيرة للحديث عن الواقع، فأكد على أن ثقافة التراث في دولنا الخليجية أمام محك واختبار صعب يتطلب من الجميع الاعتماد على الأسس المعرفية والموضوعية للأمور بمعزل عن العواطف التي قد تدفعنا إلى قرارات ربما تضر هذه الثقافة بدلًا من ترسيخ بنيتها داخل المجتمعات، والفصل بين ما هو تقليدي محلي، وبين ما هو وافد وطارئ على هذه المجتمعات كي تنجلي الصورة الحقيقية للأمور أمام الجيل المعاصر والأجيال القادمة، إلا أنه أومأ إلى تعريف التراث بالقول أنه كل ما أفرزه الماضي من إفرازات، ضارة ونافعة، ولايزال لها أثرها الفعال في مسلكنا ومعتقداتنا وأسلوب معيشتنا ونظرتنا إلى الحياة، وأن مجموع ما خلفته قرائح الأقدمين وصفوة الأسلاف من فكر وعلم وفن ونمط عيش وفنون حضارة مما يمكن لجيلها الحالي الإفادة منه، والاستعانة به على حل ما يواجه من مشكلات وتحديات، في حين عرف «الثقافة» بأنها انعكاس للمستوى الحضاري لأي أمة أو بلد؛ وهي نتاج فهم الإنسان لتراثه، ودينه، وتفاعله الاجتماعي والمادي في كل مرحلة من مراحل تاريخه على صعيد الفرد وصعيد المجموعة، ويتضمن هذا الناتج عناصر وأبعادًا روحية وفكرية وأدوات تقنية ويشمل القيم والتقاليد وأعراف التصرف وأنماط الحياة والفنون، والأدب وأشكالاً متنوعة من الإبداع.

فضاءات التغيير المتنوعة

وماذا عن «التغير الاجتماعي»؟ هنا، انتقل نجم إلى شرحه باعتباره انتقال من حال الى حال أخرى انتقالاً يؤثر على العملية التي تقوم بها البنية موضع التغيّر أو يؤثر على العملية والبنية معًا، مما يلزم التأكيد على حقيقة أن التغيّر هو حصيلة تفاعل الأشياء ذلك التفاعل الذي يتسم بالتعقيد الشديد ولهذا اختلفت الآراء في شأن تفسيره.

وذكر أن أهم محرك لهذا التغيّر الاجتماعي الكبير في دول الخليج العربي هو اكتشاف النفط في سنوات متقاربة في المنطقة ما أحدث تأثيراً واضحاً في نمط الحياة وطرق العمل والنمو الاقتصادي وما صاحبه من تغييرات جذرية في الحياة الاجتماعية والسلوك العام، أما التغير المفاجئ فهي الطفرات التي حدثت في بعض مجتمعات الخليج بشكل مفاجئ ودون مقدمات سابقة، مثال ذلك ما حدث في مجتمعات الكويت والامارات وقطر نتيجة ارتفاع دخل الفرد المفاجئ، والتحولات السريعة والمتلاحقة التي غيّرت ملامح المجتمع، وما صاحب ذلك من تغيير عمراني وحضري واكبه تغيّر اجتماعي وثقافي.

وبسبب النفط ولكن بشكل تدريجي وتطوري تماشى الى حد كبير مع أسلوب الحياة السائد في مجتمع الخليج وتناغم بشكل أو بآخر مع طبيعة الأحداث والنمو التدريجي للتحولات، ويعزى ذلك الى أن دخل الفرد تحسن بشكل ملحوظ ولكن دون ارتفاعات هائلة أوجدت طفرات اجتماعية تخلق تحولات مفاجئة، مثال ذلك في مجتمعي عمان والبحرين. فالتغير في هذين المجتمعين حدث بأقل هرولة وأبطأ تأثيراً بفعل النفط، أما فضاء التغيير البيئي، فهو ذلك الذي أحدثته مكونات البيئة الطبيعة من مناخ وموقع جغرافي وموارد طبيعية، من تأثير على الحياة الاجتماعية حيث تكونت كثافة سكانية في مناطق دون أخرى ساهمت في التأثير على نمط الإنتاج وعلى التنظيم الاجتماعي لهذه التكوينات فخلقت تنويعات ثقافية وتراثية كانت بعضها سريعة التأثر نحو التغيير في حين صمد البعض الآخر على مضض من قسوة الوقت.

نموذج يغير ملامح الماضي

وفي ميدان حديثه عن فضاء التغيير السياسي أشار نجم إلى أن اكتشاف النفط أوجد في المنطقة طبقة جديدة في المجتمع وهي الطبقة الوسطى من المتعلمين وأصحاب المناصب ورجال الأعمال وغيرهم ممن مكنتهم الصناعة النفطية من التطلع الى المشاركة في إدارة شئون الدولة من خلال العمل في الوزارات الحكومية والقطاع الخاص، وكان لقربهم من صناع القرار تأثير قوي ومباشر في إحداث أو مقاومة التغير الاجتماعي، فهم الطبقة التي ترسم السياسات وتضع خطط التنمية والإصلاح في هذه الدول، في حين أن فضاء التغيير العالمي جاء من خلال التحول الثقافي العالمي وهو في مجموعه أنماطاً جديدة للثقافة تتسم بأنها حتمية للاتصال والتفاعل مع ثقافة العولمة بجميع مزاياها واستلاباتها، على كل الصعد النظرية منها والعملية القائمة على مبدأ دمج الأصالة مع الطابع المعاصر لخلق نموذج جديد سيغير ملامح الماضي مع تراكم الحقب الزمنية.

نتيجة كارثية!

وخلص إلى أن التأكيد على أن الأصالة والمعاصرة كمفهومين ليسا على طرفي نقيض، فلكل منهما نبع معرفي مختلف وهدف مختلف، فهما متكاملان في البنى الثقافية ولا وجود لأحدهما من دون الآخر، هذا لا يعني ان تكون حياتنا نمطاً تراثياً، ذلك أنه من المستحيل إرجاع عقارب الزمن الى الوراء، وإنما ثمة إمكانية معقولة لحياة معاصرة ملونة بالتراث، كما أن ثقافة التراث لن تنمو وتستمر في غفلة عن أصحابها الشرعيين، أو في ظل عدم الاكتراث والاهتمام بها أو الانشغال عنها في حيثيات الحياة المعاصرة واستحقاقاتها، فالنتيجة ستكون كارثية على الأجيال القادمة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً