كل المجتمعات الإنسانية في العالم لا تخلو من الخصومات الكبيرة أو الصغيرة، سواء كانت الخصومات لأسباب اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو إنسانية، فلا يوجد مجتمع في عالمنا الإنساني خال من أي نوع من الخصومات إلا في عالم الأحلام والأمنيات. ويقال، مادامت الدنيا باقية والإنسان بمصالحه المتعددة يعيش فيها، فالخصومات غير مستبعدة في أي تجاه. هناك نوعان من الخصومات؛ خصومات عدائية وأخرى مسالمة، فالأخطر على الإنسانية إذا ما تحولت الخصومات بين الأطراف المتخاصمة إلى عداء متأصل في كل مناحي الحياة، مثل هذه الخصومات تكون خطورتها ليس لها حدود، وبسببها تتزلزل النواميس الأخلاقية والإنسانية في مختلف التعاملات والمعاملات الحياتية والتجارية، وغيرها من المعاملات التي لها العلاقة مباشرة وغير مباشرة بمصالح الناس، سواء كانت تلك المعاملات لها علاقة بالسبب الذي أدى إلى حدوث الخصومة أو ليس لها أية علاقة بها، لا من قريب ولا من بعيد.
فأما الخصومات المسالمة، فتكون دائما محصورة في دائرة الاختلاف والخصام، فإذا كان الخصام اقتصاديا على سبيل المثال، لا نجده ينسحب على الاتجاهات الأخرى، فكثير من المتخاصمين العقلاء الواعين لا يشعر أحد بخصامهم، وقد نسمع عن بعض المجتمعات التي تعيش الخصام غير العدواني أو المسالم في بعض الجوانب الاقتصادية أو السياسية، ولكن نجدها تحافظ على علاقاتها الاجتماعية والإنسانية، وخصوصا في مناسبات الأفراح والأتراح، ولا تسمح لخصامها الاقتصادي أو السياسي أن يجرها إلى الخصام العام الذي يضر بكيانها المجتمعي والإنساني. وفي بعض الأحايين تكون لقاءاتها في مثل تلك المناسبات سببا في دخولها في حوار جاد، يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء خصامها الاقتصادي أو السياسي.
فكل الخصومات في العالم، يمكن أن تنتهي أو تقل حدتها، إذا ما ذهب كل الأطراف المتخاصمة إلى الحوار أو التفاوض الجاد، الذي يناقش فيه بالتفصيل كل الأسباب والمسببات التي أدت إلى حدوث الخصام بينها، ومن أجل وصول الأطراف المتخاصمة إلى نهاية مرضية للجميع، لا بد أن تتمتع جميعها بالإرادة الكاملة في إنهاء الخصام بينها، وإذا لم تتوافر القابلية الكافية لأي طرف من أطراف الخصام، وإذا ما تقدمت الأهواء النفسية على مصلحة الوطن والمواطن، فلن تتمكن من الوصول إلى نهاية مرضية لكل الأطراف المتخاصمة.
بطبيعة الحال ان العمل على إنهاء الخصام بينها مهما كبر، أسهل بكثير من الاستمرار فيه، ومما لا شك فيه أن نتائج إنهاء الخصام ستكون لها انعكاسات إيجابية كبيرة، في كل الأبعاد، الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والخدمية، فالقطيعة بين الأطراف المتخاصمة ليس في صالحها، ولا تسهم في إنهاء الخصام بينها، في الوقت الذي يقرر الخصوم الجلوس إلى طاولة الحوار، متجردين تماما عن كل المؤثرات النفسية، ومتجلببين بالصبر والأناة والنية الصادقة على الاتفاق، تجدهم يصلون إلى اتفاق ينهي الخصومة بينهم.
في زمننا الحاضر الذي يحاط بالنكبات والخلافات والمنغصات، تكون الأطراف المتخاصمة أكثر من أي وقت تحتاج للحوار الجاد المفضي للتفاوض المثمر، فالحوار أصبح ضرورة إنسانية ملحة، ومطلبا حضاريا لا يمكننا تجاهله أو تناسيه، وخصوصا في وقت الأزمات، فإن تغييب الحوار من حياتنا، يعني انحسار المعاني الراقية للحب والتفاهم من واقعنا. ليس من الحوار التهكم والصراخ ورفع الأصوات والتشنج والعصبية، وعدم السماح للآخر بالحديث والتعبير عن رأيه، وهو ما نراه في بعض المحطات الفضائية العربية الخاصة. الحوار إذا ما أرادت الأطراف المتحاورة أن تجعله مثمرا، فيجب أن يسود الاحترام المتبادل بينها. فالحقد والضغينة والسخط والاحتقار والتعالي وعدم الاعتراف بالآخر، كلها مفسدة للحوار. واللطف والتودد والخلق الطيب والعبارات الجميلة والاستماع الجيد للآخر والالتزام بأخلاقيات وأدبيات الحديث، وعدم إبعاد النقاشات عن مسارها الحقيقي، جميعها أساليب تساعد على إنجاح الحوار بنسبة كبيرة.
نأمل أن يكون الحوار ثقافة سائدة في بلدنا، وأن يكون سبيلا لحل المشكلات والأزمات، والسبب في لمّ الشمل وتوحد وتضافر الجهود ورفعة الوطن في مختلف المجالات والميادين.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5231 - الأحد 01 يناير 2017م الموافق 03 ربيع الثاني 1438هـ
افضل موضوع قرأته اليوم وافضل طرح سمعته يا عقلاء البلد افهموا رسالة ما طرح فيه وقوموا بواجبكم واتوقع عند عدم الحوار تجلسوا مع المنتصر ويملى عليكم ما يجب تنفيده مرغمين