العدد 41 - الأربعاء 16 أكتوبر 2002م الموافق 09 شعبان 1423هـ

لا محل لغسيل الأموال في مملكة البحرين

أجرى اللقاء - عبدالحميد عبدالغفار 

16 أكتوبر 2002

قطاع الخدمات المالية هو القطاع المستهدف على المستوى العالمي بظاهرة غسيل الأموال، وقد كان أكثر القطاعات تأثراً بحوادث سبتمبر. ويعد هذا القطاع احد القطاعات الأساسية في اقتصاد مملكة البحرين، حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي 21.36 % في العام 2000، بينما انخفضت مساهمته إلى 18.7% في العام 2001.
وتحتضن المملكة 19مصرفا تجاريا، و51 مصرف اوفشور، و38 مكتبا تمثيليا، و20 شركة تأمين، 31 مصرفاً استثمارياً، و18 بيت صرافة، و6 مكاتب سمسرة، إضافة إلى مصرفين متخصصين و8 مكاتب استشارات استثمارية.
وبلغت القيمة المضافة للمشروعات المالية في مملكة البحرين حوالي 557.9 مليون دينار في العام 2001، مقارنة بـ 504.5 ملايين دينار في العام 1997، وقد شكلت القيمة المضافة للمؤسسات المالية المحلية حوالي 92.6 % مقارنة باجمالي القيمة المضافة إلى المشروعات المالية في العام 2001، مقابل 35.1٪ و 71.3%  لكل من المؤسسات المالية الخارجية وقطاع التأمين على التوالي.
وبغية سبر أحد أوجه شئون الخدمات المالية، في وقت ارتفعت فيه الحرب على ظاهرة غسيل الأموال، توجهنا إلى رئيس الشركة ومديرها العام خليل قمبر بتساؤلات استهدفت التعرف على ظاهرة غسيل الأموال وطبيعة عمل إحدى الشركات المالية العاملة في مملكة البحرين، والوقوف على طبيعة تحويلات العمالة الأجنبية من البحرين للخارج، فكان هذا اللقاء الذي طرق محاور لم تكن في حسباننا.
- هلا عرّفتنا على الشركة البحرينية الهندية العالمية للصرافة؟
* الشركة هي إحدى المؤسسات العاملة في قطاع الخدمات المالية، وقد تأسست في العام 1989 كشركة ذات مسئولية محدودة، ثم أصبحت شركة عائلية برأس مال قدرة 500 ألف دينار، وتتوزع ملكيتها إلى 15٪ لبحرينيين، مقابل 94٪ لسعوديين. وتتعامل الشركة البحرينية الهندية في بيع وشراء الأوراق المالية والشيكات السياحية وإجراء التحويلات المالية. بدأ العمل بعشرة موظفين، أما الآن فيبلغ إجمالي الموظفين 50 فردا، أما نسبة البحرنة في الشركة فتبلغ 35٪. إدارة الشركة أسندت إلى بنك الدولة الهندي ((State Bank of India الذي تملك الحكومة الهندية 60٪ من أسهمه.
- ما عدد فروع شركتكم في البحرين؟ وهل تطلعتم للتوسع في المنطقة؟
* لدينا في البحرين 5 فروع، وقد سعينا لفتح فروع للشركة في المملكة العربية السعودية، إلا أن طلبنا لم يستجب له حتى اللحظة، علما بأنه قدم إلى السلطات المعنية في سنة 1997. والحقيقة لا توجد أي مؤسسة مالية بحرينية أو خليجية في السعودية، وأنا شخصيا أجهل الأسباب في ظل الدعوات لتوحيد السوق الخليجية. أما البحرين فتستضيف مؤسسات مالية خليجية كثيرة في السوق البحرينية، منها السعودية والكويتية والإماراتية... وغيرها.
- تناقلت وكالات الإنباء نقلا عن اتحاد المصارف العربية أن تصاعد المواجهة، أو سمها الحرب على ظاهرة غسيل الأموال قد اثر بشكل كبير على المؤسسات المالية العربية، هل تدعمون ذلك القول؟
* مجمل المؤسسات المالية من دون استثناء تأثرت بالإجراءات المستجدة، وخصوصا بعد الاعتداءات على مركز التجارة العالمي. ومرجع ذلك ارتفاع تكاليف التأمين على نقل المعدات والأموال بنسبة 100٪، يضاف إلى ذلك إجراءات مكافحة غسل الأموال التي بدأت قبل الهجمات على مركز التجارة العالمي، والواقع أن العامل الأخير لعب دور المعجـّـل في تنفيذ إجراءات الرقابة الصارمة على حركة الأموال عبر بقاع العالم، وذلك في إطار ما تدعوه الإدارة الأميركية بمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره المالية، أو ما اصطلح عليه بـ : «ظاهرة غسل الأموال».
لقد ترتبت على تلك الإجراءات والرقابة الصارمة ارتفاع الجهاز الوظيفي والعُدد والأجهزة التي من شأنها رصد تفصيلات مالية لم تكن مؤسسات المال معنية بها في وقت سابق. وقد نجم عن ذلك ارتفاع كلفة التشغيل مقارنة بفترات ماضية. فعلى سبيل المثال، فرض بنك الدولة الهندي استجابة للاملاءات على المؤسسات المالية موافاته بتفصيلات عن المعاملات المالية المنجزة يوما بعد آخر، وبعضها لم يكن أصلا في الحسبان، كموافاته بالغرض من التحويل والجهة المتلقية وما إلى ذلك.
هناك أنظمة جديدة صدرت بعد أحداث سبتمبر، فعلى سبيل المثال لا تكتفي المؤسسات المالية اليوم بالسؤال عن اسم الشخص المحول للمبالغ والمحول إليه ورقم الحوالة وما إلى ذلك، بل تسأل كذلك عن الغرض من تلك التحويلات، وقدر من التفصيل لهذه الأمور ربما مس خصوصيات قد لا يرغب الزبون في الإفصاح عنها، وهذه واحده من الأمور التي أفرزتها في الواقع حوادث سبتمبر.
لمعرفة ما يترتب على ذلك من كلفة يلزم معرفة أن معاملات تحويل الأموال من شركتنا فقط باتجاه الهند وحدها تتخطى 82 ألف معاملة في الشهر الواحد، وقس على ذلك بقية المعاملات مع الهند وبقية دول العالم، وحجم الجهد في قطاع المال بوجه عام. ومن الطبيعي أن تنخفض الإرباح في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل.
- ولكن، ما هو حجم تأثر شركتكم بتلك المستجدات؟
* إن خسائر الشركة البحرينية الهندية العالمية للصرافة الناشئة عن تلك المستجدات، يمثلها انخفاض أرباح الشركة بنحو 20٪ للأشهر التسعة الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
- ما المقصود بغسل الأموال ؟ وكيف تضمن تشريعات الدول تقييد حركتها؟
* الدول التي تقيد تشريعاتها حركة انتقال الأموال النقدية عبر منافذها من والى الخارج، كالهند مثلا، يصعب فيها غسل الأموال القذرة، وذلك على عكس تلك الدول التي تسمح تشريعاتها بإدخال مبالغ نقدية إليها بلا حدود ولا قيود. ولتوضيح وجه من وجوه غسل الأموال، لنتصور على سبيل المثال لو ادخل شخص مبلغ مليون وحدة نقدية لدولة ما عبر المطار، وعلى رغم علم رجال الجمارك بها، سمح له بالدخول بتلك الأموال. هنا سيتمكن صاحب المال من شراء أي بضاعة ثم بيعها بأي سعر ومن ثمَّ إيداع تلك المبالغ المجهولة المصدر في أي مصرف تجاري في البلاد.
وبهذا تتلاشي مصادر تلك الأموال لأن هذا يعني إمكان تحويل ما يعادل ذلك المبلغ بالدولار أو بأي عملة صعبة إلى أحد المصارف السويسرية أو الأميركية مثلاً. بهذا تصبح تلك الأموال نظيفة، على رغم أن مصدر تلك الأموال لم يزل مجهولا، علما بأنه يمكن أن تكون مقابل تهريب مخدرات أو الاتجار بالأسلحة او الدعارة أو غيرها. المشكلة في تلك الدول التي تسمح قوانينها بدخول مبالغ نقدية عبر منافذها من دون مساءلة. لهذا نفهم مثلا لِمَ تعترض أميركا مثلا على إدخال أكثر من 01 آلاف دولار نقدا كحد اقصى عبر منافذها، ولِمَ تعتبر الهند إدخال أو إخراج أي مبلغ بعملتها المحلية عملا غير مشروع، مهما كان المبلغ صغيرا.
في هذا الصدد يلزم القول أن مملكة البحرين تمتلك جهازاً قوياً مفعماً بالنشاط ممثلا في مؤسسة نقد البحرين، وعلى رغم انتهاج البحرين الاقتصاد الحر، فانها وضعت ضوابط شديدة لابقاء المملكة نظيفة من أي عملية غسيل للاموال، اما بالنسبة للعمليات على المنافذ، فقد خصصت مؤسسة نقد البحرين مكتباً خاصاً لضبط هذه العملية في المطار والموانئ البحرية وجسر الملك فهد، كما ان البنوك مطالبة باشعار المؤسسة بالمبالغ التى تتخطى خمسة الاف دينار، أو أي عمليات مشبوهة.
والواقع أن مؤسسة نقد البحرين الأكثر كفاءة وسيطرة على إدارة الشئون النقدية في المنطقة، بيد أن التطلع إلى تطوير تشريعاتنا سيظل أمراً مطلوباً في ظل المستجدات العالمية.
- ولكن، ألا تؤثر تلك التشريعات في ترتيب الدول على سلم «الحرية الاقتصادية» الذي حصلت فيه البحرين على مرتبة متقدمة؟
* ربما، بيد أن هناك اقراراً بضرورة تشديد الخناق على ظاهرة غسل الأموال بالكيفية التي لا تضر بالحرية الاقتصادية، وهذه مسألة تتطلب قدرا ليس يسيرا من الدراسة.
- هل تعتقد بأن ظاهرة غسل الأموال موجودة بهذا القدر في المنطقة ؟
* يصعب إعطاء أرقام في هذا الصدد، وهذا أمر طبيعي، إذ أن ظاهرة غسل الأموال تتم أصلا بسرية كبيرة. لكن هناك مؤشرات لا تمر على المراقبين الدوليين المعنيين بغسل الأموال من دون تمحيص. فعلى سبيل المثال، أظهرت احدى الاحصاءات أن دولة شرق أوسطية هي أكبر مستورد للخمور في الشرق الأوسط!، وبيانات كهذه تدعو للتأمل، وتدعو لدراسة ارتباطها بظاهرة غسل الأموال والاتجار بالأسلحة. وأخبار كهذه نلتقطها بين ألفينة والأخرى في الكثير من الدول المحيطة. وعائدات تلك النشاطات يعد حصيلة أنشطة غير مشروعة ولهذا تحاربها الدول الخليجية، وترفض دخول عائد هذه التجارة لبلدانها.
- لماذا أميركا هي المعنية من دون غيرها بمحاربة ظاهرة غسل الأموال؟ ألا تعتقد بأن هناك خللا ما في ربط مصير العالم النامي بالدولار؟
* إن سوق المال الأميركية تمثل محطة وشريانا حيويين لحركة المال عبر العالم، فالتحويلات من البحرين إلى الهند مثلا، تتم إجراءاتها هنا، بيد أن البنك هناك يتلقاها عبر نيويورك بالدولار، ليحولها من هناك إلى الهند مثلاً. الواقع الراهن يظهر تحكم أميركي في منابع الأموال، وقد بدأ الاتحاد الأوروبي يعي أهمية الترويج لليوور بوصفه بديلاً للدولار، وبالفعل، بدأ الوفد الأوروبي الترويج لليورو بوصفه بديلاً للدولار في المبادلات المالية على نطاق واسع في جولة المفاوضات مع الدول الآسيوية أخيراً.
- دعنا نطرق موضوع التحويلات التي تجريها شركتكم للخارج. ما هي طبيعتها، وما هو حجمها مقارنة بحجم تحويلات العمالة العربية؟
* دعني اذكر أن هناك 280 ألف معاملة تحويل تمت خلال التسعة أشهر الأولى من هذا العام باتجاه الهند، وهذه التحويلات مصدرها البحرين، بيد أن هناك حوالي 280 ألف معاملة أخرى باتجاه الهند تتم في البحرين لصالح مصادر في السعودية، إذ أن هناك عدداً ضخما من العاملين الأجانب في السوق السعودية.
من جهة أخرى، ترتبط أرباح شركتنا والشركات المماثلة بحجم العمالة والاستثمارات الأجنبية من جهة، والاستثمارات الوطنية في القطاعات الاقتصادية من جهة أخرى، لذا كلما قل النمو الاقتصادي انخفض حجم العمالة، الأمر الذي ينعكس على حجم معاملاتنا المالية باتجاه الخارج. وعليه، فحجم أرباح المؤسسات المالية يرتبط ارتباطا وثيقا بالركود والانتعاش الاقتصادي.
ومن واقع رصد البيانات الخاصة بشركتنا يمكن القول أن المتوسط الشهري للمعاملة الواحدة باتجاه الهند وحدها تبلغ 130 ديناراً شهريا، وبما أن هذا يمثل المتوسط، فمن الطبيعي أن مقدار التحويل يتباين بشكل كبير وفقا للمدى الذي يقل سقفه الأعلى والأدنى عن المتوسط الحسابي. وبأخذ عدد المعاملات المشار إليها مع الهند مثلا، يتبين أن ما يتم تحويله عبر شركتنا وحدها نحو الهند فقط يبلغ 3.5 ملايين دينار في شهرياً، بينما تتراوح تحويلات العمالة بين 40 مليون دينار و5,24 مليون دينار سنويا. ويذكر أنه بينما تأتي تحويلات العمالة الهندية في الترتيب الأول، تأتي البنغالية في الترتيب الثاني، تليها الباكستانية، فالسريلانكية، فالفلبينية، وبطبيعة الحال ترتبط مبالغ التحويلات بحجم العمالة في السوق المحلية. أما بالنسبة لحجم التحويلات العربية من البحرين فتأتي المصرية في الترتيب الأول، تليها الأردنية فالسورية، إلا أن حجم التحويلات للدول العربية تقل كثيرا عن تلك التي تحول باتجاه الدول الآسيوية، فالمعاملات المالية الشهرية التي تتم مثلاً عبر شركتنا باتجاه سورية التي تأتي في الترتيب الثالث عربيا تتراوح بين 200 ألف إلى 300 ألف دينار شهريا.
- كيف تفسر تحويل ذلك الجزء الذي يوجه للهند مثلا بهدف الادخار في السوق الهندية، علما بأن خيارات الادخار متاحة في السوق المحلية والإقليمية؟ بمعنى آخر، لم لا نعمل على إغرائها لاستثمار مدخراتها داخل الاقتصاد المحلي.
* الادخار يتجه لأكبر عائد، فعندما كان سعر الفائدة على اذونات الخزانة في البحرين 3٪ في العام الماضي، كان البنك الهندي يعطي 8٪. أما الآن فالبنك الهندي يعطي 8.5٪ مقابل 1.5٪ في البحرين. هذا يفسر كل شيء. والحقيقة أن البنك الهندي يصدر سندات خزانة مغرية يستهدف بها العمالة الآسيوية في السوق الخليجية، وهذه حقيقة ربما لم يتم التعرض لها من قبل، وقد حصّلت احدى البنوك الهندي بفضلها من الشرق الأوسط ما يتجاوز الستة بلايين دولار، كان نصيب الخليج العربي منها 4 بلايين دولار وفقا للتقارير الدولية المعنية بالاستثمار في العالم.

العدد 41 - الأربعاء 16 أكتوبر 2002م الموافق 09 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً