نودع العام 2016 في أجواء عربية يصعب فيها التمني وما ينتظر من العام 2017.
هل حقاً سنعيش رغم الداء والأعداء مثلما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي وتغنّت بصوتها الجزائرية سعاد ماسي:
سأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداء... كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمّاءِ
أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئاً... بالسُّحْبِ والأَمطار والأَنواءِ
وأقولُ للقَدَرِ الَّذي لا ينثني... عَنْ حَرْبِ آمـالي بكلِّ بَلاء
لا يُطْفِئُ اللَّهبَ المؤجَّجَ في دمي...
كثيرة هي الأمنيات للعام 2017 ولكن أي أمنيات نريدها... والعرب غارقون في أنواع من الاستبداد، وهم أكثر الشعوب حديثاً عن التسامح والسلام وأشدهم كرهاً لبعضهم البعض، وأكثر الشعوب كلاماً عن الوحدة وأكثرهم انقساماً وأيضاً أكثرهم كلاماً عن حقوق الإنسان بينما واقعاً الإنسان لا يساوي شيئاً في قاموس بلداننا العربية التي إما يحرق أو يطحن أو يقتل أو يسجن أو ينفى. أما مجموعة شعارات الحرية والعدالة فهي تسقط مع أول صراع ينصب إما لصالح الطائفية أو القبيلة السياسية.
إن صدمة الواقع العربي كبيرة، وما أشدها ألماً عندما نرى صحفاً عربية تغادر مشهدنا العربي مثل «السفير» في مرحلة حساسة، متقلبة، ومتغيرة في المزاج السياسي العربي الذي أصبح متخبطاً ومحبطاً وقاسياً وضائعاً ليصل إلى وضع يطبّع مع الأعداء ويراقصهم في صورة لا تختلف عمّا كان يرسمه من كاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي.
الصورة القاتمة هي التي تلاحق الشباب العربي، فواقعهم ليس بالصورة الوردية التي ترسمها بلدانهم، واضعة رؤى للاستهلاك الإعلامي. الحقيقة أن كل الشباب العربي مازال يتعرّض للتهميش المستمر، وهو بلا عمل وبلا صوت، أو يقف في طوابير البطالة منذ سنوات، وهجرة الشباب العربي مستمرة نحو الغرب في مقابل زج الشباب في السجون والقتل دون محاسبة.
بعد مرور ستة أعوام على الربيع العربي، برزت معها ممارسات غيّرت بعض الدول التي إما شهدت ثورات أو احتجاجات أو تغييرات ناقدة أدت إلى تغيير في بعض دساتير البلدان. ورغم أن الشباب هو من قاد حراك التغيير، إلا أنه هو نفسه من وقع ضحية سياسات الحراك المضاد للتغيير داخل المجتمعات العربية، وعلى رأسها تنامي ممارسات الإفلات من العقاب التي ربما تعد من أكثر الأشياء التي يتباهى بها العرب في مجتمعاتهم التي لا يحكمها القانون. وثقافة تسعى على الدوام لمنع حرية الرأي وحجره المستمر على الآخرين، معللةً بتبريرات كثيرة تعلم يقيناً أنها لن تحاسب على فعلها. وهو ما يؤدي إلى اختلال في المجتمع بعد أن يخنق النقد ولا تُطرح الأسئلة ويصبح الفاعلون أحراراً.
وهنا نستشهد بما كتبه الكاتب الفلسطيني أكرم عطا الله في مقاله «نحن عالة على البشرية» عن أوطاننا العربية: «قبل سقوط الرئيس المصري حسني مبارك بسنوات ذهب للعلاج في أحد المستشفيات الألمانية، وقد لفتت الحركة غير العادية داخل المستشفى نظر مواطن ألماني كان يتعالج بنفس القسم الذي كان يتعالج فيه مبارك، فسأل عن النزيل المجاور فقيل له إنه زعيم عربي، فسأل كم سنة له في الحكم؟ قيل له: ثلاثة عقود، قال: هذا دكتاتور وفاسد، أما لماذا ديكتاتور فلأنه في الحكم منذ ثلاثين عاماً، وفاسد لأنه رئيس وضعت تحت تصرفه كل الإمكانيات والصلاحيات ولم ينشئ مستشفى يثق في العلاج به في بلاده».
للأسف كل ما لدى العرب سوى الكلام والأموال التي تسخّر للفرقة والقتل والتحريض، ولا نفعل سوى الكلام حتى بدأت أوطاننا تنهار يوماً بعد يوم. إن الكثير الذي حدث ومازال يحدث في البلدان العربية، سواء المزلزلة بصراعات الحروب أو تلك الغارقة في ممارسات تضرب بعرض الحائط كل القوانين المطبقة كأعراف، تنتهي إلى احتقان مجتمعي يولد حالة انتقام وعنف. ولعل ما يحدث اليوم في تونس من محاسبات هو جزء من إحلال التوازن داخل المجتمع الذي عانى من قضية الإفلات من العقاب في مراحل سابقة.
إن كانت هناك أمنية من أمنيات عربية للعام 2017 فهي لن تكون منصبة فقط على إحلال سلام واستقرار دون العمل على القضاء لممارسات الإفلات من العقاب بشتى صورها في كل بلد عربي. وهي واحدة من العناصر الأساسية لخلق ديمقراطية سليمة في مناخٍ لا يخاف من النقد، بل مناخ يستمع وينصت للآخر ويساهم في بناء الأوطان ويعطي الفرصة للشباب للعمل والإبداع.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 5230 - السبت 31 ديسمبر 2016م الموافق 02 ربيع الثاني 1438هـ
آه على أمة لاتقرأ
وداعا 2016