فرضت واشنطن أمس الأول الخميس (29 ديسمبر/ كانون الأول 2016) عقوبات على موسكو على خلفية اتهامها بالوقوف وراء قرصنة معلوماتية طاولت الحزب الديمقراطي والبريد الالكتروني لفريق المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وأثرت على الانتخابات الرئاسية الأميركية.
تقنياً، يبدو من الصعب تقديم أدلة غير قابلة للدحض تتيح تحديد هوية المنفذين والهدف من عملية القرصنة. وهذه القضية تثير القلق حتى في أوروبا حيث تشهد ألمانيا وفرنسا انتخابات في العام 2017 وبات مسئولون سياسيون يتساءلون عن مدى تأثير أو حتى تدخل روسيا.
ما نعرفه
الفضيحة انكشفت في يونيو/ حزيران عندما أعلنت شركة «كراود سترايك» الأميركية لأمن المعلوماتية أن مجموعتي قرصنة هما «فانسي بير» و»كوزي بير» اخترقتا أجهزة الكمبيوتر للحزب الديمقراطي.
المجموعة الأولى قامت بعملية الاختراق منذ صيف 2015 لرصد كل اتصالات الحزب الديمقراطي، بينما قامت المجموعة الثانية برصد وسرقة ملفات متعلقة بالمرشح الجمهوري دونالد ترامب اعتبارا من مارس/ آذار 2016.
وشركة «كراود سترايك» واثقة بما تقوله فمجموعة «كوزي بير» مرتبطة بجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية «جي آر يو» بينما «فانسي بير» مرتبطة بجهاز الامن الفدرالي الروسي «اف اس بي». وبعد شهر من إعلان الشركة الأميركية، باشر موقع «ويكيليكس» نشر قسم من الرسائل الالكترونية التي تمت قرصنتها.
في السابع من أكتوبر/ تشرين الاول الماضي، توصلت وكالات الاستخبارات الأميركية البالغ عددها 17، إلى خلاصة مفادها أن عملية القرصنة تم تنظيمها من روسيا وكان ذلك في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية وبعد نشر رسائل الكترونية مقرصنة بشكل شبه يومي لمدير حملة كلينتون، جون بوديستا.
تواصلت الاتهامات بعد فوز ترامب في الانتخابات ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» وثيقة تؤكد فيها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) ان روسيا تدخلت لصالح فوز قطب الاعمال.
في 12 ديسمبر، اعلن الكونغرس فتح تحقيق برلماني بشأن التدخل الروسي في الانتخابات. وأمس الأول، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن «35 عنصراً في الاستخبارات الروسية» هم مسئولون في السفارة الروسية في واشنطن وفي القنصلية الروسية في سان فرنسيسكو باتوا «اشخاصا غير مرغوب فيهم». كما أعلن فرض «عقوبات» على «تسعة كيانات وافراد»، وخصوصا ضد «اف اس بي» و»جي آر يو».
وردا على ذلك، اتهم الكرملين الذي ينفي منذ البدء اي تورط في المسألة، واشنطن بـ «تدمير» علاقاتها مع موسكو بشكل نهائي.
هل لدى روسيا الوسائل التقنية للقيام بمثل هذه القرصنة؟
لا شك في أن القراصنة الروس بارعون، وهذا تقليد متوارث من عهد الاتحاد السوفياتي عندما كان الأخير رائداً في التجسس الاقتصادي. وانتقلت روسيا بعدها للتركيز على أهداف سياسية.
الدولة الاولى التي دفعت ضريبة هذه المهارات كانت استونيا في العام 2007. فبعد خلاف دبلوماسي مع موسكو تعرضت الخوادم الرئيسية لأبرز مواقع الانترنت لطلبات مكثفة بحيث لم تعد صالحة للاستعمال. كما ظل الرقم المخصص للطوارئ غير متوافر لمدة ساعة وهو أمر غير مسبوق على صعيد دولة.
كما تعرضت أوكرانيا وجورجيا اللتان شهدتا أيضاً علاقات متوترة مع روسيا لهجمات مماثلة. وقال رئيس تحرير موقع «اجينتا.رو» المتخصص في قضايا التجسس، اندري سولداتوف: «بالنظر إلى تاريخ روسيا في الهجمات المعلوماتية أميل إلى الاعتقاد بأن هناك تنسيقاً بين جهات خاصة وحكومية على أعلى مستوى».
ما هو الهدف من عملية القرصنة؟
اعتبر عدد كبير من المراقبين أن الهدف من التدخلات الروسية كان قبل كل شيء زعزعة الثقة بشرعية الانتخابات الأميركية لإضعاف الإدارة المقبلة. لكن تقريراً لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية تم تسريبه إلى الصحف، مضى أبعد من ذلك وأكد أن موسكو نظمت هذه العمليات لضمان فوز ترامب الذي غالباً ما أشاد بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال سولداتوف انه يميل إلى الاعتقاد بأن العملية كانت تهدف لإضعاف كلينتون التي اعتبرها الكرملين «عدوة لدودة» منذ أعلنت دعمها عندما كانت وزيرة للخارجية لتظاهرات معادية لبوتين في العام 2011. وتابع سولداتوف «لست واثقاً بأن الهدف الأول كان ضمان انتخاب ترامب».
العدد 5229 - الجمعة 30 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الثاني 1438هـ