«لانزال نقاوم»، بهذه العبارة المختصرة اختار مالك دار «فراديس للنشر والتوزيع» موسى الموسوي، افتتاح حديث بشأن أحوال صناعة النشر والكتاب في مملكة البحرين.
أحوال ترصدها «الوسط»، في تقريرها، وهي تتقصى خلف واقع الكتاب، حيث الإنتاج المستمر للتأليف في الداخل البحريني، وحيث الشكاوى المستمرة من ضعف الدعم الرسمي وغياب المبادرات الثقافية.
إلى جانب التباين حيال القول إن شهية البحرينيين ناحية القراءة، في تراجع، ولذلك أسبابه.
تراجعت... لم تتراجع
لم يستقر الرأي بخصوص تراجع أو عدم تراجع مستوى ونسبة القراءة لدى البحرينيين، فبين من يرى أن «الكتاب لايزال بخير وأن الإقبال على القراءة لم يتراجع»، كما هو الحال مع كل من المواطن سيد هاشم الساري، والكاتب الصحافي وسام السبع والروائية جليلة السيد، وبين من يدق ناقوس خطر، وهو يشير إلى وجود حالة تراجع، وهو ما يطرحه صاحب مكتبة بنت الهدى حسين محمد.
في ذلك، كان محمد يقول: «نعم، هنالك شريحة من القراء في صفوف البحرينيين، غير أن المطلوب والطموح هو أن تتسع هذه الشريحة كثيراً، لتصبح القراءة سلوكاً يوميّاً لدى الجميع، ولا أقل من أن ينظر هؤلاء إلى أهمية الكتاب كنظرهم لأهمية الأكل».
الخبز أم الكتاب؟
هل أثرت الأزمة الاقتصادية، على إقبال البحرينيين على القراءة واقتناء الكتاب؟
يجيب موظف المبيعات بدار المعرفة للطباعة والنشر السورية، مؤيد ارشيد، على ذلك بالإثبات، وهو يؤكد أن الحالة لا تقتصر على البحرين، بل تطول مختلف الدول، بما فيها قطر وإيران، في حديث له عن تجربة مباشرة عاينها عبر المشاركة في معارض الكتاب خلال العام 2016، مرجعاً ذلك إلى حالة الحروب ودعمها، إلى جانب التأثيرات النفسية المصاحبة.
وفي البحرين، يشير ارشيد إلى شكاوى من الغلاء المتنامي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعيد ترتيب سلم الأولويات، فـ»لا منافس لأولوية الخبز»، على حد تعبيره.
وتتخصص دار المعرفة في مجال بيع المصحف الشريف، ما مكنها منذ العام 1994 من بيع 25 مليون نسخة على مستوى العالم.
زهد اقتناء الكتاب لم ينحصر في شريحة عوام القراء، فالروائية البحرينية جليلة السيد تؤكد تأثر موازنتها المخصصة لاقتناء الكتب في ظل أزمة اقتصادية، فـ«فارق الأسعار، يتجه بي ناحية الكتاب الإلكتروني، على رغم عشقي لرائحة الورق».
مبادرات محمد
بن راشد «المذهلة»
حين يحضر الكتاب، يحضر ذكر حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بسلسلة مبادراته الداعمة للكتاب والثقافة.
مبادرات عابرة بتأثيراتها لحدود الدول، قال عنها صاحب مكتبة بنت الهدى البحرينية حسين محمد، أحد البحرينيين القلة في هذا المجال (بيع الكتاب الورقي)، «ما أذهلني أن هذه المبادرات، انعكست على عملي في البحرين، وبسببها قدُم لي عدد من الزبائن».
عطفاً على ذلك، يوجه عدد من البحرينيين سهام نقدهم إلى دور الجهات الرسمية في مملكة البحرين المعنية بالجانب الثقافي، تحديداً في غياب مبادرات شبيهة بالمبادرات الإماراتية. يعقِّب حسين وهو يخاطب هذه الجهات «أطلقوا المبادرات، وأقيموا المهرجانات، واجتذبوا الناس للكتاب».
أين القارئ؟
ضلع رئيسي هو ما يمكن التعبير به عن واقع دور النشر في «صناعة الكتاب». صناعة يتشاءم حيالها صاحب مكتبة بنت الهدى كثيراً وهو يصفها بـ»الصناعة المقتولة»، مطالباً الدولة بتهيئة الأرضية والظروف لولادة دور نشر بحرينية بجانب العدد المحدود الموجود والذي يقاوم منفردا.
الأسباب وراء حال وواقع صناعة النشر في البحرين، يرجعها حسين إلى جملة أسباب يتصدرها غياب القوانين والتشريعات الحامية للناشر، ما ينتهي بهذا الأخير للتعرض لعقبات لا تنتهي من العراقيل.
يقول ذلك حسين، وهو يتأسف على تفريط الجانب الرسمي بفرصة استثمار البحرين بوصفها «أرضاً خصبة للثقافة على مستوى منطقة الخليج، حتى يمكننا القول إن البحرين لوحدها قادرة على أن تلعب الأدوار الثلاثة الرئيسية، تؤلف وتطبع وتقرأ»، لافتا في الوقت ذاته إلى وجود مطابع في البحرين قادرة على إنتاج كتب تضاهي ما تنتجه مطابع بيروت «غير أنها الجدوى الاقتصادية التي تمثل عائقا ومانعا».
وفي «فراديس»، كان صاحبها الموسوي يؤكد أن «نَفَس صناعة النشر بحرينيّاً، لا يزال حاضراً، فهناك من يؤلف وهناك من يطبع، ليتبقى الضلع الثالث المفقود، ممثلاً في القارئ»، ودلل على ذلك بقوله: «خلال العام 2016 طبعنا 12 عنواناً، وخلال أسبوعين فقط (من العام 2017)، طبعنا عبر «فراديس» 8 عناوين لكتَّاب بحرينيين، وهو ما يؤكد استمرار حضور الكتاب، لكننا نتساءل: أين القارئ؟».
ومن تجربته، يتحدث الموسوي عن ضعف اقتناء الكتب بحرينيّاً، مقدراً النسبة بما لا يتجاوز 20 في المئة من اجمالي عدد النسخ المطبوعة، واستدرك «عدا حالات استثنائية، نعبر عنها بـ»الطفرة»، من بين ذلك مثلاً ما حققته رواية (أوركيد)، وما حققته كذلك رواية للكاتبة السعودية سارة العليوي حين نفدت ألف نسخة في شهر ونصف فقط».
وأضاف «على صعيد البحرين، لدينا مثال هو كتاب «ذاكرة الوطن والمنفى» لعبدالنبي العكري، الذي استغرق تأليفه سنتين ونفدت منه ألف نسخة خلال سنة، غالبيتها كانت خارج البحرين»، منوهاً في هذا الصدد إلى الاعتماد على الخارج لضمان «انتشار أكبر للكتاب».
العكري والكتاب:
لا انقطاع
بجانب ما اشتهر عنه من تجربة سياسية وحقوقية، يملك البحريني عبدالنبي العكري، تجربة كتابية لافتة، قوامها حتى الآن 30 كتابًا، من بينها كتاب «التنظيمات اليسارية في الجزيرة والخليج العربي»، «أكثر كتبي التي وضعت فيه جهدا، والوحيد في مجاله»، يقول العكري.
ويضيف العكري كاشفاً عن مشاريعه القادمة «هناك الجزء الثاني لكتاب (ذاكرة الوطن والمنفى)، وسيحمل عنوان (في أحضان الوطن)، وفيه سأروي تجربة ممتدة من العام 2001 حتى العام 2015»، مؤكداً جهوزية الكتاب الذي يأتي في 240 صفحة، وحدد موعد إطلاقه بـ«غضون شهرين»، وعقب «فيه سأتحدث عن تجربة العيش في الوطن بعد سنوات من المنفى والتفاعل مع مختلف البيئات داخليا وخارجيا».
العكري صاحب الاهتمامات والمواهب الفنية المستترة، مولع بفنون السينما والرسم، وحريص على تتبع التجارب والفعاليات الفنية والثقافية ما كوَّن لديه «مخزوناً» من المواد، القابلة للتحول لمشروع كتاب، في أية لحظة.
ومن مجموع كتبه الثلاثين، منحت الترجمة للعكري، نصفها، حتى بات رصيده اليوم يضم 15 كتاباً ترجمها للعربية من الانجليزية، «أتناول بتركيز الموضوعات الخاصة بمنطقة الخليج، وحاليّاً أنا بصدد التوسع في ترجمة (الاستبداد العربي)، وهو كتاب لمجموعة مؤلفين صادر عن جامعة كمبريدج»، يقول العكري.
وبشأن تجربته في تدوين السيرة الشخصية والملاحظات المقدمة، كشف العكري عن عزمه على إعداد نسخة ستحوي ما لم يبح به في كتابيه «ذاكرة الوطن والمنفى»، و»في أحضان الوطن»، وعقَّب «ما كتبته، حتى الآن كان في حدود المباح، وعلى رغم ذلك، كانت الانتقادات حاضرة. إنها الفئة التي تريدك ان تكتب ما تريد هي».
الصايغ متقاعداً: الكتاب وظيفتي
اما الخبير الاقتصادي جعفر الصايغ، فللتو كان يخرج من ربقة الوظيفة وارتباطاتها، لينطلق نحو آفاق جديدة، أبرزها معانقة الكتاب وتأليفه.
التقته «الوسط» وهو المنتهي قبل أسبوعين فقط من طباعة وتوزيع كتابه «قضايا اقتصادية».
يقول الصايغ: «ما تضمنه الكتاب هي مقالات منشورة، لكني عملت على التوسع فيها بحيث أخذت فكرة من كل مقال وتوسعت فيها، وأضفت إليها، وخرجت ببعض التوصيات بما يوفر فائدة للقارئ في كيفية تحليل التغيرات الاقتصادية، وآمل أن يشكل إضافة إلى المكتبة البحرينية».
وتقييماً لواقع المكتبة البحرينية الاقتصادية، قال: «أعتقد اننا لانزال نفتقر إلى الثقافة الاقتصادية وللكتب الاقتصادية وعلى رغم من أهمية وتنوع وزيادة التطورات والفعاليات الاقتصادية الا أن الكتب الاقتصادية لاتزال قليلة بالنسبة إلى حجم الأحداث الاقتصادية».
وأضاف «تمر علينا أحداث وتطورات اقتصادية واقتصادنا منفتح على الاقتصاد العالمي، لكنك تجد مثلاً قليلاً من الكتاب البحرينيين الذين تناولوا موضوع كـ(العولمة)، وأنا أعني هنا كتباً لا مقالات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تغيرات الأزمة الراهنة، الى جانب عملية التحليل بالنسبة إلى التطورات الاقتصادية»، وخلص إلى القول «لاتزال المكتبة البحرينية تفتقر الى نوعية من الكتب الاقتصادية».
أسباب ذلك تعود، وفقاً لما يطرحه الصايغ، إلى «نقص العقول الاقتصادية البحرينية»، مضيفاً «عدد الاقتصاديين الموجودين في البحرين هم على عدد أصابع اليد، وبجانب ذلك هناك سبب عدم تفرغ من هو موجود، وتشجيع المؤسسات على الأبحاث والدراسات، لذلك أعتقد أننا بحاجة لوضع برنامج لتحفيز وتشجيع الكتابة والتأليف».
في الإطار ذاته، تطرق الصايغ إلى تجربته فقال: «أحد أسباب تقاعدي هو التفرغ إلى الكتابة، ومن مشاريعي الحالية هو كتاب يتناول كيفية الاستثمار، وآخر يتحدث عن الطبقة الوسطى، وثالث عن الشركات العائلية، ورابع عن الاقتصاد الإسلامي».
ما يستهوي البحرينيين
أجيال تتعاقب، واتجاهات تستحدث، يشمل ذلك ما يقرأه البحرينيون ويجتذبهم.
تتنوع المجالات، وتشمل وفقاً لاستطلاع عام، الروايات، الكتب الدينية، كتب الأطفال، كتب السير.
يعلق المواطن بشار منصور، القارئ النهم منذ الصغر، فيقول: «أحوز في مكتبتي الخاصة آلاف الكتب، تجمعت لدي بسبب علاقتي المستمرة مع الكتاب منذ الصغر»، معبراً عن علاقته بالكتاب بالقول: «أقرأ كل يوم، ورقيّاً وإلكترونيّاً».
وبين من يرى أن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، مثل عاملاً سلبيّاً، تقلصت بسببه عدد الساعات المخصصة للقراءة اليومية، يشير الكاتب الصحافي وسام السبع والروائية جليلة السيد إلى نقيض ذلك، وهما يؤكدان أن الحالة الإلكترونية تمثل «عاملاً مساعداً» و»بوابة»، تقرب البحرينيين أكثر وأكثر من الكتاب الورقي.
العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ