العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ

لا يمكن جرّ بلاد مترددة نحو حرب والديمقراطية لا يمكن فرضها بالقوة

الصحف الأميركية والبريطانية:

أمنة القرى comments [at] alwasatnews.com

.

مع تزايد المؤشرات لاقتراب الدول الخمس في مجلس الأمن من التوصل إلى اتفاق على طريقة التعامل مع الأزمة العراقية، احتل حيزا واسعا من اهتمام الصحف الأميركية والبريطانية، خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي وجهه إلى الشعب الأميركي، وأكد فيه أن شن هجوم على العراق هو آخر خياراته لكنه تعهد باستخدام «ما لدى الجيش الأميركي من قوة» إذا لزم الأمر لإرغام بغداد على التخلي عن أسلحة الدمار الشامل.

فوجهت «نيويورك تايمز» انتقادات شديدة اللهجة إلى خطاب بوش وقالت إنه لم ينجح في تبرير الهجوم المحتمل على العراق، في حين رحبت به الصحف الأخرى ولكن من دون الإشارة إلى ما إذا كان حقق الهدف المنشود. ورأت «نيويورك تايمز»، انه لايزال أمام بوش الكثير يقوم به إذا كان يأمل في إقناع الأميركيين بضرورة استخدام القوة العسكرية لنزع أسلحة العراق. ولاحظت «واشنطن بوست» ان بوش أخذ في الاعتبار جميع الشكوك التي تساور الأميركيين في شأن مواجهة مع العراق وكما هو الحال خلال مرافعة حاول الرد عليها نقطة نقطة. وخلصت «يو أس آي توداي» إلى أن الخطاب الرئاسي لم يضع حدا للنقاش لكنه ساهم في تبديد قلق الذين يرون أن لا شيء سيردع بوش عن شن هجوم على العراق وأنه لا يريد حقا منح المفتشين فرصة أخرى وينوي التحرك بمساعدة الحلفاء أو من دونهم. وفي السياق نفسه كتبت «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها، أنه لا يمكن جرّ بلاد مترددة نحو حرب، لافتة إلى أن معظم الأميركيين متخوفون من أن تؤدي الخطوة العسكرية ضدّ العراق إلى المزيد من الإرهاب وإلى حرب شاملة في الشرق الأوسط ولذلك هم يفضلون استنفاد كل الأشكال الدبلوماسية قبل جرّ البلاد نحو الحرب. وخلصت إلى أن الشعب الأميركي يحمّل الرئيس بوش مسئولية هذا الموقف، في إشارة منها، إلى قول الرئيس بوش إن موافقة الكونغرس الأميركي، السماح له باستخدام القوة ضدّ صدام، لا تعني ان الحرب ستكون وشيكة وانه لا يمكن تجنبها. كما في محاولته تهيئة الأميركيين لاحتمال الحرب، حين أمل ألا تكون ثمة حاجة إلى عمل عسكري، فاعتبرت الصحيفة الأميركية، أن هنا مكمن مسئولية بوش.

فيما شرح وليام سافير في «نيويورك تايمز» مفاصل مهمة في خطاب بوش، معتبرا انه بعد حرب الخليج اكتشفنا خطورة دكتاتور العراق واليوم بعد حرب الخليج الثانية سنكتشف بحرا من المعلومات حول تورط صدام «بالإرهاب». ورأى أن الرئيس الأميركي، يحاول اليوم الربط بين تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتغيير النظام لتحرير الشعب العراقي. وهو يعتبر انه لا يمكن الفصل بين هذين الهدفين، وانه لا يمكن تحقيق أحدهما من دون الآخر. وأضاف أن المناورة الأخيرة لصدام حسين، لتجنب الخروج من السلطة هي محاولة منه لفصل هذين الهدفين. لافتا إلى أن لعبة صدام التي نجحت في السابق هي التالية: إعلان قبول عودة المفتشين الدوليين إلى العراق، ومن ثم يسعى بدعم من فرنسا وروسيا المتلهفتين لعقد الصفقات مع العراق، إلى طرد «جواسيس» الأمم المتحدة. ولفت سافير، إلى أن صدام، يلاحظ اليوم توافقا بين الكونغرس الأميركي والرئيس، وهو يدرك أن هذا الأمر سيدفع الأمم المتحدة إلى الموافقة على استصدار قرار جديد بشأن العراق. لذلك فإن صدام قد يبدأ بشن حملة دبلوماسية استباقية (في تشبيه لمفهوم الضربة الاستباقية التي أقرتها وثيقة البيت الأبيض عن استراتيجية الأمن الأميركي): دعوة جديدة غير مشروطة لعودة المفتشين الدوليين إلى العراق. وخلص سافير إلى القول، ان التجارب الماضية يجب أن تذكرنا انه لا يمكن ضمان نزع السلاح العراقي من دون الإطاحة بصدام وعصاباته. موضحا أنه بعد حرب الخليج، اكتشفنا خطورة دكتاتور العراق، واليوم بعد حرب الخليج الثانية سنكتشف بحرا من المعلومات عن تورط صدام «بالإرهاب».

لكن تاكي في «ذي سبكتيتور» البريطانية، الذي سخر من المحافظين الأميركيين في الإدارة الأميركية، ورأى ان إسرائيل تسعى وراء قيام اسرائيل الكبرى، أسف من ان أحدا لا يقرأ التاريخ، ولا حتى التاريخ الحديث على الأقل، أيّد ما قاله الكاتب الأميركي بات بوشانان، الذي رأى أن الفترة التي حكم فيها حزب المحافظين، كانت نقطة قوة لأميركا. موضحا ان بوشانان، شدّد على فكرة ان سياسيين محافظين كانوا يقودون أميركا في الحرب الباردة أمثال آيزنهاور، وريغان. وكيف رفض هؤلاء الانجرار إلى الحروب. وأعرب تاكي، عن أمله في أن تقرأ الإدارة الأميركية الحالية هذا المقال (بوشانان) بتمعن. ورأى تاكي، ان الولايات المتحدة لن تهزم طبعا على يد دولة مارقة مثل العراق، لا تملك سوى القليل من الصواريخ التي يصل مداها إلى 400 ميل. لافتا إلى أن كل الناتج القومي الإجمالي لكل الدول العربية البالغ عددها 22 دولة، هو أقل من الناتج المحلي في اسبانيا وحدها. وأضاف بلهجة متهكمة أن البعض في الإدارة الأميركية متلهف اليوم للذهاب إلى الحرب، قبل أن تتمكن ربما إحدى هذه الدول من أن تطور وسائل النقل العامة مثلا، أو لا سمح الله، أن تقيم نفقا للجمال تحت الأرض. وأضاف ان فتح العراق بالنسبة إلى هؤلاء المحافظين في الإدارة الأميركية اليوم الذين وصفهم بالساموراي، سيحقق لهم أهدافا كثيرة؛ إذ انه سيبقي العراق محتلا، وسورية تحت سيطرة القوى الإسرائيلية والأميركية والتركية. كما ان رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون، سيتمكن من العودة إلى لبنان، وإحراز نقاط إيجابية ضد حزب الله.

وأضاف تاكي، ان هذا الهجوم أيضا سيبقي إيران، محاطة بالقوى الأميركية الموجودة في تركيا والعراق والخليج وأفغانستان وآسيا الوسطى والبحر العربي. إلاّ أن تاكي، رأى ان هذه الخطط التي تبدو عظيمة على الورق، إلاّ أن أهدافها، كانت لتخيف الإسكندر المقدوني العظيم.

وإذ أبدى أسفه من ان أريل شارون، قد نسي ماذا حصل له في لبنان إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فقد استطاع هذا البلد الذي وصفه بأنه «الأضحوكة» أن يطرد إسرائيل ويقودها خارجا بعد 18 عاما من الحرب الدامية. ورأى تاكي، ان كل الأنظمة العربية الموالية للغرب ستسقط الواحدة تلو الأخرى، عندما تهدد الهيمنة الأميركية العالم الإسلامي. وأضاف قائلا، تذكروا ماذا حصل للأنظمة العربية التي تعاملت مع قوى الاستعمار الأوروبية؟ ولفت تاكي، إلى أن إسرائيل، المتشردة، تسعى وراء قيام إسرائيل الكبرى، وهي تريد من الأميركيين أن يتحملوا الجزء الأكبر من تبعات هذا الهدف. وتساءل تاكي ساخرا، عمن سيحلّ مكان آل سعود، إذا قضي عليهم، هل هم الديمقراطيون أم مؤيدو زعيم القاعدة أسامة بن لادن. وخلص تاكي قائلا، ان البريطانيين خرجوا من فلسطين وعدن، والفرنسيين خرجوا من الجزائر، وإسرائيل من لبنان، والروس من أفغانستان، ولكن المؤسف ان أحدا لا يقرأ التاريخ، ولا حتى التاريخ الحديث على الأقل.

وهذا ما أكد عليه أيضا غيرشوم غورنبرغ في موقع «جيروزاليم ريبورت»، إذ لفت إلى أن درس شارون الأول الموجّه إلى بوش ونائبه ديك تشيني ومستشارة الأمن القومي غونداليزا رايس يقول إن أميركا لن تتمكن من التعاطي بشكل ناجح مع المسألة العراقية قبل أن تجد حلا للمشكلة الفلسطينية الإسرائيلية التي تحاول الإدارة الأميركية اليوم إبعادها عن جدول أعمالها، في إشارة من الكاتب إلى ما أثاره حصار عرفات إذ أدى إلى انشغال مجلس الأمن عن المسألة العراقية بمسألة عرفات. ولفت الكاتب، إلى أن سجل شارون الحافل في لبنان. سيعلّم بوش درسا أيضا إذ يكفي أن ينظر بوش إلى الوراء عشرين سنة عندما حاول شارون «تغيير النظام» في لبنان. فبعد ثلاثة أسابيع من وصول القوات الأميركية إلى العراق سيتحول الأميركيون من محررين إلى إمبرياليين غربيين يذلون العرب من جديد. ان عبارة حزب الله قد تعني في جنوب العراق ما عنته في جنوب لبنان. وبخلاف التوقعات العراقية، من أن حرب شوارع ستقوم في حال دارت معارك برية. رأى نيكولاس كريستوف في «نيويورك تايمز» الذي زار العراق، وحاول نقل صورة عن صدّام إلى الغرب، وأشار إلى أن صدّام، كاتب وفنان، من أهم رواياته «زبيبة والملك»، و«الرجال والمدينة». وإذ شبّه كريستوف صدّام بالقائد العربي صلاح الدين، رأى أن الهجوم الأميركي على العراق، للإطاحة بصدّام، سيطيح بكل المقربين منه في آن واحد. معتبرا ان تكريت ستكون ملجأ صدّام الأخير لأن سكانها لن يخونوه كما سيحصل في بغداد.

وفي السياق عينه، الذي يعتمد على الانقلابات الداخلية، للإطاحة بصدّام، لفت أنطون لاغاريا في «ديلي تلغراف» البريطانية، إلى ان مسئولين في الجيش العراقي يتقربون من المجموعات الكردية ويعرضون عليهم أن يوجهوا أسلحتهم ضدّ صدّام عند بدء الحرب العراقية الأميركية. ولاحظ أن إشارات التفكك هذه تظهر للمرة الاولى وهي دليل واضح على اقتناع المسئولين المقربين من صدّام بأن أميركا وبريطانيا تفكران جديا في الإطاحة بالرئيس العراقي.

من جهته، شبلي تلهامي (أستاذ في العلوم السياسية في جامعة ميريلاند) لفت في «نيويورك تايمز» إلى ان أحد أهم الأهداف التي تضعها الولايات المتحدة في حربها المرتقبة على العراق هو نشر الديمقراطية، والمساعدة في تحويل الأنظمة الفاسدة والمتعفنة في الشرق الأوسط نحو الديمقراطية. إلاّ انه رأى ان هذه الحرب، لن تحقق هذه الأهداف المرجوة، وإنما ستزعزع استقرار الشرق الأوسط أكثر وستعرضه لمزيد من القمع. وأضاف ان فكرة ان أميركا أحادية القوة، وتعرف مصالح الآخرين أكثر من أصحاب الشأن أنفسهم، هي فكرة لا تبدو مريحة لكثير من الأميركيين، هذا بالإضافة إلى انها متناقضة مع مبادئ الديمقراطية التي نسعى إلى نشرها. معتبرا ان الديمقراطية لا يمكن إملاؤها من خلال الحرب

العدد 38 - الأحد 13 أكتوبر 2002م الموافق 06 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً